تكون الأزمات أحياناً وسيلة لبروز أحدهم ممن يتشوق للظهور في دائرة النور، باعتباره ورقة «الجوكر» يستخدمها غيره كي ينقذ نفسه، أو يقوم هو بتنصيب نفسه كذلك ليكون بوقاً لمن يظن أنهم قد يكرمونه يوماً.
مثل هؤلاء «الجواكر» ينسون كثيراً أن هذه الأزمات مؤقتة ولابد لها أن تنقشع، وينسون كثيراً أن أصحاب القرار قد يتنازلون عن شيءٍ ما كي يسير المركب ويصل لبر الأمان بعيداً عن المنغصات، فتراهم يحاولون جاهدين الدفاع عن غيرهم من مسببي الأزمات أحياناً أكثر من دفاعهم أنفسهم، فيكونون في أحايين كثيرة «ملكيون أكثر من الملوك أنفسهم»! يتحدثون، يناقشون، يحتجون، يشتمون، ويجرحون كثيراً؛ كي يثبتوا ولاءهم ورفضهم ما يحدث، حتى لا يبقى لهم صاحب غير أصحاب المنافع ولا يبقى لهم مصدق حتى أنفسهم.
طوال الأزمات التي ظهرت في العالم العربي، كان هؤلاء أوراقاً لعبت بهم الدول تارة، ولعب بهم شيوخ الفتنة تارة، ولعبت بهم أهواؤهم تارة أخرى؛ فلابد أن يظهر في كل ثورة وفي كل حركة شعبية مشروعة ضد الظلم بعض الشخصيات التي طالما استخدمتها الدول لتكون عونها في كل أزمة سياسية، ثم لا تلبث أن ترميها حتى يسمع الجميع صوت تهشمها، الذي تسعى هي لإعلائه كي يسمع «مظلوميتها» القاصي والداني، ولكنها تنسى أنها كانت مجرد ورقة قد ترمى أو تحرق أو تمزق بعد انتهاء وظيفتها.
ما يثير الاستغراب في هؤلاء، هو أنهم في كل مرة يقومون بذات الدور، وأحيانا تطوعاً من غير أن يطلب منهم، ناسين ما نالهم في المرات السابقة، وهناك من يدخل هذا المجال جديداً على رغم معرفته بما حدث لغيره من قبله وكأنه لا يرى ولا يسمع، ظانا أنه قد يستفيد من فترة الرضا المؤقتة التي سيرضى عنه خلالها من هم أعلى منه مكانة، قبل أن يرموه لينقذوا ما تبقى من سمعتهم أو ليحسنوا صورتهم أمام الجماهير. هذه الظاهرة موجودة عربياً وخليجياً برع في تقلد مناصبها أشخاص يظهرون مع كل مشكلة، وهو ما وجدناه في البحرين منذ 2011 حتى اليوم، مع كل مشكلة ومع كل أزمة ومع كل خطوة للحكومة لا يرحب بها الشعب بمختلف أطيافه، ففي كل أزمة سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية نجد هؤلاء يعودون لممارسة لعبتهم المفضلة؛ وهي مديح السلطة ومديح المسئولين، ابتداءً من الأزمات السياسية وانتهاءً بموضوع رفع الدعم عن اللحوم والكهرباء، مروراً برفع أسعار بعض السلع الغذائية الأخرى في كل مرة، ومواضيع التجنيس والعمالة الوافدة والبطالة وغيرها، وهو ما حدث بعد التفجيرات في المملكة العربية السعودية، حين نعق كثير من أرباب الفتنة هناك وزينوا الأعمال الإرهابية وشتموا وشمتوا بمكون من مكونات وطنهم، وحين قامت الدولة باستنكار ما حدث ورفضه انقلبوا على مواقفهم وغيروا منها إلى النقيض، وهو نفسه ما يحدث في بقية الدول مع كل مشكلة وأزمة.
وما يثير الاستغراب والاشمئزاز هو: ألا يشعر هؤلاء بالخزي والعار وهم في كل مرة يرمون ويركنون جانباً بعد أن يؤدوا دورهم، وكأنهم مجرد آلات وأوراق لعب، وبعد أن يضطروا لتغيير مواقفهم بحسب الموجة والموضة السياسية أو الاجتماعية!
إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"العدد 4662 - الجمعة 12 يونيو 2015م الموافق 25 شعبان 1436هـ
مقال جيد.
بياعين الكلام حالهم كحال بياعين النعال .كُلاً يُريد تسويق بضاعته بأي طريقه .