العدد 4655 - الجمعة 05 يونيو 2015م الموافق 18 شعبان 1436هـ

الحجي بن الحجي وأحمد بن أحمد: الجرح... عميق!

جمعتهما «أسرة هواة الفن» وانطلقا مع «فارس الأسبوع»...

الفنانان جاسم خلف وصالح الصايغ في حوارهما مع «الوسط» - تصوير : محمد المخرق
الفنانان جاسم خلف وصالح الصايغ في حوارهما مع «الوسط» - تصوير : محمد المخرق

باختصار، فإن أجمل ما في أزقة المنامة، العاصمة، أنها «المنامة» وكفى!

ربما همست لك بعض الجدران والطرقات و(الزرانيق) بشيء من الأنين والحنين... ممزوجاً بلوعة اغتراب، لكن ثمة رئة تتنفس هواء المنامة ولا يمكنها أن تعيش من دونها... هي رئة كل بحريني.. والأكثر من ذلك، أن كل من عاش فيها أحبها وعشقها... المنامة، لها نبض خاص يلاحقك وأنت تسير في طرقاتها...

أمام منزل يعود إنشاؤه إلى العام 1921... مر أحد كبار السن من أهل المنامة ليلقي علينا التحية بحرارة، أنا والزميل محمد المخرق، ليصافحنا وابتسامته الجميلة على وجهه الطيب... «ها... انتون أولادنا.. حسبتكم ضيوف سياح»... قال تلك العبارة ومضى مبتسماً.. بالتأكيد، تلك الزاوية التي كنا نقف فيها كانت تقابل بوابة «بيت خلف» الذي أصبح تحفة بقلب المنامة وشريانها ونبضاتها التي قاومت قسوة الزمن.

صانعو الابتسامة وجمال القلوب

ريثما تعلن الساعة بلوغها (الرابعة) تماماً، سنكون على موعد مع شخصيتين محبوبتين على مستوى البحرين والخليج، عرفهما الناس باسم :»الحجي بن الحجي وأحمد بن أحمد»... الفنانان جاسم خلف وصالح الصايغ... هما من الرعيل الأول الذي بدأ لون الكوميديا في الحياة الفنية والثقافية في البحرين، بقائمة تضم معهما كلاً من الفنانين: محمد عواد، جاسم شريدة رحمه الله، سلمان الدلال، عتيق سعيد، محمد خميس، بروين زينل، عبدالواحد درويش، نبيل خلف العلوي، عبدالله الذوادي، حسن سلمان كمال، عبدالله الراعي، محمد صالح عبدالرزاق، حسين شرفي، وربما قائمة من الأسماء التي أحببناها بقيت حيناً وغابت حيناً عن الذاكرة، من صانعي الابتسامة وجمال القلوب.

«الجرح... عميق»! تلك كانت واحدة من خلاصة الخلاصة من حديثنا مع الحجي بن الحجي وأحمد بن أحمد.. لكن، ماذا يقصدان من هذه العبارة؟ وعن أي جرح يتحدثان؟ سنترك الإجابة مختبئة بين سطور هذا الحديث... فالفنان جاسم خلف من مواليد المنامة العام 1933، عمل منذ العام 1953 حتى العام 1960 في دائرة الحسابات الواقعة في باب البحرين آنذاك مع المرحوم السيد محمود العلوي الذي كان مسئولًا عن مالية الحكومة آنذاك، وعمل في إدارة الكهرباء حتى العام 1978، ثم انتقل للعمل في وزارة الأشغال حتى العام 1994 حيث تقاعد، أما الفنان صالح حسن الصايغ فهو من مواليد المنامة العام 1937، وعمل في شركة نفط البحرين «بابكو» منذ العام 1957 حتى تقاعده في العام 1997.

أستوديو رقم (1)

قبل شهر، انتشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ولاسيما مجموعات الواتس أب، مقاطع من برنامج (فارس الأسبوع) الذي قدمه تلفزيون البحرين في السبعينيات كأول برنامج مسابقات جماهيري على مستوى الخليج، وكانت أشهر فقراته، تلك التي يقدمها الثنائي الكوميدي الحجي بن الحجي وأحمد بن أحمد، لكن، من أين جاءت فكرة الثنائي في برنامج كهذا؟

- نحن سعداء في الحقيقة، وسبب سعادتنا هو أن الناس... أهل البحرين الطيبين، مازالوا يكنون لنا كل الاحترام ويحبوننا، ومع انتشار المقاطع التي أعادت الروح لمشاهد كادت تندثر، شعرنا بالكثير من السرور، وفكرة البرنامج جاءت من الأخ بوخالد... الإعلامي حسن كمال وأستاذنا المخرج حسن عيسى.. طرحا علينا الفكرة إبان الاستعداد لتقديم برنامج «فارس الأسبوع» في ستوديو رقم (1) بتلفزيون البحرين، وطبعاً كنا آنذاك عضوين في أسرة هواة الفن، وكنا نمثل في المسرح وكان كل من الأخوين حسن كمال وحسن عيسى يعرفاننا جيداً، وبالفعل، راقت لنا الفكرة وصرنا نعمل مع البرنامج كل أسبوع.

