العدد 4655 - الجمعة 05 يونيو 2015م الموافق 18 شعبان 1436هـ

الصفقة النووية أكبر من ساق كيري وظَهْر ظريف

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

والشرق الأوسط يغطُّ في أزماته، يذهب الإيرانيون والأميركيون بين الحين والآخر إلى مكان مّا لا تصل إليه الكاميرات. يُجرون محادثات معمَّقة حول كل شيء. النووي جزء منها، لكن هناك ما هو أبعد من النووي: الأمن والاقتصاد (وهو الاقتران التاريخي للأميركيين في علاقاتهم الخارجية كما يشير روبرت سام ويلسون) والمواضع الصلبة والرخوة في المنطقة الممتدة من شرق الأطلسي حتى غرب الصين، ومن آسيا الوسطى حتى المحيط الهندي. إنه سياق جديد في العلاقات الدولية بات يتشكَّل، ليكوّن مساراً أساسيّاً لسياسات أميركية دولية قادمة، وتحديداً تجاه الشرق.

ويبدو أن «استئصال» ورم الخلاف من جسد العلاقات الإيرانية الأميركية قد أدى إلى أعراض جانبية في أكثر من مكان. ومن المفارقة والدعابة هنا، أن تلك التداعيات لم تقتصر على السياسة فقط، بل امتدَّت لتؤثر على الأشخاص أيضاً. فقد كُسِرَت ساق وزير الخارجية الأميركي جون كيري (71 عاماً) بعد حادث دراجة هوائية «كان يقودها على جزء من مسار سباق فرنسا للدراجات في هوت سافوي». وهو الآن في مستشفى ماساتشوستس بعد أن نُقِلَ بطائرة عسكرية من جنيف.

في المقابل، فإن الأنباء الواردة من طهران أفادت بأن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف أدخِلَ المستشفى على عجل، بعد آلام حادة أحس بها في ظَهْره. وظريف يُعاني منذ زمن من آلام الظهر، وكانت إيران تُوفد معه طبيبه الخاص أثناء المفاوضات النووية في جنيف وفي معظم رحلات الوزير الطويلة، على رغم أنه قال مازحاً قبل سنتين إن تلك الآلام هي نتيجة هجوم المحافظين عليه.

على كل حال، فبين معمعة تلك الأعراض والهزات، تُحاول دول أن تأخذ لنفسها مكاناً في هذه السفينة الماخرة. ودول أخرى تريد أن تُقدِّم نفسها لدول أخرى على أنها البديل الأفضل لما أصبح اليوم حليفاً رماديّاً أو عاجزاً على تقديم ما يُؤمَل منه. وربما تكون روسيا ضمن هذه المعادلة المتبدِّلة، فهي الأبرز في مرمى الأنظار للعديد من الدول في المنطقة العربية ودول أخرى في جنوب آسيا بل وحتى في أوروبا حيث اليونان التي مدَّت عنقاً لها قبل أشهر عندما كان الأوربيون يبتزون اليسار الغالب فيها.

فالروس وبعد أزمة أوكرانيا وبعد أن عجزوا عن جعل الموقفين الفرنسي والألماني يتمايزان عن الموقف الأميركي في ذلك الملف، وتداعيات الأزمة الاقتصادية عليها باتت أحوج إلى حلفاء يوفرون لها متنفساً اقتصاديّاً واستراتيجيّاً يُعينها على ما هي فيه.

وكان موضوع اقتراب طهران من اتفاق مع الأميركيين فرصة لها كي تمد خيطاً مع الناقمين على تلك العلاقة الجديدة من حلفاء واشنطن. لذلك رأينا تقارباً مصريّاً وخليجيّاً مع موسكو أصبح ينشأ وإن ببطء، بسبب الخلاف حول سورية بالدرجة الأولى، وخصوصاً أن الخليج يمكن أن يفتح للروس ممرّاً نحو المياه الدافئة في الجنوب، من دون أن يعني ذلك بالتأكيد بُعداً روسيّاً عن الجغرافيا الإيرانية، بدليل تزويد طهران بصواريخ S300 وفتح خط تجاري ضخم معها (على هيئة مقاضيات) إلاَّ أن سعي موسكو مع غير الإيرانيين يبقى تعديلاً لسلّة العلاقات بالنسبة إليها.

