العدد 4660 - الأربعاء 10 يونيو 2015م الموافق 23 شعبان 1436هـ

«نابوكوف في أميركا» لروبر... كيف تُشكِّل الولايات المتحدة الروائيَّ؟

كان الكاتب والروائي الأميركي من أصل روسي، فلاديمير نابوكوف، في الثامنة عشرة من عمره، حين قامت ثورة أكتوبر/ تشرين الأول 1917 في روسيا. لم يمضِ وقت طويل حتى اغتيل والده رجل القانون الشهير في بلاده على يد عملاء سوفيات.

نابوكوف، الذي فر من الثورة في بلاده باتجاه الولايات المتحدة في العام 1939، ذهب وهو متسلح بمعرفة ولغات ثلاث: الروسية، الإنجليزية، والفرنسية؛ فيما ظل لسنوات يكتب بلغته الأم.

كان العام 1938 الإطلالة على حضوره العالمي، واتساع دائرة قرَّائه، مع صدور روايته «سيرة سباستيان نايت الحقيقية»، والتي كتبها بالإنجليزية.

بين الهجرة بحثاً عن الأمان، والتزامه لغته لسنوات، وانفتاحه على اللغة الإنجليزية تأليفاً، وتعدُّد اهتماماته، مع أكاديمية لا تخلو من صرامة، تتوزَّع صور لنابوكوف، الروائي وكاتب السيرة والشاعر.

في سيرة الرجل عدد كبير من الأعمال، ربما من بين أهمها ترجمته لروائع الأدب الأوروبي، ولم يكن على مبعدة من السينما؛ وخصوصاً بعد تحويل روايته الأشهر «لوليتا» إلى فيلم سينمائي، والذي كان بمثابة البوابة الكبرى إلى هوليوود، وتفرغه لكتابة عدد من السيناريوهات.

الرجل لم يخْل من الإشكالية، ومن بين تلك الإشكاليات، ما أوصى به عائلته قبل وفاته بإحراق روايته «لورا الأصلية»، ولم يكن نابوكوف قد أكملها قبل وفاته؛ إلا أنه بعد مرور أكثر من ثلاثة عقود على رحيله، تولت العائلة إخراج الرواية إلى النور. الرواية صدرت في العام 2009، في كل من نيويورك عن دار نشر «نوف راندوم» والعاصمة البريطانية (لندن)، عن دار نشر «بنجوين».

وعلينا الإشارة هنا إلى أن روايته الأشهر «لوليتا»، كانت ستلقى المصير نفسه؛ لولا مبادرة زوجته التي حالت بينها وبين النار.

مقال مايكل دريدا في صحيفة «واشنطن بوست» يوم الأربعاء (27 مايو/ أيار 2015)، يضيء بمراجعته كتاب روبرت روبر والذي جاء تحت عنوان «نابوكوف في أميركا» والذي يبحث فيه كيف تُشكِّل الولايات المتحدة الروائيَّ، ويضئ جانباً من سيرة نابوكوف؛ مستهلاً دريدا بالإشارة إلى أن روبرت روبر ليس متخصصاً في دراسة فلاديمير نابوكوف أو رواياته. فالواقع يؤكد ويشير إلى أنه هو نفسه روائي، على رغم أنه نشر دراسة تناولت الشاعر الأميركي والت ويتمان، وسيرة متسلق الجبال الشهير ويلي أنساويلد. وكما يقول روبر في مقدمة «نابوكوف في أميركا»: «لقد أحبَّ موضوعات كتبه. هي كتب تظل تثير الجدل أحياناً لمدَّة تصل إلى 50 عاماً؛ وخاصة تلك كتبها حين كان يعيش في الولايات المتحدة. وأشهرها بطبيعة الحال (لوليتا) التي كتبها في العام (1955).

تركيزه على الروسي المحلي

تتناول أعمال نابوكوف التي كتبها في وقت مبكر من تجربته، المواطن الروسي بكل ما يرتبط به من ثقافة وقيم ومزاج وانغلاق في الفترة التي أعقبت الثورة في 17 أكتوبر 1917؛ وقد تمَّت ترجمة تلك الأعمال في وقت لاحق إلى اللغة الإنجليزية، وتميل في توجُّهها إلى أن تُحترم بدلاً من أن تُحب. تُحترم بالموضوعات التي تنقل من خلالها طابع الخصوصية لدى المجتمع الروسي، وتُحبُّ بتلك العوالم التي يتم فيها تشخيص كثير من ملامح وقضايا المواطن الروسي، وإن بدت بحسب كثير من النقاد والمتابعين وحتى القرَّاء، عصيَّة على الفهم والاستيعاب.

