العدد 4655 - الجمعة 05 يونيو 2015م الموافق 18 شعبان 1436هـ

المصلى والبلد القديم: بين اسم المكان والمسمى الاصطلاحي

نقش ساجة قبر سيديحيى الحسيني المؤرخ في العام 1405
نقش ساجة قبر سيديحيى الحسيني المؤرخ في العام 1405

لقد استخدم اسم «البلد» أو «البلاد» أو «البلد القديم» في البحرين منذ القدم، وذلك للدلالة على المنطقة السكنية الأكثر قدماً، مقارنة بالمنطقة الجديدة التي سُكنت بعدها. ويبدو أن هذا المسمى كان مرتبطاً بمنطقة شاسعة وهي التي كانت تضم مسجد الخميس، بالإضافة للمناطق المحيطة بها. ثم حدث بعد ذلك تخصيص للاسم فارتبط بمنطقة محددة وتحول مع الزمن لاسم وهو «البلاد القديم»؛ وبذلك فإن هناك منطقة «البلد القديم» التاريخية المقسمة لعدة مناطق متخصصة، وهناك منطقة البلاد القديم الحالية وهي جزء مما تبقى من البلاد القديم التاريخية. هذا، وقد ذكر مصطلح «البلد القديم» في نقش قديم يرجع تاريخه للعام 776 هجرية (1374 م) وقد عرف هذا النقش باسم نقش «الوقفية» لأنه تضمن مجموعة من أسماء النخيل التي تعتبر وقفاً، ويرجح أنه يوثق ترميم مسجد الخميس والأوقاف التابعة له. وهذا النقش حالياً معروض في متحف البحرين.

ومما يرجح ما ذهبنا إليه، ذكر اسم «البلد» أو «البلاد» (هكذا وردت في إحدى النسخ) في شرح ديوان ابن المقرب العيوني، وذلك في إشارة لمنطقة الأحساء. وقد علق المحقق على هذا الاسم بقوله أنه «اسم ينبغي أن لا يغفل لأن أهالي البطالية – وهي القرية التي تقوم على أنقاض مدينة الأحساء التاريخية – لايزالون يطلقون على قريتهم اسم «البلاد» حتى اليوم، وينسبون إليها فيقولون البلادي، وهناك أكثر من عالم دين شيعي يلقب بالبلادي نسبة إلى هذه القرية» (الجنبي وآخرون 2012، ج3: ص 1811).

وشبيه باسم البلاد الأسماء «الديرة» و«القَرية» و«القُريّة»، فمسمى «الديرة» اصطلاحاً يعني الحي القديم في مدينة ما أو قرية ما؛ ففي بعض قرى البحرين يسمى أقدم حي في القرية، قبل عمليات التوسع، باسم الديرة، على سبيل المثال، الحي الشرقي في قرية بني جمرة، كان، ومنذ سنوات طويلة، يسمى باسم الديرة. هذا المصطلح ينتشر، كذلك، في مناطق أخرى في الخليج العربي، على سبيل المثال، الحي القديم في دبي يسمى الديرة، كذلك المنطقة القديمة في العلا في المملكة العربية السعودية تسمى الديرة. كذلك، في البحرين الكبرى يطلق عادة على كل مدينة أو قرية كانت عامرة ثم اندثرت مسمى (القَرية) أو (القُريّة) بالتصغير (الجنبي، اتصال شخصي).

وقد كانت منطقة البلد أو البلاد القديم التاريخية (وليست البلاد القديم الحالية) تتكون من عدة مناطق متداخلة ومتفاعلة فيما بينها، وكل قسم يقدم خدمة للقسم الآخر، وذلك كنوع من أنواع التخصصية في المناطق. فهناك مناطق زراعية، ومناطق بها الجوامع، ومناطق بها مدارس فقهية، ومناطق سكنية، ومنطقة أسواق، بالإضافة للمنطقة المركزية التي كانت مقر القيادة الدينية أو قاضي القضاة، وهو مسجد الخميس. كذلك، فإنه لم تكن تخلو المناطق العريقة والتي بها قيادات دينية من مواقع خاصة لصلاة العيدين، وهي مناطق عرفت باسم المصلى، والتي تحولت لاحقاً لقرية المصلى. وقد سبق لنا أن تناولنا منطقة المصلى كقرية، وهنا سوف نسلط الضوء على هذه المنطقة من ناحية أخرى، كونها مكون أساسي من منطقة البلد القديم التاريخية.

