تعجُّ وسائل الإعلام بالتحليلات الخاصة بالخلافات السياسية بين الدول. لكنها لا تكتب إلا لِماماً عن متغيّر آخر يلعب دوراً بارزاً وأساسياً في العلاقات الدولية ويتحكَّم في رقبتها، ألا وهو التجارة والاقتصاد. فسطوة هذا المتغيّر يمكنها أن تمتد حتى مراحل قد لا يتخيّلها البعض، تتجاوز لحظة الاستقرار والدفء الذي تمر به علاقات الدول أحياناً، لتصل إلى لحظة البرود بل والحرب حتى.
يحضرني أن ألمانيا النازية، ظلَّت تستورد القمح من الاتحاد السوفياتي حتى مع بدء عملية باباروسا وغزو أدولف هتلر الأراضي السوفيتية في 22 يونيو سنة 1941م، بواقع 8 ملايين طن. ومؤخراً أعلنت معامل الأدوية البيطرية في سورية أنها مستمرة في تصدير منتجاتها لـ 32 دولة عربية وأجنبية، بل ومازلت دمشق تُصدِّر المواشي لدول في المنطقة هي في حالة حرب حقيقية معها.
من هنا، تأتي أهمية الملف التجاري في صياغة علاقات متماسكة ومستقرة بين الدول تتجاوز أمور أخرى كالخلافات السياسية. مؤخراً، بدأت تظهر أخبار كانت مكتومة، حول اهتمام أوروبي لا سابق له بالسوق الإيراني. بل إن هذا الاهتمام كان سابقاً عن الآن، وفي لحظة الصِّدام الإيراني الغربي، حيث تبيّن أن في ديسمبر من العام 2013م «بلغ حجم الصادرات الإيرانية إلى أوروبا 64 في المئة».
وبعد شهر و5 أيام على اتفاق الإطار النووي بين إيران والغرب في نوفمبر 2013م اندفعت «أوروبا التجارية» نحو طهران للبحث عن فرص كبيرة في مجالات «النفط والصناعات الثقيلة والتكنولوجيات». بالتأكيد، كان ذلك بعلم الحكومات الأوروبية، التي كانت تتلقى ضغوطات بالأساس من القطاعات الاقتصادية كي يتم الإسراع «والتنعيم» في مسائل الملف النووي الإيراني.
الغريب أن أهم الوفود الأوروبية القادمة كانت الوفود الفرنسية، حيث جاء إلى إيران وفدٌ فرنسي مُكوّن من 110 شركات فرنسية كبرى لفتح قنوات في مجالات النفط والنقل وصناعة السيارات، كما جاء في أحد التقارير. وبناء على ذات المعلومة، فقد ورد تصريح للسفير الفرنسي السابق في طهران فرانسوا نيكولو «فإن الشركات الفرنسية التي كانت تعمل في إيران قبل العقوبات، ترغب في العودة للعمل في السوق الإيراني مرة أخرى» كـ (رينو وبيجو سيتروين وإيرباص جروب) وغيرها.
وإذا ما استحضرنا المواقف الفرنسية الغليظة خلال المفاوضات النووية مع إيران، يظهر أن كثيراً منها كان للاستهلاك المحلي والدولي، وليس له سند حقيقي على الأرض؛ كون الفترة التي كانت تُطلَق فيها تلك التصريحات من الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند ووزير خارجيته لوران فابيوس بالتحديد، كانت متزامنة مع النشاط الاقتصادي المحموم للشركات الفرنسية باتجاه إيران!
وفي مقال سابق، أوردتُ ما قامت به الممثلة السامية للاتحاد الأوروبي فيديريكا موغريني من دعوة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف للحضور إلى بروكسل والمشاركة في «جلسة خاصة حول إيران بعد اجتماع لجنة الشئون الخارجية للاتحاد»، وكان حينها عائدا للتوّ إلى طهران بعد اجتماعات النووي الشهيرة التي أفضت إلى الاتفاق الأخير بين بلاده والدول الست الكبرى.