تدريب خلف الكواليس

وكيف يتم اختيار الموضوعات والأفكار للمشاهد التمثيلية؟

- كانت لنا تجربتنا في التمثيل، كما قلنا نحن من مؤسسي أسرة هواة الفن في أكتوبر/ تشرين الأول من العام 1957 في فترة المستشار تشارلز بلغريف، والأسرة فتحت لنا مجالًا كبيراً لاكتساب الخبرة في مجال التمثيل المسرحي، على أية حال، بالنسبة للموضوعات والأفكار، ففي بعض الأحيان كان مقدم البرنامج حسن كمال يطرح بعض الأفكار ونحولها في الوقت ذاته وقبل الدخول إلى الأستوديو إلى بروفة، وأحياناً أكثر من ذلك، قد تكون الفقرة مصحوبة بمقطع غنائي من تأليف حسن كمال أيضاً، وخلف الكواليس نقوم بالتدريب على المشهد ثم نقدمه مباشرة أمام الجمهور، ونحن الإثنان بيننا إشارات خاصة ونفهم بعضنا بعضاً... متى نبدأ ومتى نقف.

لنتحدث قليلًا عن أسرة هواة الفن بالنسبة لكم كفنانين... ما هو دورها؟

- حينما تأسست الأسرة كان رئيسها الفنان يوسف محمود حسين، وكنا نجتمع في منزله، فالنظام المتبع آنذاك أن من يتم انتخابه رئيساً يكون عقد اجتماعات الأسرة في بيته، وبعده ترأس الأسرة الفنان عبدالكريم العريض ثم علي رجب، وكنا في ذلك الوقت ومجموعة الفنانين نحمل طموحاً كبيراً لتقديم أعمال مسرحية مختلفة، لكن لم نكن نستطيع فعل ذلك! فالمرحوم مساعد الزياني وهو مدير الشئون الاجتماعية في بيت المستشار كان بمثابة الرقيب وهو الذي يصدر تراخيص العمل الفني فقد كان يطلع على الأعمال المسرحية قبل تقديمها وكان يستخدم علامة (×) حمراء كبيرة على المقاطع الممنوعة من فصول المسرحية الثلاثة، وكان يتابع المسرحية كلمة كلمة... بل أكثر من ذلك، وربما تضحكون من المعلومة، حين يكون على المسرح (مطرب)... يتم وضعه خلف غطاء (ستارة) لوجود (نساء) في قاعة العرض! وعلى العموم، أسرة هواة الفن كانت تضم التمثيل والمسرح والموسيقى ومختلف الفنون.

التذاكر تنفد سريعاً

هل كنتما ملتزمين بوقت محدد لفقرتكما أمام الجمهور؟

- قد تستغرق الفقرة بين ربع إلى نصف ساعة أحياناً، وللعلم، غالبية جمهور البرنامج كانت تتهافت على شراء التذاكر التي لم يكن أمر الحصول عليها سهلًا أبداً، وفي ذلك الوقت، لا يستطيع أي شخص الذهاب إلى التلفزيون إلا إذا كان لديه واسطة، فالتذاكر تنفد سريعاً... إضافة إلى ذلك، نقوم أحياناً بالترتيب للمشهد الخاص بالحلقة المقبلة، وما نفعنا في ذلك هو أننا نرتبط بعلاقة منذ الصغر، فقد كنا أصدقاء منذ أيام المرحلة الابتدائية في المدرسة الغربية وهي حالياً مدرسة أبي بكر الصديق، ونتذكر من أصدقاء تلك المرحلة كلاً من سعيد محمد علي، خليل ابراهيم خلف، محمد صالح عبدالرزاق، خليل الذوادي، وكذلك الفنان سلمان الدلال وكان في المدرسة الشرقية... في المدرسة أيضاً كنا نمثل على أيام مديرها المرحوم حسن الجشي، ثم بعد ذلك أدار المدرسة المرحوم سالم العريض، وآخر مدير للمدرسة كان المرحوم فريد فودة الذي كان قاسياً جداً... (يضحكان)... فعلاقتنا منذ الصغر مع بعضنا البعض مكنتنا من أن نقدم المشاهد بكل تفاهم وتلقائية.

