عندما شرب عادل إمام زجاجة الكوكاكولا في مسرحيته الشهيرة، علق قائلا: «وحشة قوي...بس حا اشربها».
ربما هذه العبارة أكثر ما يصدق على حال المعارضة البحرينية هذه الأيام التي قبلت على مضض التعديلات التي أجراها على الدستور الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة الذي نودي به ملكاً لمملكة البحرين، وذلك بعد أسبوع من المناقشات الساخنة التي دارت في المنتديات والمجالس بين القوى السياسية بعضها بعضا، وكذلك بينها وبين «أميرها».
وكانت القوى السياسية تتدارس عدة خيارات لإجراء الضغوط أملاً في أن يتراجع الشيخ حمد بن عيسى عن إجراء التعديل بمرسوم، ليكون التغيير من خلال المجلس التشريعي المنتخب كما نص عليه دستور البحرين. وكان من بين هذه الخيارات «التلويح»ـ على الأقل ـ بمقاطعة الانتخابات كنوع من الضغط، ولكن هذا الرأي لم يجد صدى لدى هذه الجماعات تأسياً بتجارب عربية (الأردنية تحديداً) التي رفضت بعض القوى الدخول في اللعبة الديمقراطية، فأصبحت صفراً، ليس لها حساب.
الرأي السائد الآن لدى المعارضة أن تشارك في الانتخابات وتسعى إلى التغيير من الداخل.
وهناك شعور سائد بأن الشيخ حمد بن عيسى أراد أن يسرّع العملية التغييرية قبل أن تبهت الألوان، وحتى لا يفقد الإجماع الشعبي الذي تحصّل عليه من التصويت على الميثاق، كل هذا الزخم، خصوصاً وأن تحركات معروفة مصادرها، وأخرى غير معروفة المصادر أخذت تشكك في فعالية كل المشروع لبقاء بعض الرموز في مقاعدها وهي التي تنتمي إلى العهد الذي أراد الشعب أن يخرج منه ويلقيه وراء ظهره.
وهذا ما أشار إليه ملك البحرين في خطابه حين قال بأنه اختصر الزمن لسنتين، إذ كان من المعلن أن الانتخابات البرلمانية ستجري عام 2004 بحسب الحكومة، وهذه مدة طويلة ـ نسبياً ـ يمكن أن يحدث خلالها ما يعكر صفو (الميثاق).
مصدر رسمي رفيع المستوى (أكد للرأي العام عدم ذكر اسمه) إن من أهم الملفات التي يجب البت فيها هي موضوع الإصلاح الإداري والرقابة المالية، بمعنى محاربة الفساد الذي يفت في عضد أي إصلاح وتطوير وتغيير، قائلا «كل ما نرجوه مجيء حكومة بعدد أقل من اللصوص» مشيرا بذلك إلى الدور المحاسبي الذي سيمارسه كل من المجلس المنتخب وديوان الرقابة الإدارية والمالية الذي جرى وضع آلياته.
المصدر نفسه وصف وجود المجلس المعيّن على أنه صمام أمان مهم للمجتمع البحريني في وجه أي قوة قد تسيطر على البرلمان فتسم الجو الديمقراطي الوليد ـ وحتى أيضا بعد سنوات من التجربة ـ بسمتها الخاصة فتحرم الأقليات من قدرتها على التمثل، ضارباً مثلا على أنه يحق للمرأة دخول البرلمان، ولكن في حالة عدم تمكنها من الدخول في عدد من الدورات لعدم نجاحها في الانتخابات فإن هذا لا يعني أن لا يكون لها صوت، أو أن (يعتدي) المجلس المنتخب على حقوقها.
البحرين المعروفة بمواردها المالية القليلة، وبأزمات بعضها عارض وبعضها متأصل، كالبطالة التي كانت شرارة الأحداث المريرة التي يود كل المجتمع البحريني اليوم تجاوزها، حتى أن المعارضة نفسها استبعدت خيار اللجوء إلى (الشارع) وتحريكه، لأن التجربة السابقة كانت مريرة للحكومة بقدر ما كانت مريرة للمعارضة، وأعربت أطراف من المعارضة أنها ستعمل على تهدئة الشارع لعدم الإفساح لأي فرصة لتطواف سيارات قوات مكافحة الشغب مرة أخرى في المدن والقرى.
شعب البحرين وقواه السياسية التي نضجت وتعقلت، ينتظر منها أن تكون هي التي تقود الشارع لا العكس، وأن تستلهم دروس مجلسها الذي انحل قبل ربع قرن
إقرأ أيضا لـ "غسان الشهابي"العدد -1 - الخميس 27 يونيو 2002م الموافق 16 ربيع الثاني 1423هـ