أوروبا تدرك أن روسيا مازالت تضطلع بدور تجاري مهم مع إيران، لكنه مايزال في مجال الطاقة النووية والسلاح بصورة أساسية، لكنه قد يتطور إلى صور أخرى من التعاون التجاري (نظام المقايضة الأخير مثالاً). وبحسب مدير مركز كارنيجي في موسكو ديمتري ترينين في مقال كتبه في الناشونال إنتريست، فإن روسيا وبعد توتر علاقاتها مع الغرب بسبب أوكرانيا، فإنها باتت تعيد «تعريف بلدها كقوة غير غربية تبحث عن منافذ جديدة ونظام عالمي جديد». وربما كان توريد صواريخ S300 مثالاً على ذلك، رغم أن موسكو تأخرت أزيد من 4 سنوات في ذلك.
كما أن أوروبا تدرك أن عليها الإسراع نحو السوق الإيراني، قبل أن تدفع دول بعينها من بينها روسيا، وبالتحديد بعد رفع العقوبات الأممية على إيران، لضم الأخيرة نحو «اكتساب عضوية منظمة شنغهاي للتعاون» التي تضم كلا من: الصين وروسيا وكازاخستان وقرغيزيا وأوزباكستان وطاجيكستان، وإذا ما تمّ ذلك فإن إيران ستدخل بشكل صلب في اقتصاد شرق آسيا؛ مما يقلل الفرص أمام الشركات الأوروبية.
وللعلم، فإن الصراع بين أوروبا وروسيا حول إيران «ربما» يكمن جزء منه في رغبة الروس بجعل الإيرانيين ضمن النظام الأمني الذي تسعى موسكو لتشييده بغية التصدي لـ «بؤر عدم الاستقرار الجديدة في أراضي الدول الأعضاء بمنظمة شنغهاي»، كما صرح بذلك علناً وزير الداخلية الروسي فلاديمير كولوكولتسيف خلال اجتماعات وزراء داخلية دول شنغهاي في دوشنبه قبل أيام فقط.
كما ترغب موسكو في إقامة تعاون مع الإيرانيين في الداخل الأفغاني لمناقشة تمدد تنظيم الدولة الإسلامية داعش في شمال أفغانستان، وهو أمر تحدث عنه وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف صراحة عندما قال بأن: «داعش على حدود آسيا الوسطى». وهذا الأمر قد يُولِّد صراعاً بين الروس والأوروبيين في أولويات التعاون مع طهران.
الأوروبيون ينظرون إلى التعاون الاقتصادي مع إيران على أنه ملف مزدوج، يتعلق بالجغرافيا الاقتصادية التي قد توفرها لهم إيران، سواء في تركيا والعراق في الشمال، أو في آسيا الوسطى عبر بحر قزوين، أو حتى في الشرق والجنوب حيث أفغانستان وباكستان وشبه الجزيرة الهندية والصين من الخلف، وهي كلها مناطق حساسة للأوروبيين.
ومع اقتراب الموعد النهائي «المفترَض» لإتمام الصفقة النووية بين الغرب وإيران، تتهيأ المنظومة التجارية الأوروبية لأخذ مكان لها في المدار الجديد الذي سيربط أوروبا مع إيران.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 4662 - الجمعة 12 يونيو 2015م الموافق 25 شعبان 1436هـ
ما شاء الله
ما شاءالله عليك يا اخوي محمد من اين لك كل هذه المعلومات السياسية خاصتا عن ايران !!!!!!!!!
تركيا وإيران
تركيا وإيرن هما القوتان الحقيقيتان في المنطقة لا غير
هل هذا دليل على ان ايران اصبحت دولة قوية في المنطقة
وفرضت نفسها على الجميع رغم الحصار ، ولا يمكن الاستغناء عنها في وضع الحلول لمشاكل المنطقة ، ولها تأثير في الدول المحيطة والجارة ، وعلى الدول ان تتعايش مع الوضع الجديد القديم ، وشكرا للاخ محمد وتعجبني استخدام اللغة الرقمية ف مقالاته .
فصل السياسية عن الاقتصاد
انا فهمت المقال بس يمكن في ناس من البحرين مافهمت المقال هم في عقيدتهم فصل الدين عن السياسة بس البحرينين انقول فصل السياسية عن الاقتصاد
تمدد تنظيم الدولة الإسلامية داعش
نرجو عدم إعطاء صفة الإسلام للتنظيم ، بل الإكتفاء بداعش الإرهابي أو التكفيري
صباح الخير
ما نسبة فشل الاتفاق ؟ وما النتائج المترتبة على ذلك ؟ سؤال يؤرق الكثيرين