يدخل ماسيميليانو أليغري ولويس إنريكي إلى الموقعة المنتظرة بين فريقيهما يوفنتوس الايطالي وبرشلونة الاسباني السبت المقبل في نهائي دوري أبطال أوروبا، وهما فخوران تماما بما حققاه هذا الموسم في طريقهما إلى العاصمة الألمانية التي تحتضن المواجهة على ملعبها الاولمبي.
ويمكن القول أن أليغري وإنريكي ثأرا لنفسهما واستردا اعتبارهما بعد أن واجها حملة انتقادات من قبل جمهور فريقيهما الذي لم يؤمن بقدراتهما قبل أن يقتنع في نهاية المطاف أنهما الخيار الصحيح.
حل أليغري في «يوفنتوس ستاديوم» في صيف 2014 وسط اهانات جمهور «السيدة العجوز» الذي لم يكن راضيا على الإطلاق عن اسم خليفة انطونيو كونتي المنتقل لتدريب المنتخب الوطني، وخصوصا أن المدرب الجديد كان سابقا في معسكر الخصم اللدود ميلان. واعتمد أليغري في بادئ الأمر فلسفة الاستمرارية من خلال المحافظة على أسلوب اللعب الذي طبقه سلفه كونتي، أي 2-5-3، قبل أن يبدأ تدريجيا بإدخال لمسته الخاصة والاحتكام إلى اللعب بطريقة 2-1-3-4 وهو الأسلوب الذي سيواجهه به برشلونة في موقعة السبت.
«شعرت بالقلق كثيرا»، هذا ما قاله الظهير الفرنسي باتريس ايفرا عن اللعب تحت إشراف أليغري بعد أن انتقل إلى يوفنتوس الصيف الماضي بطلب من كونتي، مضيفا «تجربتي مع عملية الانتقال بين السير اليكس فيرغسون وديفيد مويز كانت سلبية»، في إشارة إلى ما اختبره في فريقه السابق مانشستر يونايتد الانجليزي عندما حل الاسكتلندي ديفيد مويز بدلا من مواطنه الأسطورة اليكس فيرغسون والنتائج المخيبة التي حققها «الشياطين الحمر» بقيادة مدرب ايفرتون السابق.
لكن سرعان ما تبددت مخاوف الظهير الفرنسي المخضرم بعدما نجح أليغري في قيادة يوفنتوس إلى الفوز بمبارياته الست الأولى (5 في الدوري وواحدة في دوري الأبطال) من دون أن تتلقى شباكه أي هدف.
لم تكن تلك البداية الرائعة وحيدة، إذ وصل يوفنتوس لنهاية الموسم وفي جعبته لقب الدوري للمرة الرابعة على التوالي ثم أحرز لقب الكأس للمرة الأولى منذ 20 عاما، وها هو يقف الآن على بعد 90 دقيقة من الفوز بلقب دوري أبطال أوروبا للمرة الأولى منذ 1996 بعد أن بلغ النهائي للمرة الأولى منذ 2003.
ما هو مؤكد، أن أليغري حقق ما لم يتوقعه الكثيرون بإيصال يوفنتوس إلى نهائي دوري الأبطال، وهو أمر عجز عنه كونتي الذي تمنى دائما تحقيق هذا الانجاز لكنه كان يعتقد بان فريقه لا يملك الإمكانات التي تخوله الوصول حتى النهاية، وهو قال في إحدى المرات: «من المستحيل أن تجلس على طاولة تبلغ تكلفة الطبق عليها 100 يورو وأنت لا تملك في جيبك سوى 10 يورو»، في مقارنة بين الإمكانات المادية ليوفنتوس وفرق مثل ريال مدريد وبرشلونة الاسبانيين أو تشلسي الانجليزي وباريس سان جيرمان الفرنسي.
الانجاز الذي حققه أليغري لم يكن بسيطا على الإطلاق، وخصوصا انه تمكن في نصف النهائي من تجريد العملاق ريال مدريد من اللقب (1/صفر ذهابا و1/1 إيابا)، وهذا الأمر يمنحه شيئا من الثأر الشخصي: «لم يؤمن احد بقدرتنا على الوصول إلى النهائي الذي نستحق التواجد فيه، لنكن واضحين». وواصل «المقارنات طبيعية (مع كونتي)، لكن هذا الأمر لا يثير اهتمامي حقا. ما يهم هو النتائج. المدربون يرحلون لكن النادي يبقى».
إنريكي من شفير الهاوية إلى القمة
وفي المعسكر الكاتالوني، لم يكن الموسم الأول لإنريكي المدرب مع برشلونة سهلا أيضا، ومن الأصل لم يكن أحدا يتوقع أن يصل الأمر به لتولي مهمة تدريب الفريق الأول في النادي الذي كان له الفضل أيضا في تأهيله تدريبيا وذلك بمنحه مهمة الإشراف على الفريق الرديف من 2008 حتى 2011.
