إجراء انتخابات برلمانية بالاقتراع المباشر للجنسين في بلد صغير جداً كمملكة البحرين، تحيط به بلدان قد يصعب على بعضها تقبل فضاءات الاصلاحات السياسية، وإضاءات مشاركة كل الأطياف السياسية في اتخاذ القرار السياسي، في حد ذاته يعتبر إنجازاً كبيراً لصاحب العظمة ملك البحرين يشهد به العالم. إلا أن المضمون الديمقراطي للبرلمان الذي سينتخب غير واضح، لذلك اعتبرته أكثر التيارات السياسية في البحرين مقيداً للممارسة الديمقراطية بحسب الأصول والمعايير الدولية.
في الحقيقة من الصعب تقييم الأسس والقواعد القانونية التي بنيت عليها معادلة الانتخابات المقبلة، وشكل البرلمان، والممارسة الديمقراطية، وللوصول إلى قناعات منطقية لابد من دراسة الموضوع من مختلف جوانبه.
اأحادية النموذج البحريني
المتتبع للشئون السياسية في البلدان الأوروبية، لابد أن يلمس كمراقب، الفارق في ممارسة هذه البلدان العريقة للديمقراطية لحق شعوبها الانتخابي وسلاسة العملية الديمقراطية.
وعندما نتحدث عن تصنيف النموذج البحريني، فإنه بلا شك أحادي القالب والمفهوم، وليس له نظير في العالم. حقيقة الأمر أن البحرين اختارت السقف والقالب السياسيين اللذين يناسبان خصوصيتها السياسية. على سبيل المثال: هناك تناقض واضح بين ديمقراطية وضع القوانين والأنظمة الخاصة بالبرلمان وشرعيتها. المعروف أن الديمقراطية تعني حكم الشعب لنفسه، أي إدارة ذاتية للبلد وفقاً للأنظمة والقوانين التي يضعها ممثلو الشعب.
وحسب المعايير الدولية الديمقراطية، هناك ثلاثة معايير رئيسة معترف بها لممارسة العملية الديمقراطية وهي كالآتي:
1- إعطاء حكومة حزب الغالبية الحق في الحكم واتخاذ القرار السياسي وممارسته في حال فوزه بغالبية الأصوات في الانتخابات العامة.
2- إعطاء الحق للمواطنين في ممارسة الديمقراطية عن طريق الاقتراع الفردي في الانتخابات العامة لاختيار ممثلي الشعب في البرلمان وتعرف العملية الانتخابية بالتمثيل الديمقراطي.
3- إعطاء الحق للمواطنين في ممارسة الديمقراطية التمثيلية، بحيث تكون كل السلطات في يد الغالبية، ويمارس حكم الغالبية وفقاً للإطار الذي يضعه الدستور الذي أعد خصيصاً لتلبية احتياجات المواطنين الفردية والجماعية، ليكفل حرية التعبير، وممارسة الديانة، وهذا النوع من الديمقراطيات يسمى بالديمقراطية الدستورية.
إلا أنه في حال البحرين، فإن الأنظمة والقوانين المنظمة للانتخابات واللوائح الداخلية لمجلسي البرلمان (الشورى والنواب)، وضعت من قبل السلطة التنفيذية وليس السلطة التشريعية أو ما يعرف بممثلي الشعب، كذلك فإن دستور البحرين المعدل للعام 2002، الذي وضع أيضاً من قبل السلطة التنفيذية، اختار في ديباجته أن تكون إرادة الحكم مناصفة بين إرادة الشعب وإرادة الحكومة، أي أن يقوم الحكم بتعيين جميع أعضاء مجلس الشورى، كما يختار الشعب عن طريق الاقتراع كل أعضاء مجلس النواب. لهذا كان من المفروض أن تقوم السلطة التنفيذية بتنظيم انتخابات لاختيار ممثلي الشعب لمجلس تأسيسي لوضع الدستور، تماماً كما فعلت في دستور 1973، بالإضافة إلى قرار الأنظمة والقوانين الخاصة بالانتخابات وآلية عمل البرلمان، وفقاً لما ينص عليه الدستور المراد إقراره. يذكر أن الدستور يضع بنوده الشعب بعد أن يقدمه الخبراء لإقراره كما حصل في الثورة الفرنسية (في العام 1789) التي اطاحت بلويس الرابع عشر وأسست الجمهورية الفرنسية الأولى، عندما أقرت الجمعية العامة التي تمثل فئات الشعب الدستور الفرنسي والإعلان الفرنسي لحقوق الإنسان الذي أصبح لاحقاً إعلاناً «عالمياً» لحقوق الإنسان.