روايته «الهديَّة» التي كتبها في العام 1938، والتي عُدَّت أعظم رواية روسية في القرن العشرين، يجدها معظم القرَّاء - ومن بينهم دريدا، كاتب المراجعة، وحتى روبرت روبر نفسه - صعبة في بنْيتها ومضمونها. المؤلفات الحديثة نوعاً ما، بدءاً من أطول رواياته «آدا» التي كتبها في العام 1968، تميل إلى أن تكون مكتنزة بنوع من النزوة بشكل مفرط ورائع في الوقت نفسه، وهي تُمثِّل تمارين انعكاسية للذات، وتظل جذَّابة فقط لأولئك المُحبِّين الذين يتسِمون بالحماسة الشديدة. في الواقع، هذه الأعمال القليلة تظل من بين الأعمال الأوروبية، سواء كانت تحتوي مضامينها على قصص المنافي التي توزَّعَ عليها الشباب هرباً من الثورة الروسية، أو كانت تحتوي على قصة مرشح شهير على مستوى العالم لنيل جائزة نوبل (والتي لم يسبق لنابكوف أن فاز بها).

الأعمال وتحوُّل نابوكوف

ولكن أعمال العشرين سنة التي تُعدُّ قاسية تقريباً، تلك التي تتحدَّد في الفترة ما بين 1940 و 1962 تكشف، وبعبارة روبر «الشفَّافية المُدهشة لـ (أميركية) ناباكوف، تلك التي طبعت تجربته وتحوُّلَه، والطريقة التي انفتح بها على ذاته اتجاه (التأثيرات المحلية) بمجرد وصوله إلى هذا البلد وهو في سن الحادية والأربعين مع زوجته، فيرا، وابنه ديمتري».

«نابوكوف في أميركا» هو بالتالي دراسة جغرافية تقريباً، وكما جاء عنوانه الفرعي «في الطريق إلى (لوليتا)» وفي ذلك تلميح: هنا يُشدِّد روبر على أنها لم تكن فقط رحلات نابوكوف، وإلى حد كبير، رحلات الصيف تلك التي يخرج فيها نحو الغرب الأميركي سعياً وراء الفراشات النادرة، ولكن أيضاً إقامته في وقت مبكّر في ولاية كاليفورنيا؛ حيث كان يُدرِّس اللغة الروسية والكتابة لفترة وجيزة في جامعة ستانفورد، وجولة محاضراته في الجنوب العام 1942، عندما تحدَّث في كلية سبيلمان. كما يوضح روبر، في عملية إحصاء، بأنه خلال سنواته العشرين في أميركا، سافر نابوكوف إلى مناطق تزيد فيها الأميال التي قطعها بالسيارة على 200 ألف ميل. وعلينا أن نضع في الاعتبار السنوات الحاسمة التي أقامها في منطقة إيثاكا بنيويورك، حيث قام نابوكوف بين الأعوام 1948 و 1960 بتدريس الأدب الأوروبي وأنتج تقريباً جميع أعظم أعماله».

وأضاف روبر «لقد عمل بشكل غير عادي في جامعة كورنيل. بينما كتب هناك أجزاء من (لوليتا)، (بنين) و (كلام، ذاكرة)، قصص قصيرة، وشعر، وترجمات لأعماله الخاصة وغيرها».

علاوة على عدد غير عادي من البحوث، وتدوين الملاحظات والكتابة، مع الإشارة إلى أن نابوكوف لم يحضر بعد ذلك اجتماعات هيئة التدريس؛ أو يلتزم بساعات العمل.

وبالإضافة إلى أنه عملٌ في السيرة الذاتية إلا أن «نابوكوف في أميركا» هو أيضاً عمل نقدي. ويقارن روبر بدقة بين «لوليتا» بروايات السَبْي الهندية، في جوانب من «موبي ديك» (بتصفير علاقة الصبي بيب والكابتن أهاب).

«كلام، ذاكرة»

ظهور نابوكوف، في مرحلة حاسمة، تزامن تماماً مع جيروم ديفيد سالينغر. أحد عشر فصلاً للمستقبل في «كلام، ذاكرة» والتي ظهرت في مجلة «نيويوركر» فقط في السنوات ما بين 1948 و 1950، عندما كان سالينغر ينشر العمل الكلاسيكي

«Perfect Day for bananafish» و «Uncle Wiggly in Connecticut» قبل «War with the Eskimos».

ويضع روبر في الاعتبار أصداء رواية «الحارس في حقل الشوفان» للكاتب الأميركي سالينغر، والتي صَدرت العام 1951، وهي في الأصل موجَّهة إلى القرَّاء البالغين، لكنها أصبحت ذات شعبية كبيرة بين القراء المُراهقين بسبب محاورها الرئيسية مثل اليأس والعزلة خلال مرحلة المراهقة، سنقف على شيء من ذلك في رواية «لوليتا»؛ وخاصة في تصويره شقيقة هولدن كولفيلد الصغيرة (فيبي).