أما الصين فإن لها تفسيراً آخر للمسألة النووية الإيرانية وتسويتها. هذا التسفير لا يتعلق بموضع إيران الجديد بعد الاتفاق، فذلك لا يضرها بقدر ما ينفعها، وهي صرَّحت بذلك علناً، لكنها في الوقت نفسه تعتبر ذلك الاتفاق أحد إفرازات السياسة الأميركية للضغط عليها (أي الصين) من جوانب أخرى! كيف؟ الصين تنظر إلى الحلف الاستراتيجي الباسيفيكي الذي تعكف الولايات المتحدة الأميركية على تشييده عبر المحيط الهادي تطويقاً لها، وهو لن يزدهر إلاَّ بعد تبريد المسألة النووية الإيرانية وتبديد المخاوف الإسرائيلية تجاه طهران، كي يُمكن للأميركيين الانسحاب بهدوء من منطقة الخليج والشرق الأوسط، أو على الأقل تبديل أولوياتهم فيه. ولطالما أجَّل الأميركيون اندفاعهم تجاه ذلك الحلف؛ لانشغالهم بالأزمة النووية مع إيران وحَيَّنُون في هذا التوقيت.

فالخط الممتد من أستراليا في الجنوب مروراً بنيوزيلندا وسنغافورة وماليزيا وبروناي وفيتنام واليابان حيث منطقة الشرق، وصولاً إلى كندا وتشيلي والمكسيك وبيرو والولايات سيعني أن الولايات المتحدة تريد الهيمنة على 40 في المئة من الاقتصاد العالمي. وقد استلزم ذلك أن بدأ الأميركيون في التوسع العسكري خارج المنطقتين التقليديتين بصورة أكبر (أوروبا والخليج) لحماية السياسة الجديدة، فأصبح لها حضور عسكري كبير في استراليا واليابان والفلبين وفيتنام.

وقبل أيام فقط، زار وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر هانوي واجتمع مع نظيره الفيتنامي فونغ كوانغ ثان ووقعا بياناً «عن رؤية مشتركة للتعاون العسكري المستقبلي». وقد لوحظ خلال الزيارة تأكيد كارتر دعوته للصين ضرورة إنهاء عمليات البناء على الجزر في بحر الصين الجنوبي، كانحياز واضح للحلف الرباعي الجُزُري غير المعلن لكل من فيتنام وماليزيا والفلبين وتايوان.

وبكين تخشى من تمدد أميركي على أثير النفوذ الجديد لها في تلك المنطقة، كما فعلوا مع الروس في أوكرانيا وعموم شرق أوروبا. لذلك وجدنا أن الصين وخلال سنة ونصف فقط قامت بالاستحواذ على ألفي آكر في بحر الصين الجنوبي لتطويق أرخبيل سبراتليز (410 آلاف كيلومتر مربع) ومحاولة الحد من استغلال الأميركيين لـ 48 جزيرة فيتنامية اصطناعية وثماني جزر أخرى فلبينية وخمس ماليزية وواحدة تايوانية لأغراض عسكرية وتجسسية، وجميع هذه الدول شريكة بشكل مباشر أو غير مباشر في الحلف الجديد، مصرحة علناً بأنها تفعل ذلك «تلبية للاحتياجات الدفاعية اللازمة».

بالتأكيد هناك صور أخرى (بعضها مباشر وبعضها غير مباشر) للتأثيرات المحتملة لأي توقيع أميركي على قرار استراتيجي للتعامل مع إيران، لكن ما تُحمِّيه الأحداث المتلاحقة، كما يجري، هو الذي يكون أكثر بروزاً.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 4655 - الجمعة 05 يونيو 2015م الموافق 18 شعبان 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 7:16 ص

      مبدع

      دائما مبدع ابو عبد الله، دائما تنظر للامور بنظرة استراتيجية بعيدة عن المهاترات والمشاكسات . بارك الله فيك

    • زائر 5 | 3:11 ص

      العديد من الدول يوجد بها محطات الكهرباء النووية من غير الدول الخمس

      هذا مسموح للجميع بحيث يكون تحت أنظار العالم والمنظمة التي تمثله كي يطمئن الجميع وبالخصوص الدول القريبة من هذه المولدات الكهربائية ولم تحدث أي مشكلة ولا مقاطعة اقتصادية لأي دولة فهل العالم غلطان أو إيران لم تتبع الطرق الصحيحة لإنشاء الطاقة النووية السلمية واهدرت الملايين بسبب المقاطعة على حساب شعبها

    • زائر 4 | 2:44 ص

      وكذلك

      اذا استثمر الروس مشكلة لاتحاد الاوروبي في اليونان فسوف يحسنون صنعا

    • زائر 3 | 2:08 ص

      شكرا

      تحليل خبير

    • زائر 2 | 1:34 ص

      تحليل عميق

      تسلم

    • زائر 1 | 11:21 م

      ابداع

      كالعادة. .صاحب العمود ما شاء الله عليه يتفنن في ادائه من اول سطر الي اخره..يستحق كل تقدير...

اقرأ ايضاً