تقييم ممارسة الشعب لحقه الانتخابي
على رغم الانقسام الواضح في الأطياف السياسية البحرينية بين مؤيد ومعارض للمشاركة في الانتخابات البرلمانية، فإن الفئات والتيارات السياسية الأكثر تنظيماً تستطيع أن تصل إلى كل فرد في الشارع البحريني. إلا أن ذلك لن يتحقق لها عندما تضع الحكومة قوانين وأنظمة تغيب غالبية فئات الشعب من المشاركة، إما عن طريق حجب دوائر انتخابه أو التخطيط لإعطاء فئة مجالاً أوسع للمشاركة من فئة أخرى لها وزنها في البلد. هذه العملية تحدث خللاً في هيكلية البناء الانتخابي، مما يدفع تلك الفئة إلى عدم المشاركة لأنها تعتقد أن حقها الانتخابي قد سلب منها.
الواقع أن الندوات السياسية التي تعقد بين الفينة والأخرى على رغم قلتها، حاولت بعث رسالة مفادها، أن الوحدة الوطنية مطلب أساسي للشعب البحريني، وأن من واجب كل مواطن إنجاح التجربة الديمقراطية، وفي الوقت نفسه، رفض أية ممارسات طائفية ضد أية طائفة بحرينية. وبطبيعة الحال، يجب أن يكون هناك جهاز إعلامي في كل جمعية سياسية، مهمته الأساسية محاربة الطائفية، والدعوة إلى الوحدة الوطنية والتلاحم الوطني، بما في ذلك عدم التمييز بين الرجل والمرأة.
خصوصية دستور البحرين
خصوصية دستور البحرين تكمن في أن الدستور لم يوضع وفقاً للمعايير الدولية الثلاثة للممارسة الديمقراطية في العالم، النموذج البحريني كما هو واضح في الباب الرابع (السلطات) (أحكام عامة) المادة (32) أحادي النموذج والقالب، وهذه المادة جعلت من الملك رئيساً للسلطتين التشريعية والقضائية، ويستطيع اتخاذ قرارات فورية كما نصت عليه الفقرة (ب) التي تشدد على أن السلطة التشريعية يتولاها الملك والمجلس الوطني وفقاً للدستور. ويتولى الملك السلطة التنفيذية مع مجلس الوزراء والوزراء، وباسمه تصدر الأحكام القضائية، وذلك كله وفقاً لأحكام الدستور.
كما يعين الملك وفقاً للمادة (33) أعضاء مجلس الشورى. وبهذا أعطيت صلاحية أوسع للملك: كإصدار قوانين في فترة حل مجلس النواب كما هو مبين في المادة (38) إذا حدث فيما بين أدوار انعقاد كل من مجلس الشورى ومجلس النواب أو في فترة حل مجلس النواب، ما يوجب الإسراع في اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير، جاز للملك أن يصدر في شأنها مراسيم تكون لها قوة القانون، على ألا تكون مخالفة للدستور.
أما خصوصية البرلمان البحريني فتكمن في نظام المجلسين كما نصت عليها المادة (51) وبذلك يتألف المجلس الوطني من مجلسين: مجلس الشورى ومجلس النواب يتساويان في الصلاحية واتخاذ القرار. وحدد الفرع الأول (مجلس الشورى) في المادة (52) عدد أعضاء المجلسين، وتنص على أن مجلس الشورى يتألف من أربعين عضواً يعينون بأمر ملكي. كما تنص الفقرة (د) على أن الملك يعين رئيس مجلس الشورى لمثل مدة المجلس، وينتخب المجلس نائبين لرئيس المجلس لكل دور انعقاد. أما المادة (55) فإنها تنص في الفقرة (أ)على حق مجلس الشورى بأن يجتمع عند اجتماع مجلس النواب، وتكون أدوار الانعقاد واحدة للمجلسين.
وفي الفرع الثاني (مجلس النواب) تنص المادة (56) على أن مجلس النواب يتألف من أربعين عضواً يُنتخبون بطريق الانتخاب العام السري المباشر وفقاً للأحكام التي يبينها القانون.
مما تقدم من تحليل لواقع التجربة الديمقراطية في البحرين، ان التجربة إذا لم تُبن على عنصر أساسي وهو بناء الثقة بين الحاكم والمحكوم، فإن قطاعاً كبيراً من الشعب سوف يشكك في صدقية التجربة الانتخابية، مما يجهض المشروع الديمقراطي برمته. والحل لإنجاح التجربة هو إجراء حوار مباشر وصريح بين الحكومة وجميع الأطياف السياسية.
كاتب بحريني، سفير سابق
العدد -6 - الثلثاء 03 سبتمبر 2002م الموافق 25 جمادى الآخرة 1423هـ