أكد الأمين العام لمجلس التعليم العالي رياض يوسف حمزة، أن المجلس يسعى في خططه ومشروعاته المتعددة لأن تلبي مخرجات التعليم متطلبات سوق العمل واحتياجاته، مشيرا إلى أن قطاع التعليم العالي في البحرين يتبوأ مكانة مرموقة ويحظى برعاية واهتمام من جانب القيادة الرشيدة لما له من دور في إحداث النمو المطلوب لمختلف قطاعات الدولة، وباعتباره مقوما رئيسيا من مقومات الرؤية الاقتصادية المستقبلية للبحرين 2030.
وقال في حوار خاص مع وكالة أنباء البحرين "بنا" إن المجلس تبنى عددا من المبادرات التي تستهدف تنفيذ خطط الحكومة التنموية في شتى القطاعات، منها نظام الاعتماد الأكاديمي، والاستمرار في عمليات التنسيق والمشاورة مع قطاعي الصناعة والأعمال لضمان جسر الفجوة بين المؤهلات التي تحتاجها عملية التنمية ومؤسسات التعليم المختلفة، لافتا إلى انعقاد المؤتمر الوطني الأول للمهارات والتوظيف يوم الـ9 من يونيو الجاري لبحث النتائج التي توصلت إليها الدراسات المسحية فيما يخص احتياجات سوق العمل من المهارات.
وفيما يأتي نص الحوار:
ـ كيف تقيمون الشراكة بين قطاع التعليم العالي وقطاع الصناعة والأعمال؟
يسعى مجلس التعليم العالي لأن تلبي مخرجات التعليم متطلبات سوق العمل، كما يسعى سوق العمل للحصول على عمالة مؤهلة ومدربة تزيد من إنتاجيته، لذا كان لا بد من عقد شراكة بينهما لتوحيد الجهود والسير بخطوات عملية نحو جسر الفجوة بين المهارات والمتطلبات، ولذلك شكلت لجنة تنسيقية تضم ممثلين عن قطاع التعليم العالي وقطاع الصناعة والأعمال، حتى وصلت إلى تحديد الأولويات لهذه الشراكة والتي تنطلق من الأهداف الاستراتيجية للتعليم العالي، وبرنامج عمل الحكومة الموقرة، وعناصر الرؤية الاقتصادية 2030.
واقترحت اللجنة المشكلة عدة مشاريع ودراسات وتوصيات لجسر الفجوة بين القطاعين، وعقدت خلال الفترة الماضية ثلاثة ملتقيات حضرها خبراء ومتحدثون دوليون بمجال الابتكار والقيادة والإبداع وريادة الأعمال ودور التعليم بالاقتصاد والصناعة ودور البحث العلمي بحل مشكلات سوق العمل بشكل عام.
وخلال الأيام القادمة سيعقد المؤتمر الوطني للمهارات والتوظيف الذي ستترجم فيه النتائج التي توصلت إليها الدراسات فيما يخص مهارات التوظيف إلى خطوات عملية وقرارات يتم الالتزام بها. ويعد هذا المؤتمر الأول من نوعه، وتنظمه الأمانة العامة للمجلس برعاية سعادة وزير التربية والتعليم ـ رئيس مجلس التعليم العالي ـ يوم الثلاثاء الـ9 من يونيو الجاري، وبالتعاون مع المجلس الثقافي البريطاني وأكاديمية التعليم العالي في المملكة المتحدة، ويهدف إلى تطوير حقيقي في المناهج الدراسية لتحقيق المواءمة بين مخرجات التعليم العالي ومتطلبات سوق العمل.
ويضم المؤتمر ممثلين عن قطاع التعليم العالي ومختلف قطاعات الصناعة والأعمال وخبراء من مختلف القطاعات في الاقتصاد الوطني، وسيتم خلاله مناقشة نتائج مشروع المسح الوطني لمهارات سوق العمل الذي أعدته أمانة المجلس، وتضمنت بدقة المهارات التي تتطلبها مختلف قطاعات سوق العمل من خريجي الجامعات.