وماذا عن العمل الإذاعي... كان هناك برنامج «اشتغل الشريط» ورحلة العمر؟

- عرفنا الجمهور بعد تلك الأعمال جيداً، حتى أن القاعدة بالنسبة لي هي أن الحجي بن الحجي وأحمد بن أحمد حين يعملان معاً فإنهما يشكلان ثنائياً في عمل ناجح... نعم، عملنا مع بقية الزملاء في أعمال مسرحية كوميدية، لكن حين نكون معاً فإن النجاح يصبح أكبر، أما عن الإذاعة، فكان الناس في السوق وفي المجالس وغيرها يكررون عبارة من أغنية برنامج (في مكتبة الإذاعة): «وره الليت الأخضر... واشتغل الشريط»، فقد تم الاتفاق مع المرحوم إبراهيم كانو وكان مدير الإذاعة في ذلك الوقت لتقديم البرنامج مع المخرج نبيل العلوي، على أن يكون بين 8 إلى 10 حلقات، وبسبب نجاحه وانتشاره ارتفع عدد الحلقات إلى 55 حلقة كل يوم جمعة.

أضف إلى ذلك، أننا كنا نذهب إلى القرى... ولنا بصمات في تأسيس المسرح الريفي لأننا كنا نقدم مسرحيات في القرى وكذلك في المحرق، بل وخارج البحرين، حيث قدمنا برنامج (نجم الأسبوع) في تلفزيون دبي واستمر لمدة تسع سنوات، ودورنا مشابه لفقرتنا في برنامج فارس الأسبوع لكن الموضوعات تناسب في ذلك الوقت المشاهد بدولة الإمارات العربية المتحدة، وكان معنا حسن كمال وارحمة الذوادي ومحمد جمال وجمعان زين وفريق فارس الأسبوع كان معنا... البرنامج كان يحوي فقرات تمثيلية وأسئلة وأغنية واحدة، وعموماً، فالبحرين قبل الكويت وقبل أي دولة خليجية تقدم أعمالًا لشهر رمضان مبارك وقدمنا برنامج رحلة العمر.

مسك ختامه بالثمانينات

قبل الختام، أين أنتما الآن؟

- نحن هنا في المنامة... لا نستطيع العيش إلا فيها، ولو تعطيني ملك الدنيا (والكلام للفنان جاسم خلف) لما تركتها، ولعلني أقلق على هوية المنامة التي أصبحت تفتقد مجالس فرجانها التي تزيد على عشرين مجلساً من العوائل الكبيرة ولا تنشط إلا في المواسم كمحرم وشهر رمضان المبارك والأعياد... المجالس هي روح المنامة، أما الفنان صالح الصايغ فالمنامة بالنسبة له ذكريات، لكنها ستبقى في القلوب، حيث ترعرعنا وكبرنا فيها، هي اليوم بكل فرجانها القديمة تمثل لنا حالة من الراحة والفرح والسرور، أما عن البرنامج فقد كان مسك ختامه في مطلع الثمانينيات، وتوقفنا عن العمل، ولم نعمل بعد ذلك في أي عمل مسرحي أو تلفزيوني.

وللعلم، هل تصدقون أن وزارة التربية والتعليم والمسارح الأهلية قامت بتكريمنا فيما لم تكرمنا وزارة الإعلام ولم يهتم بنا أحد من مسئوليها؟ ولهذا، فإن لدينا رسالة لكل الفنانين البحرينيين، وهي أن يعملوا وينتجوا ويبدعوا بالمثابرة والاجتهاد والصدق في العمل من دون النظر إلى المردود المادي، فنحن كنا نحصل في الحلقة الواحدة على مبلغ 15 ديناراً فقط لكننا كنا نهدف إلى تقديم عمل كوميدي اجتماعي يسعد الناس.

جرح عميق... وقلب كبير

بالتأكيد، ولهذا فإن المجتمع البحريني يسعد بكما وبأمثالكما، لكن هل يعود المجتمع البحريني إلى ما كان عليه في ذلك الوقت من محبة... مادام أمثالكم يجمعون الناس على المحبة؟

- الجرح عميق... في المجتمع البحريني، وخصوصاً مجتمع المنامة.. عشنا لسنين طويلة سنة وشيعة ومسيح ويهود وبونيان ومن كل الأديان والمذاهب حتى أصبحت مدينة المنامة حقيقة هي مدينة التعايش، أما ما يجري اليوم في المجتمع البحريني، فالحديث عنه يطول، ذلك أن الجرح عميق جداً وليس من السهل التئامه لكن الطيبين من أهل البلد والمخلصين الذين يجمعون كل أبناء البلد في قلوبهم، قادرون على العطاء وصيانة البيت البحريني بكل من فيه... وإزالة براثن ودعوات التناحر والطائفية والإقصاء والنيل من ارتباط الناس بتراب وطنهم... أما نحن، فقلبنا كان ولايزال يحوي كل أهل البحرين.

العدد 4655 - الجمعة 05 يونيو 2015م الموافق 18 شعبان 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 4:04 ص

      ايام زمان

      يعطيكم العافية على هذه الاطلالة لقد استمتعنا يوما بهذا الثنائي العفوي التلقائي
      ولو اتيحت لهم الامكانيات لكانا لهما شأن آخر
      كل التحية واطال الله في عمرهما

اقرأ ايضاً