لو تخيلنا أن يعود بنا الزمن للوراء ما يقارب السبعين أو الثمانين سنة مضت يا ترى ماذا تكون عليه عيشة ذلك الجيل آنذاك؟ كيف يكسب الإنسان قوت يومه؟ كما نود أن نعرف هل كان فتيان ذلك الزمن يمرون بالمراحل العمرية الطبيعية كما هو حال فتيان اليوم؟ وهناك العديد من الأسئلة التي تطرق على بال الإنسان في مقارنة بين عيشة اليوم بالأمس، إذن فلنقم بزيارة تعريفية على تلك الظروف الحياتية والمعيشية التي عاشها آباؤنا من جيل ذاك الزمان حيث تشاهد الصبي الغض وقد بدأ مشوار حياته وفتح عينيه ليجد نفسه في خضم معترك الحياة العملية، لم ولن يمر أو يتعرف على المراحل العمرية التي يفترض أن يمر بها ليجد نفسه في وسط العمل المبكر، ومن أولئك الجيل شخصيتنا المرحوم أمير بن رجب، وأننا إذ نتعرض لهذه الشخصية بمناسبة الذكرى السنوية الأول على رحيله عنا من هذه الدنيا إلى مقام الآخرة، يمكننا أن نتعرف من خلالها على الأجابة لتلك الأسئلة السالفة الذكر.

هو عبدالأمير بن عبدالله بن عبدعلي بن منصور بن محمد بن محسن بن رجب، وهو من مواليد المنامة سنة ألف وتسعمائة وستة وثلاثين، وهو الحفيد الأكبر للشخصية البحرينية التاريخية المعروفة عبدعلي بن رجب، له من الأبناء عادل وهو البكر وياسر وأربع من البنات.

شخصيتنا عبدالأمير يحب أن يسمى بـ (أمير) فقط وقد دخل في مقتبل عمره المدرسة وأكمل المرحلة الابتدائية فقط كما التحق بمدرسة التاجر لفترة بسيطة ليتعلم اللغة الإنجليزية، واستطاع إتقانها تحدثاً بطلاقة من دون أن يكمل تعليمه.

التحق بالعمل في سنة ألف وتسعمائة وثمان وأربعين وهو صبي صغير لم يتجاوز عمره سن الثالثة عشرة حيث صحبه والده للعمل معه في كراج البلدية (الحكومة) الواقع على شارع المتنبي مكان محطة البترول الحالية مقابل (القلعة) وزارة الداخلية، واكتسب أمير من هذا العمل مهارة الميكانيكا ما ساعده أن ينطلق بعد ثلاث سنوات من عمله إلى رحلة عمل جديد، حيث شد الرحال مع ثلة من أصدقائه وهم: أحمد بن رجب وحميد بن رجب ومعود المعاودة، سافر هؤلاء الشبيبة متوجهين إلى السعودية للعمل في رأس تنورة في العام 1951 وبقي يعمل لمدة أربع سنوات ثم عاد للوطن في سنة 1955 وهي السنة التي حصل فيها على رخصة قيادة السيارة، وعند بلوغه سن الرجولة فما كان من والده غير أن يصحبه إلى مدينة مشهد المقدسة في إيران ليزوجه بإحدى بنات معارفه في مشهد سنة 1957.

وبعد زواجه اشترى سيارة مرسيديس موديل 57 وعمل عليها تاكسي لمدة أربع سنوات بعدها شق طريقه في عالم تدريب السياقة وذلك في العام 1961 مكتشفاً المهنة التي كان يبحث عنها ليخوض غمارها، وأود أن أنوه أن البعض ذكر أنه أول مدرب سياقة والصحيح هو من أوائل المدربين في البحرين وقد سبقه في هذه المهنة يعقوب خليل، وحجي آغا، محمد تقي تدين وعبدالله سعد سبت (الربل) وأحمد شيرازي، علي حسن شريدة (صاحب مصنع المنارتين - علي الشعب) وحمد الشيخ، محمد مهنا النعيمي، وقاسم أسيري، والتحق أمير بهذا الرعيل الأول من مدربي السياقة واستمر يمارس هذا النشاط ما يقارب الثلاث والخمسين سنة قضاها في مهنة تدريب السياقة.

الهوايات التي يمارسها أمير

يمتلك الفرد منا موهبة أو هواية أو هوايتين أو ثلاثاً بالكثير أما أمير بن رجب فلقد كانت له هوايات متعددة، ومن بين تلك الهوايات كان أحد لاعبي كرة القدم في فريق الهلال الرياضي سنة 1953 مع أقرانه ومن بين اللاعبين أحمد التاجر، محمد حسن التاجر، منصور محمود بن رضي، مهدي الجوهرة، مهدي عبدالوهاب بن رضي، أحمد حميدان، يوسف قمبر وأمير بن رجب وهم يشكلون الفريق، كما يملك هواية التصوير وكذلك كان مولعاً بركوب الدراجة النارية، ومن بين هواياته أيضاً قراءة كتب التاريخ والتراث، وهواية أخرى حبه الشديد للسفر، حيث كان كثير السفر، فقد جاب وتنقل بين العديد من دول العالم الشرقية منها والغربية، ومن بن هواياته ارتياد البحر، حيث كان يستمتع بالقيام بالرحلات البحرية وكان يصحب أبناءه عندما كانوا أطفالاً معه في القارب (الطراد) ويتجول معهم في عرض البحر أو يأخذهم أحياناً في رحلة بحرية (كشته) إلى جزيرة النبيه صالح قبل إنشاء جسر سترة، وقضاء يوم في رحاب الجزيرة.