ولعبت الظروف الطارئة دورا في وصول إنريكي إلى منصبه الحالي على رغم خبرته التدريبية المتواضعة مع روما الايطالي (2011-2012) وسلتا فيغو (2013-2014)، فرحيل رفيق دربه جوسيب غوارديولا عن الفريق العام 2012 بعد أن قاده إلى 14 لقبا في 4 أعوام، هز عرش الكتيبة الكاتالونية وحاول القيمون عليها تعويضه بمساعده تيتو فيلانوفا، لكن المرض دخل على الخط وأدى في نهاية المطاف إلى وفاة الأخير. ثم لجأ برشلونة إلى الأرجنتيني خيراردو مارتينو لكن الأخير فشل في مهمته وخرج من الموسم الماضي خالي الوفاض، ما فتح الباب أمام إنريكي للسير على خطى غوارديولا والإشراف على الفريق الأول.
وكانت المخاطرة كبيرة بالتعاقد مع إنريكي، لكنه اثبت أن الرهان عليه وعلى حبه لقميص النادي كان في محله إذ تمكن في موسمه الأول معه من قيادته إلى ثنائي الدوري والكأس المحليين، وها هو على بعد 90 دقيقة من تكرار انجاز غوارديولا العام 2009 والفوز بالثلاثية.
ما هو مؤكد أن مشوار إنريكي نحو المجد في موسمه الأول لم يكن سهلا بل تخلله بعض المطبات بعد أن حاول تكرار تجربته في روما إذ أقصى القائد الأسطوري فرانشيسكو توتي من التشكيلة الأساسية، وذلك من خلال تلقين نجمي الفريق الأرجنتيني ليونيل ميسي والبرازيلي نيمار درسا لتأخرهما في عطلة الميلاد ورأس السنة من خلال إبعادهما عن التشكيلة في المباراة الأولى من العام الجديد أمام ريال سوسييداد. وتسبب هذا القرار، وخصوصا بعد خسارة تلك المباراة، إلى توتر العلاقة مع ميسي ما دفع بإنريكي إلى القول بأنه سيرحل من تلقاء نفسه بعد 7 أشهر فقط على رأس الإدارة الفنية للفريق الكاتالوني في حال لم يلق الدعم اللازم من لاعبيه، وذلك ردا على التقارير التي تحدثت عن إمكانية التخلي عن خدماته.
«ثمة الكثير من التقارير، بعضها يحمل نوايا سيئة»، هذا ما صرح به إنريكي حينها وعشية الفوز في المباراة التالية على أتلتيكو مدريد البطل (3/1)، مضيفا «لن أخوض في هذه اللعبة الخطرة. ما يمكن أن اضمنه هو أنني سأرحل بالتأكيد عندما اشعر بأن اللاعبين لا يدعمونني».
وتحدثت التقارير حينها عن إمكان رحيل ميسي عن «كامب نو» بسبب خلافه المزعوم مع إنريكي الذي واجه صافرات استهجان الجمهور على رغم الفوز على التشي 5/صفر في ذهاب الدور ثمن النهائي من مسابقة الكأس، إلا أن ذلك لم يزعزع ثقة لاعب الوسط الدولي السابق الذي أكد: «مازلت مركزا على عملي ومتحفزا. لا شيء قادرا على التأثير سلبا علي. ما يحكى خلف الأبواب الموصدة يمنحني جرعات معنوية إضافية. اللاعبون والجهاز الفني يبقون على هامش كل ذلك. نحن معتادون على الأمر». وبالفعل، حافظ إنريكي على تركيزه في عمله وتمكن بسلاسة من إدارة علاقته بميسي ونجوم الفريق الآخرين ما سمح له في أن يستخلص منهم أفضل ما لديهم والحصول على تركيبة هجومية قاتلة تمثلت بالثلاثي «الرهيب» المكون من ميسي والاوروغوياني لويس سواريز ونيمار، إضافة إلى صلابة دفاعية ملفتة غير مألوفة في النادي الكاتالوني (دخل شباكه 21 هدفا فقط في الدوري هذا الموسم فيما سجل 110 أهداف) وتميز في كافة نواحي اللعبة إن كان بالهجمات المرتدة أو الركلات الحرة والكرات الثابتة.
لقد صنع إنريكي فريقا استعراضيا متمكنا في كافة نواحي اللعبة وإذا استمر الوضع على هو عليه في ظل الاستقرار «الإجباري» نتيجة منع النادي من إجراء التعاقدات الصيف المقبل، فمن المرشح أن يسير ابن خيخون على خطى رفيق الدرب غوارديولا واحتكار جميع الألقاب الممكنة لسنوات عديدة قادمة.
العدد 4652 - الثلثاء 02 يونيو 2015م الموافق 15 شعبان 1436هـ