وفي السعي لإلقاء الضوء على تحوُّل نابوكوف إلى كاتب أميركي، يبحث روبر أيضاً في كتابه، كيف أن أوروبيين مبدعين آخرين مثل المخرج بيلي وايلدر، أدار هذه المرحلة الانتقالية من حياة نابوكوف. المثال البارز لروبر غير متوقع وصحيح تماماً: آين راند، في مقاربتها المعاصرة. من عائلة يهودية كانت شبيهة بفيرا، راند. «كاتبة بإنجازات مختلفة ومُغايرة ولكن، مثل نابوكوف، قرَّرت أن تكتب للسينما، وفي الخمسينات كانت مُؤلفة لأكثر الكتب مبيعاً. كانت راند أيضاً من سانت بطرسبرغ، فرَّت أيضاً من الثورة، ومع بدء وصولها إلى الولايات المتحدة انشغلت بفترة مكثفة من التعليم الذاتي، واحتضان ورعاية وتنمية ما اكتسبته وأخذته من الولايات المتحدة».

في «مصافحات سريَّة» يمكن أن نجد لها شيوعاً في الحضور؛ وخصوصاً في «النار الخافتة» التي أصدرها نابوكوف العام 1962. هذا الكتاب الذي يتألَّف من قصيدة طويلة كتبها جون شادو، مع مجموعة كبيرة من الملاحظات كتبها البروفيسور تشارلز كينبوت، وربما كان أصعب، أو الأكثر خداعاً وتعقيداً من بين الكتب في الأدب الحديث.

ضوء على السيرة

يُذكر أن فلاديمير نابوكوف كاتب روسي أميركي، ولد في 23 أبريل/ نيسان 1899 في سانت بطرسبرغ بروسيا، لعائلة ثرية؛ حيث كان والده أحد كبار رجال القانون الروس في عصره (تم اغتياله من قبل عملاء سوفيات)، وكان جدُّه وزيراً سابقاً في العهد القيصري، وقد تلقى نابوكوف مع إخوته تعليماً ثلاثي اللغات بالروسية والإنجليزية والفرنسية. مع قيام ثورة أكتوبر 1917، التحق بكلية تيرنتي بجامعة كامبريدج؛ حيث درس العلوم واللغات والأدب الوسيط.

لم يعرف الشهرة العالمية إلا حين بدأ كتابة رواياته وأعماله باللغة الإنجليزية؛ حيث بدأ بلغته الأم (الروسية). تميَّزت كتابات نابوكوف بالإيغال في التعقيد من حيث لغته وتوظيفاته للمجازات في الكثير من أعماله إن لم يكن معظمها.

ظهرت أولى رواياته العام 1925 تحت عنوان «ماشينكا»، وفي العام 1926، ظهرت مسرحيته المعادية للسوفيات «رجل سوفياتي» لتليها رواية «الملك ــ السيدة ــ الخادم» في العام 1931، وكانت هذه الفترة أخصب فترات عطاء نابوكوف الإبداعي؛ حيث نشر عمله «الغلطة» في العام 1932، ثم عاد في العام 1934 ونشر أعمالاً مهمة مثل «سباق مجنون» و»دعوة للعذاب» وفي هذه الأخيرة عداء شديد للحكم التوليتاري السوفياتي، وفي العام 1938، كتب وللمرة الأولى رواية باللغة الإنجليزية هي «سيرة سباستيان نايت الحقيقية».

في العام 1939، غادر إلى أميركا للعمل بجامعة ستانفورد، ثم درَّس الأدب الروسي بجامعات بوسطن وهارفارد، كما نشر في العام 1944م دراسة معمَّقة عن «جوجول»، وفي العام 1945، حصل على الجنسية الأميركية، ليتم تعيينه في جامعة كورنيل، وبدأ في كتابة سيرته الذاتية التي ظهرت العام 1951م بعنوان «من الشاطئ الآخر».

وفي العام 1955 نشر روايته «لوليتا» التي مُنعت أول الأمر في أميركا، وفي العام 1957، نشر رواية «بنين». حصل من حقوق تحويل رواية «لوليتا» إلى فيلم على 150 ألف دولار، ليتفرَّغ في هوليوود العام 1960م لكتابة سيناريو لهذا الفيلم، إلا أنه سافر لأوروبا العام 1962 حيث كتب «النار الخافتة»، وفي العام 1969م كتب أطول رواياته (آدا).

توفي نابوكوف يوم 2 يوليو/ تموز 1977م، في مونترو بسويسرا.

مايكل دريدا - فلاديمير نابوكوف
مايكل دريدا - فلاديمير نابوكوف

العدد 4660 - الأربعاء 10 يونيو 2015م الموافق 23 شعبان 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 11:37 م

      متميز استاذي الجمري

      حبذا لو اللقيتم الضوء على النتاج العربي القديم منه والمعاصر...نحتاج للتنويع لمزيد من الاستفادة

اقرأ ايضاً