مفهوم المصلى كتسمية

تسمية المصلى هي تسمية إسلامية «ويقصد بها عادة المكان الذي يتخذ مصلى تقام فيه صلاة العيدين، وكانوا عادة يختارون مثل هذه المصليات بعيداً عن العمران في مكان متسع نَزِه» (الجنبي 2012، ص 311). وقد انتشرت هذه العادة في البحرين وشرق الجزيرة العربية منذ قديم الزمان؛ وقد ترتب على ذلك وجود عدد من المناطق عرفت باسم المصلى في كل المنطقتين (الجنبي 2012، ص 311). ولا نمتلك دليلا على بداية هذا العرف في البحرين، ولكن هناك أدلة واضحة أنه كان سائداً في فترة السيطرة العيونية، أي ما بين القرنين الحادي عشر والثالث عشر الميلاديين؛ حيث كان من عادة الأمير العيوني أن يخرج إلى مصلى خاص، يسمى جرعاء المصلّى، عند صلاة العيدين في موكب مهيب بجميع زينته وخيله. وقد ورد ذكر جرعاء المصلى في شرح ديوان ابن مقرب العيوني، وجاء في شرحه أنه «مكان في ظاهر البلد قريباً منه يخرج إليه السلطان ومواكبه بجميع زينته وجنده وخيله وَرَجْله يوم العيدين وجميع أهل البلد، وتتحدّر إليه جميع سواد أهـل الأحساء، فيصلّون صلاة العيد، ويخطب فيه الخطيب، ويظهر فيه زينة جميع أهل البلد» (الجنبي وآخرون 2012، ج5: ص 2769).

أما في البحرين فقد بقي عرف اختيار موضع مصلى العيدين حتى بدايات القرن العشرين؛ حيث يذكر السيد هاشم السيد باقر في كتابه حول سير الأعلام في جدحفص من الإنجازات الدينية والاجتماعية للشيخ أحمد بن حرز (توفي العام 1918م) بعد قدومه إلى جدحفص أن الشيخ قام باختيار «أرضاً من الصحراء وجعلها مصلى للعيد في قرية جبلة حبشي المجاورة» (السيد باقر 2004، ص 97). وبلا شك فإن قرية المصلى عرفت بهذا الاسم لأنه كان بها في الماضي موضع خاص يستخدم كمصلى للعيدين. ولكن، يبقى السؤال، منذ متى تأسست قرية المصلى؟ ومنذ متى كانت موضعاً لمصلى العيدين؟

المصلى والبلد القديم

تعتبر قرية المصلى من القرى القديمة التي شاع صيتها منذ القدم، ولا نعلم بالتحديد متى اتخذ موقعها كمصلى ومتى تحولت إلى قرية، إلا أنه من المؤكد أن ذلك حدث من عهد قديم جداً؛ فأقدم ذكر لقرية المصلى كمسمى جاء على نقش ساجة السيد يحيى الحسيني الذي توفي في العام 1405م (Kalus 1990, p.77)، وهذا يعني أن القرية تأسست قبل ذلك بفترة طويلة، وقد كانت قبل ذلك مصلى لصلاة العيدين. وقد كانت المصلى تمثل جزءاً مهماً من المنطقة القديمة التي كانت تحيط بمسجد الخميس، ويبدو أن مساحتها القديمة كانت أكبر مما هي عليه الآن؛ حيث كانت تمتد من قرية السهلة غرباً وحتى حدود مقبرة أبي عنبرة شرقاً، أي غرب قرية خريان (الصالحية حالياً) وجنوب قرية البجوية (البرهامة حالياً). وما يؤكد ذلك ما جاء في خارطة البحرين الرسمية للعام 1904م، حيث حدد موقع قرية المصلى غرب مقبرة أبي عنبرة وجنوب البجوية وعين الدار. وكذلك، حدد التاجر موقعها، في كتابه «عقد اللآل»، جنوب البجوية وعين الدار (التاجر 1994، ص34).

