العدد 4662 - الجمعة 12 يونيو 2015م الموافق 25 شعبان 1436هـ

هدايا الجمهور المجانية!

تكرس مشاهدة العروض المسرحية التي تزخر بها المهرجانات المسرحية المحلية والعربية وحتى تلك التي قد نشاهدها عبر الأثير، تراكم الخبرات الفنية وتنقية العمل من أخطائه في كل مرة تتم مشاهدة عمل جديد فيه، الأمر الوحيد الذي لا يبدو أنه يتغير تلك التحية، ولا أعني بها بالطبع الواجبة للممثل الذي بذل الجهد فاستحق الحفاوة، الصورة التي أرمي لها والتي لابد أنها مرت علينا كمتلقين في عرض مسرحي ما هي على نمط الكلاشيهات المتعمدة تهدف إلى حصد تحية الجمهور بأطول وقت من التصفيق الممكن، وهذا الأداء المستدر للعواطف والمشتغل على استمالة عاطفة المتفرج عبر أداء معلب ونمطي ومبالغ فيه، بات معروفاً لدى الجمهور المتلقي إلى درجة التوقيت!

إذاً، فلنتفق معاً أن التصفيق الجماهيري المدوي، ليس مؤشراً حقيقياً لجمهور واعٍ يدرك الهدف من الفن والتصفيق بحرارة أو بشدة لا يعني أن الممثل قد أبدع فعلاً، ويكفي أن يؤدي بشكل ميلودرامي ويقول جملة معينة يعي تماماً أن بعدها سيكون هناك تصفيق حار له من الجمهور، حتى أن بعض الممثلين غير المدربين بشكل جيد، يكاد يتجمد استعداداً للحظة التصفيق المؤثرة هذه! أو يطرف بعينه ناحية الجمهور كحركة إيذان لهم بالاستمرار في التحية على الأداء! والتصفيق يأتي بطريق العدوى كأن يصفق فرد واحد من الجمهور بسبب إحساسه أن الممثل ينتظر هذه الحركة أو أن الممثل صديقه ويريد تحفيزه ولفت نظر الآخرين أو في أحسن الأحوال أن يكون أداء الممثل فعلاً جيداً، في كل الأحوال يكون التصفيق عدوى وليس محل تقدير واحترام كما هو معروف. وإذا ما قسمنا الجمهور في المسرح بحسب البنيات الأرسطية والتجريبية وحتى التجارية نجد أن ذنب الجمهور- رغم تباين مستوياته - واحد، فكيف نعيد تربية جمهور مسرحي يفضل الصيغات الجاهزة ويقدر (اصطناعاً) ممثلاً ذا أداء سيئ، لمجرد التماهي مع الآخرين؟

أعي تماماً أن ثمة فروقات بين الجمهور وما قد يثير انتباهي وإعجابي، يمكن ألا يكون محل تقدير من قبل الآخر الجالس الى جواري بالعرض نفسه, فتلك أمزجة وأذواق يصعب توحيدها بالتأكيد، لكن ينبغي أن يكون هناك نظام ضمني في العرف المسرحي، يقضي بأن تتم تحية الممثل عند أدائه شيئاً استثنائياً يستحق عليه التصفيق فعلاً أثناء العرض وليس لأنه أنهى جملته بطريقة مفتاحية توجه الجمهور لتحيته وتمييزه بين زملائه، ما قد يفقد الممثلين الآخرين الحماس والانطلاق في الأداء، الأمر الذي ينعكس على العرض برمته. هذا النظام الضمني لن نستطيع ابتلاعه بقرص من المعرفة، بل بجعل هذا المسرح جزءاً أساسياً من الحياة الثقافية بالبحرين وضرورة اجتماعية، والحاجة إلى توثيق علاقة الناس به في مقام الاهتمامات الأخرى الحالية، حتى يمكن الإلمام بتفاصيله وفهم طقوسه وفك شفراته، وتمكينه من أن يكون أداة ناجحة نستطيع بها التغيير لو أردنا ذلك، متخطين الشكل المبتور فاقد الهوية والرسالة وربما الفن الذي فرضته ظروفاً متعددة.

ولابد من القائمين على العمل المسرحي بحث السبل المتوافرة لكسب حضور الجمهور عن طريق التركيز على فحص العروض وتحسين مستواها عبر الورش المكثفة، واللجان المكلفة ليس من باب الوصاية والتحكم بل من الباب الكبير للمحبة والرغبة في خلق وعي ونهضة ركيزته كسب ثقة الجمهور الواعي واستمرارية حضوره، فلم تعد هناك جدوى من التصنع أن القلة «النخبوية» هي الجمهور المطلوب وهي الكافية وما إلى ذلك من خطاب ساهم في توسيع الفجوة بين المسرح والجمهور وحد من معرفته وإدراكه، وانحسار حضور المثقفين الذين من المهم استمرار تواجدهم كجمهور للمسرح ومساهمتهم به ليكونوا جزءاً من المشهد الثقافي البحريني.

العدد 4662 - الجمعة 12 يونيو 2015م الموافق 25 شعبان 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً