تُهَيْمن على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، أساليب وخطابات تحريضية يندى لها الجبين، سواء كانت على شكل تغريدات يتداولها أصحاب الحسابات بأسماء مستعارة أو تلك التي تحمل أسماءهم الحقيقية، أم كانت تعليقات عليها.
ومنذ ظهور الجماعات المتطرفة وعلى رأسها «داعش»، أخذ البعض بنشر أفكار تلك التنظيمات من خلال تغريدات تحقر مكوناً كبيراً في المجتمع البحريني، وتوصفهم بمصطلحات طائفية لم يعتدها المجتمع منذ القدم، علاوة على تصاعد حدة خطاب التحريض.
وعلى رغم أن القضاء أصدر حكماً ضد وافد عربي مقيم في البحرين حرّض على القتل وروّج لأفكار «داعش»، إلا أن المواطنين مازالوا يطالبون الحكومة باتخاذ مزيد من الإجراءات لوقف التحريض الطائفي ومواجهته.
من جانبه، رأى المحامي يوسف ربيع أن «الإجراءات المتخذة انتقائية وتطبق على فئة دون أخرى، مع أن مواقع التواصل الاجتماعي تعد بيئة سيئة تضجّ بالممارسات الخاطئة بمختلف صنوف التحريض الطائفي والشتائم بشكل علني وفي كل يوم، إذ لا يحتاج الأمر لمحاسبة هؤلاء إلى تقديم بلاغ جنائي، فهي موجودة ومتداولة بشكل علني، إلا أننا لا نجد أي تحرك رسمي حيالها، وخصوصاً أن غالبية التغريدات تهدد الوحدة الوطنية والنسيج الاجتماعي، ويجب على الدولة التصدي لها وتطبيق القانون على من يثبت تورطهم في ذلك».
واعتبر أن الجهات المعنية بحاجة إلى عمل كبير من أجل التصدي للتحريض الطائفي، وقال: «لابد من بث روح التسامح ووقف التحريض الإعلامي، سواء كان من مؤسسات رسمية أو غيرها، الأمر الذي ينعكس على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ إن تطبيق القانون على المسيئين يعد خطوة أولى في وقف التحريض»، وأشار إلى أن «هناك شخصيات معروفة تمارس التحريض الطائفي في مواقع التواصل الاجتماعي، دون محاسبتهم، ما يدل على أن هناك ضوء أخضر لمواصلة تحريضهم، وكأنه اعتراف وقبول من قبل الدولة لما يمارسونه من تحريض لعدم اتخاذها الإجراءات القانونية اللازمة ضدهم، ما يعطي مؤشراً سلبياً في جعل هؤلاء يتمادون في أفعالهم الطائفية».
إلى ذلك، اعتبر الناشط يعقوب سليس أن خطوة الجهات الأمنية في توقيف أحد المغردين على خلفيات تغريدات تمس بالوحدة الوطنية، هي خطوة جيدة وفي الاتجاه الصحيح، كما أن البحرين كفلت حرية الرأي شريطة ألا تتعارض مع الوحدة الوطنية، إلا أن الواقع في البحرين جاء مختلفاً، ولم يكن القانون حازماً مع المخالفين، وخصوصاً بعد أن عصفت البحرين أحداث منذ العام 2011 وما شابتها من تحريض طائفي مقيت، ولم يكن هناك حل لمعالجة هذه المشكلة».
وأضاف «محاربة الطائفية لا تقتصر على الدور الرسمي، بل يجب على المؤسسات الدينية ومراكز حفظ القرآن والحوزات العلمية أن يكون لهم دور فاعل وحقيقي لمعالجة التحريض الطائفي، وتبني الخطاب الإسلامي المتسامح والوسطي الذي يقبل الجميع».
وبيّن سليس أن «الخطوات المطلوبة لوقف التحريض عبر وسائل التواصل الاجتماعي تتركز في تطبيق القانون وانتهاج مبدأ الشفافية في الإفصاح عن المحرضين الطائفيين، من خلال معاقبتهم بشكل علني ويأخذ القانون مجراه، ففي الدول الأوروبية، يتم توبيخ العنصريين بشكل قاسٍ وبعقوبات رادعة ويسلط عليهم الضوء، ليكون عبرة للآخرين، كما أعتقد أنه يجب على المجتمع تحمل مسئولية الحد من ظاهرة الطائفية، على اعتبار أن تلك الظاهرة نابعة من المجتمع نفسه ولابد من التصدي لها».