أنشطته وحياته العملية

أولاً: بعد عام من انضمامه في مزاولة تدريب السياقة فكر مع زملائه بتأسيس مؤسسة لتعلم السياقة، فكان أحد المؤسسين لشركة الخليج لتعلم السياقة، وذلك في العام 1962 وهي بمثابة جمعية تربط مدربي السياقة في كيان يحافظ ويرعى مصالحهم، ووقع على عقد التأسيس كل من:

- محمد تقي تدين

- عبدالله سعد سبت

- أمير عبدالله بن رجب

- محمد مهنا النعيمي

- علي عبدالله شمل

فهؤلاء المؤسسون هم النواة الأولى لجمعية البحرين لمدربي السياقة والتي تأسست في الثالث من مارس سنة 2003، وكان أبو عادل يحمل العضوية رقم اثنين وكان نائب رئيس الجمعية.

ثانياً : كان عضواً في نادي الجيش الملكي البريطاني (نادي دلمون فيما بعد) من سنة 1969 إلى 1972 وكان مسئولاً عن إنجاز المعاملات الحكومية الرسمية كما أنه مخول بالتوقيع على الواردات والصادرات والمصروفات.

ثالثاً: أسس شركة لتأجير السيارات مع صديقه وابن عمته سيد فيصل العلوي، ابتدأوا بأسطول مكون مما يقارب الثماني سيارات إلا أن هذه الشركة لم تدم طويلاً، بعدها خاض مغامرة ثانية في نهاية السبعينات في شراكة جديدة مع أصدقائه الإنجليز وافتتح سوبر ماركت على شارع البديع ونجح نجاحاً منقطع النظير لحد أن صاحب الملك أخذه الحسد ووضع عينه على البرادة فقام بمضايقة أمير مما أجبره في النهاية على ترك المحل، بعدها فكر في إنشاء كراج في منطقة توبلي لتبديل الزيوت وتصليح إطارات السيارات ثم اقترح عليه ابنه ياسر فتح محل مجاور للكراج خاص بالقرطاسية ولوازمها فاستحسن أمير الفكرة وعمل بفكرة ابنه ونجح المشروع فأغلق الكراج ووسع من المكتبة التي تحمل اسمه (خدمات أمير للقرطاسية) وهي قائمة ليومنا هذا في توبلي.

أصدقاؤه

يتمتع أبو عادل بعلاقات حميمية وقوية مع جميع معارفه وأصدقائه وزملاء المهنة وعلى رأس هذه القائمة صديق العمر الملازم له طوال مشوار حياته وابن عمته الأستاذ المربي الفاضل سيد فيصل سيد علي العلوي، وأحمد عبدالرسول بن رجب (خال أمير) وهو من المقربين جداً إليه، وسيد جواد الشيبة، ونبيل الشيخ محمد علي حميدان، ومدرب السياقة يعقوب خليل صديقه وزميل العمل، وكذلك السيد جون (JOHN) وهو أيرلندي الجنسية وكان يعمل في شركة براوند آند روت في منطقة ميناء سلمان الصناعية بالجفير، وظل هذا الأخير على تواصل معه بالرغم من انتقال عمله إلى دبي وكان ينتهز كل فرصة سانحة لزيارة البحرين ليلتقي بصديقه أبو عادل، وكانت آخر زيارة له قبل رحيل أمير ببضعة أشهر فقط، كما ذكر عنه صديق المهنة هذه الكلمات المختصرة والمعبرة في حق أمير بن رجب، حيث قال المرحوم مدرب السياقة جمعه خمدن «إن أمير أخ وصديق للمدربين، يتحلى بخلق وكان كريماً في عمله قولاً وفعلاً» وهذه الشهادة تبين لنا ماهية حقيقة أبو عادل في علاقاته مع زملاء العمل، كان حنوناً متواضعاً متواصلاً في علاقاته الاجتماعية ولم يحمل الضغينة في صدره حتى من أولئك الذي سببوا له الأذى، كان مدافعاً عن المدربين وعن مصالحهم في أي اجتماع أو لقاء مع مسئولي إدارة المرور، فكان يقدم الاقتراحات وطرح مطالب ومشاكل مدربي السياقة أو المعوقات التي تعترضهم أثناء العمل، كما أنه يتقدم ببعض المقترحات الناجحة لإدارة المرور لخدمة التدريب والمتدربين.

أما عن علاقاته الأسرية والاجتماعية فقد أسس المرحوم أمير بن رجب مجلساً للم شمل العائلة فيه وتقوية أواصر القربى بين أفراد عائلة بن رجب، وكان يطمح بتأسيس صندوق مالي قبل عشرين سنة تشترك فيه العائلة للحالات الطارئة إلا أن هذه الفكرة لم تر النور وذلك لرحيله قبل أن يتحقق هذا الحلم، ففي الرابع عشر من يونيه سنة 2014 ترجل أمير بن رجب عن صهوة جواده ليستريح بعد سنوات شق طريقه فيها ليبني أحلاماً تحقق الكثير منها والبعض الآخر وقفت الظروف حائله دون تحقيقها، مخلفاً وراءه ذكريات مع أصدقائه وزملاء المهنة وأبنائه الذين ساروا على نهج والدهم واستمروا باستضافة أفراد العائلة والأصدقاء في مجلس أبيهم وطوروا من فكرة اللقاء إلى لقاء شهري يستضيفون أحد الشخصيات المعنية بتاريخ وتراث البحرين لعقد الندوات والمحاضرات واللقاءات المثمرة في مجلس العائلة والذي يعقد مساء أول أربعاء من كل شهر وهم خير خلف لخير سلف، رحمك الله أمير بن رجب وتغمد روحك الجنة.