وستنظم أمانة المجلس ورش عمل وحلقات نقاش وبحث مكثفة يومي 10 و11 يونيو 2015 بحضور المتخصصين بقطاع الصناعة والأعمال والأكاديميين في كل جامعة لإيجاد الآليات المناسبة لتطوير المناهج والخطط الدراسية وتضمينها بالمهارات والتدريب اللازم لسوق العمل بحسب التخصص والبرنامج، وسيتم تشكيل فرق العمل للمتابعة وبإشراف مباشر من أمانة المجلس.
ـ كيف تنظرون لتطوير التعليم العالي، وما أهميته؟
التعليم العالي المتميز هو السبيل لإنتاج اقتصاد معرفي ناجح، وهو طريق المستقبل لإحداث النمو المتسارع لمختلف القطاعات، والقادر على التنويع في مصادر الدخل، ويعد المحرك الرئيس للنمو، فمخرجاته من الطلبة والبحث العلمي هي مدخلات رئيسية لعملية التنمية الشاملة لمختلف القطاعات، وعالمياً يعتبر أحد أهم معايير المقاييس العالمية للرفاه الاجتماعي والتقدم الاقتصادي.
وتبنى المجلس سياسات وطنية لتعزيز تنافسية القطاع، محلياً وإقليمياً ودوليا، من أجل إحداث النقلة النوعية المنشودة، حيث أقر "الاستراتيجية الوطنية للتعليم العالي" و"الاستراتيجية الوطنية للبحث العلمي"، اللتان تضمنتا أهدافا نوعية ترتقي بالتعليم العالي في المملكة، من خلال العمل على استقطاب الطلاب من المنطقة وتخريج كوادر مؤهلة علمياً والاستفادة من البحوث لتحقيق النمو الاقتصادي ومواءمة التعليم العالي ليحقق الأولويات المحلية والإقليمية، الحالية والمستقبلية، بتغذية قطاعات النمو بالمهارات المناسبة.
ونطمح من خلال هذه الاستراتيجيات لجعل البحرين مركزاً إقليمياً للتعليم العالي يتمتع بسمعة مرموقة ووجهة أولى ومختارة للتعليم لطلاب دول الخليج العربي، وأن نخرّج طلاباً يمتلكون مهارات القرن الـ21 في التفكير الناقد والإبداعي.
ـ ما الإجراءات التي اتخذها المجلس لتنفيذ الاستراتيجيتين؟
أقر المجلس المبادرات والمشاريع التنفيذية للاستراتيجيتين والتي تتكامل وتتماشى مع الأولويات التي قدمتها الحكومة الموقرة لتنفيذ محاور برنامج عملها القادم للسنوات 2015-2018، واتخذنا في المجلس عدة إجراءات خلال الفترة الماضية حيال تنفيذ هذه الاستراتيجيات، من حيث التدشين والتعميم على مؤسسات التعليم العالي لتزويد الأمانة العامة بالخطوات التنفيذية التي ستتخذها كل جامعة لتحقيق أهدافها وفقاً لما ورد في كلتا الاستراتيجيتين.
وسيلعب نظام الاعتماد الأكاديمي دوراً مهماً بجاهزية مؤسسات التعليم العالي للقيام بالدور المطلوب منها، كما تعمل أمانة المجلس على التنسيق باستمرار مع قطاع الصناعة والأعمال باعتباره شريكاً فاعلاً في تحقيق المشاريع والمبادرات التي تحقق أهداف الاستراتيجيتين، وتم تحديد المشاريع اللازم تنفيذها لتحقيق الأهداف، والجهات المسئولة عن التنفيذ ضمن فترات زمنية محددة، ومؤشرات واضحة لقياس الأداء، ونقوم بإجراء المتابعة الدورية للتنفيذ من خلال تشكيلنا لفريق يختص بمتابعة تنفيذ الخطط الاستراتيجية أولاً بأول.