من جهته، قال الناشط حسين منصور: «من وجهة نظري، لا توجد إجراءات حيال التحريض الطائفي الصادر من بعض الجهات في مملكة البحرين وهؤلاء تحريضهم واضح وبيّن، يستهدف طائفة ومكوناً كبيراً ومهمّاً في البحرين وبالتسميات الواضحة، هؤلاء يستهدفون المسلمين الشيعة، وما نراه أن الجهات الرسمية تغض الطرف عن هؤلاء وتستهدف المعارضين السياسيين والحقوقيين الذين يمارسون حق النقد وحرية التعبير والرأي سلمياً وديمقراطياً».
وتابع «ولله الحمد لم نجد أي تحريض طائفي من المسلمين الشيعة لا من رموز ولا عاديين وهي ليست من صفاتهم وأدبياتهم».
وطالب منصور باتخاذ خطوات ملموسة للتصدي لظاهرة التحريض الطائفي، قائلاً «لإيقاف التحريض الطائفي المتفشي في البحرين، أولاً تحذيرهم ومحاسبتهم وإذا لم يرتعدوا يمارس في حقهم القانون الصارم الرافض للتحريض الطائفي والخطير والذي يهدد السلم الأهلي والوحدة الوطنية، وعلى الجهات الرسمية ألا تشجع في مواقعها الرسمية على التحريض الطائفي والسياسي والمعيشي».
من جهة أخرى، حذر الناشط نادر عبدالإمام أن ما تشهده البحرين من ارتفاع خطاب الكراهية، يعد مؤشراً خطيراً ولا يمكن فصله عما يجري في الإقليم من أحداث.
وقال: «أعتقد أن الأحداث المؤسفة التي وقعت في المنطقة الشرقية بالسعودية والتي كانت نتاج خطاب الطائفية، فهو بلاشك يشكل منعطفاً حساساً على التعايش السلمي في البحرين، وبدأنا نتلمس خلال الفترة الأخيرة الإجراءات الرسمية في البحرين لكبح جماح الطائفية، إلا أنه مازالت هناك بعض الممارسات من المغردين في مواقع التواصل الاجتماعي يستغلون تغاضي الدولة عن ممارساتهم في بث الطائفية البغيضة، وخصوصاً خلال السنوات الأربع الماضية، ولايزال بعض الطائفيين يواصلون بث سمومهم من دون مساءلة قانونية، فهناك من يتعيش على خطاب الكراهية في تحقير مكون أصيل في البحرين عبر تعرضهم لرموزهم الدينية ومعتقداتهم، كما لا تخلو منابر الجمعة من السموم الطائفية».
وطالب عبدالإمام من الجهات المعنية في البحرين باتخاذ خطوات جادة لوقف التحريض الطائفي، وتتمثل في سن قانون يجرم خطاب الطائفية وأن يكون له دور فاعل ويطبق على الجميع بدون انتقائية، بالإضافة إلى تفعيل دور قسم الجرائم الإلكترونية والاقتصادية بالإدارة العامة للتحقيقات في رصد كل من يبث خطاب الكراهية وتقديمهم إلى النيابة العامة، وخصوصاً أن هؤلاء يكتبون بأسمائهم وهم معروفون.
وواصل القول «يجب على الدولة إزالة بعض المواد في مناهج التربية الإسلامية التي تعلم الطلبة أن زيارة القبور شرك، دون الالتفات إلى أنه هناك طائفة كبيرة لا تعد ذلك شركاً، وهذه المواد تعد نبتة تزرع في نفوس الأطفال، كما لابد من إطلاق مساحة في الإعلام الرسمي والسماح بإظهار المناسبات الدينية المختلفة، والتناوب على عرض منابر الجمعة للطائفتين، لنثبت أن البحرين تحتضن الجميع ولا تميز بين الأديان».
العدد 4662 - الجمعة 12 يونيو 2015م الموافق 25 شعبان 1436هـ