وهناك قرائن قديمة تؤكد ذلك، منها قصيدة الشيخ البهائي الذي رثي بها والده الشيخ حسين بن عبدالصمد، الذي سكن قرية المصلى وتوفي فيها وذلك في قرابة العام 1576م، وقد جاء فيها:

يا ثاوياً بالمصلى من قرى هجر

كسيت من حلل الرضوان أرضاها

وكذلك ما ذكره الشاعر أبي البحر الخطي في قصيدة قالها في رثاء جماعة من الأقرباء توفوا في فترة متقاربة ودفنوا في مقبرة أبي عنبرة، فأدرج الجميع في قصيدة واحدة أنشدها في السابع من محرم من العام (1021هـ/1612م)، ويقول فيها:

سَقَى الأجداثَ شَرقيَّ (المُصَلَّى)

وإن رُفِعَتْ إلى جنَّاتِ خُلدِ

من الأقوال السابقة، يمكن الاستنتاج أن مقبرة أبي عنبرة توجد في شرق المصلى. وهذا يشير إلى أن قرية المصلى كانت تمر شمال مسجد الخميس وتصل لمقبرة أبي عنبرة، كما سبق أن ذكرنا سالفاً.

الخلاصة، أن قرية المصلى كانت جزءاً مهماً من منطقة البلدة القديمة المحيطة بمسجد الخميس، وأنها اشتهرت منذ قرون كونها المكان الذي تم اختياره كمصلى للعيدين، ثم تحولت بعد ذلك إلى قرية كان لها شأن، ناهيك عن الشخصيات المشهورة التي سكنت بها. وأن أهميتها لا تقل عن أهمية المناطق الأخرى التي كانت تعتبر كمكونات للبلد القديم والتي تناولنا عدداً منها، وسوف نتناول في الحلقات المقبلة مناطق أخرى.

العدد 4655 - الجمعة 05 يونيو 2015م الموافق 18 شعبان 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 9 | 7:29 ص

      نسى المؤرخ أن نسبة كبيرة من مساحة المصلى هي أوقاف وقد ضاع بعضها كما أن مسجد السيد يحيى الحسيني يتمتع بالنصيب الأكبر من الاوقاف وبجانب هذا المسجد قبر السيد يحيى الحسيني وهو قبر قديم جدا ويأتي من ينذر له من أماكن مختلفة من البحرين، أتمنى من الاوقاف إقامة ضريح مناسب لهذه الشخصية المهمة.

    • زائر 7 | 8:44 ص

      ما لكم كيف تحكمون

      يا أخي هي قرية خلدها التاريخ فما هذه الفئوية، فأنتم بأحلامكم الفئوية
      تفخرون وحتى لو محيتم تاريخ أمه.
      إنا الى الله وإنا اليه راجعون.ابقى الله المصلى وجدحفص وأهلهم في نعيم دائم ومستقر.

    • زائر 6 | 7:36 ص

      جدحفصي

      المصلي من توابع جدحفص
      وهي مصلى لاهلها

    • زائر 8 زائر 6 | 10:48 ص

      انالله

      انت مريض نفسياً
      المصلى وجدحفص متحابين واهلية

    • زائر 5 | 7:32 ص

      والنعم كانت قريه كبيره اما الان حُدت من عدة جوانب

      شكرا لك على هالمعلومه

    • زائر 4 | 7:05 ص

      أحلى ديرة

      المصلى من افضل القرى ...أهلها يتميزون بالطيبه ومن السهل أن تندمج في مجتمعهم ..يرحبون بك ويجعلونك واحد منهم في اقل وقت ...الله يحفظها من قرية

    • زائر 3 | 6:34 ص

      أضآءة في عمق التاريخ

      شكراً أيها المؤرخِ العزيز فأمثالك من يجب أن يحتدى بهم لإثراءِ تاريخ أممهم.ففي هذه القرية العريقة وفي قرية جد الحاج لا زال قليل ممن انفصل تاريخهم العريق عن أهليهم نتيجة عدم التدوين التاريخي ولاكن لا زال وللهِ الحمد لقب البهائي باقياً فيها وفي أهلها.
      أكرر شكرى لمؤرخنا العزيز ونتمنى له دوام الموفقية.

    • زائر 2 | 5:56 ص

      مصلاوي

      بعد عمري ديرتي

اقرأ ايضاً