ـ بخصوص نظام الاعتماد الأكاديمي المشار إليه سلفا والذي أعلن مؤخراً، ما هي إجراءاتكم لتطبيقه؟
قرر مجلس التعليم العالي إجراء تطبيق تجريبي للاعتماد الأكاديمي على بعض مؤسسات التعليم العالي، في خطوة لتهيئة جميع مؤسسات التعليم العالي الحكومية والخاصة في المملكة على التقدم لمجلس التعليم العالي للحصول على شهادة الاعتماد الأكاديمي.
وبدأت الأمانة العامة ومن خلال فريق الاعتماد بإجراء التطبيق على ثلاث من مؤسسات التعليم العالي اثنتان منها حكوميتان هما جامعة البحرين وبوليتكنك البحرين وواحدة خاصة هي الجامعة الملكية للبنات، وسنعمل من خلال تدريب القائمين في كل مؤسسة على متابعة حصول مؤسستهم على شهادة الاعتماد الأكاديمي بتقديم الشرح المفصل والمبسّط لدليل إجراءات الاعتماد الأكاديمي المؤسسي لتمكينهم لاحقاً من تحقيق معايير ومؤشرات الاعتماد التي حددها النظام، ولغاية الآن تم تقديم ورشة تدريبية لكل من بوليتكنك البحرين والجامعة الملكية للبنات.
ـ كيف تتعاملون مع طلبات الاستثمار في التعليم لترخيص مؤسسات تعليم عالٍ جديدة؟
يتولى المجلس وبموجب قانون التعليم العالي تشجيع الاستثمار الخاص في المجال، ونتطلع باستمرار إلى تحقيق استثمار نوعي وناجح يقدم تعليم عالي متميز، ويضع المجلس أي طلب للاستثمار موضع ترحيب على أن يحقق الاشتراطات التي نصت عليها اللوائح والقرارات الصادرة، وأن يقدّم إضافة لمشاريعنا من حيث نوع البرامج والتخصصات التي تواكب تطورات المرحلة، وبحيث تكون المملكة نقطة جذب للتعليم العالي في المنطقة.
ونعمل بالمجلس على تذليل كل العقبات، وندعو الراغبين بالتوجه للاستثمار في القطاع، خاصة أن هناك عدة ميزات تشجع على ذلك كموقع البحرين، واستقرار البنية التشريعية للتعليم العالي، وتطبيق مشاريع ترتقي بالقطاع مثل إقرار الاستراتيجيتين المذكورتين سلفا، والشراكة مع سوق العمل، وتطبيق نظام الاعتماد الأكاديمي، وذلك كله تحت مظلة بيئة اقتصادية متطورة داعمة للاستثمار.
ـ ما الجهود للنهوض بالبحث العلمي في مملكة البحرين؟
يمثل النهوض بالبحث العلمي أولوية للتعليم العالي في هذه المرحلة جنباً إلى جنب مع متابعة تحقيق الأهداف الاستراتيجية بشكل عام، لما له من دور أساسي في الارتقاء بالتعليم العالي ومخرجاته وانعكاسات إيجابية على الاقتصاد الوطني وقضايا الإبداع والابتكار وريادة الأعمال التي يسعى التعليم العالي ضمن استراتيجياته إلى تكريسها كثقافة متجذرة لدى الطلاب وأعضاء هيئة التدريس ومؤسسات التعليم العالي وجميع مؤسسات الدولة.
وأقر مجلس التعليم العالي في اللائحة المالية لمؤسسات التعليم العالي الخاصة قرارا بإخضاع الجامعات إلى تخصيص نسبة لا تقل عن 3% من صافي إيراداتها السنوية بحيث توجّه للإنفاق على البحث العلمي، ونسبة لا تقل عن 2% من صافي هذه الإيرادات توجه للصرف على التنمية المهنية لهيئة التدريس.
والمعروف أن غالبية إنتاج البحث العلمي في البحرين يتم عبر الجامعات الحكومية والإقليمية (جامعة البحرين وجامعة الخليج العربي)، حيث أنها تنفق ما يقارب من 95% من إجمالي إنفاق مؤسسات التعليم العالي في المملكة على البحث العلمي، علماً بأن سياسة الإنفاق على البحث العلمي عام 2014 شهدت زيادة ملحوظة عما هو عليه الحال عام 2013، نتيجة إلزام مؤسسات التعليم العالي بإنفاق النسبة المحددة باللوائح على البحث العلمي.
ونحن متفائلون بأن السنوات القادمة ستشهد مزيداً من التقدم والتطور في هذا المجال بحسب الخطط المتبعة، حيث أن المجلس يعمل حالياً على تطوير أنظمة ولوائح للبحث العلمي لمؤسسات التعليم العالي تحدّد فيها بدقة أوجه صرف نسبة 3% المخصصة للبحث، بحيث تكون قابلة للقياس والتحقق من جانبه، كما نعمل حالياً مع القطاع الخاص لتمويل الأبحاث ودعم المشروعات البحثية التي يجريها أعضاء الهيئة التدريسية وطلبة الدراسات العليا.
ـ هل هناك خطة لتشجيع طرح تخصصات غير موجودة حالياً في جامعاتنا ويحتاجها سوق العمل؟
هذا ما نسعى إليه في استراتيجياتنا وفي الشراكة مع قطاع الصناعة والأعمال لتحديد متطلباته التي يتم بناء عليها تعديل الخطط الدراسية للتخصصات وأحياناً التخصصات ذاتها، وبدأ المجلس ينظر في جدوى الموافقة على فتح تخصصات جديدة أو غلق تخصصات قائمة بالرجوع إلى الأهداف الاستراتيجية ومدى مواكبة هذه التخصصات لاحتياجات سوق العمل.
وفي مبادرة منه للتشجيع على طرح تخصصات نوعية، قام مجلس التعليم العالي بتقديم دراسة لإنشاء جامعة وطنية شبه حكومية، تضم برامج وتخصصات غير تقليدية ونوعية تختلف عن مثيلاتها القائمة حالياً في باقي الجامعات، بحيث تكون فريدة من نوعها على مستوى المنطقة تحتضن بيئة الإبداع والابتكار والبحث العلمي النوعي.
ـ برأيك، لماذا يوجد انحسار للبرامج الأكاديمية في بعض التخصصات، ولماذا نلحظ رغبة الطلاب استكمال دراساتهم العليا خارج المملكة؟
هذا موضوع بالغ الأهمية ونسعى لإعادة توجيه البوصلة فيه نحو وضعه الطبيعي، فهو يرتبط بثقافة ما تزال سائدة عند بعض أبناء المجتمع من ناحية الرغبة بحصول أبنائهم على الشهادة الجامعية بغض النظر عن نوع التخصص والمسار الوظيفي له بعد التخرج، مما يفرض أعباء كبيرة على الدولة لاحقاً، لذا نلاحظ زيادة في التخصصات الإنسانية في جامعاتنا على حساب التخصصات التقنية والتطبيقية.
وبذات الوقت فإن من الطبيعي أن تنظر الجامعات الخاصة إلى تحقيق رغبة المجتمع بأقل التكاليف من خلال طرح برامج وتخصصات لا تتطلب منها الإنفاق الكبير على التجهيزات والمرافق التي تتطلبها التخصصات الأخرى مثل العلوم التقنية والتطبيقية.
وفيما يخص رغبة الطلاب باستكمال دراساتهم العليا خارج المملكة فهذا يعود إلى رغبة البعض بالالتحاق بمؤسسات تعليمية مرموقة تحتل ترتيباً متقدما بالتصنيفات العالمية من ناحية، أو عدم توفر التخصصات التي يرغبون بالالتحاق فيها بجامعاتنا من ناحية أخرى.
ومجلس التعليم العالي يدرس بعناية الطلبات الجديدة لفتح التخصصات والبرامج التي تتضمن دراسات الجدوى حاجة مملكة البحرين والمنطقة لها، ونعمل على نشر ثقافة لدى المجتمع ومؤسسات التعليم العالي بحيث تسهم في التوجه نحو التخصصات والبرامج التي يتطلبها سوق العمل.