انتهى الجزء الأول من استعراض كتاب «البحرين في الصور الأصليَّة «1880-1961»، الصادر عن دار كيغان بول الدولية - لندن ونيويورك، للباحث والرحَّالة أندرو ويتكروفت، بإشارته إلى الزيادة الكبيرة في الشعور بالوطنية، مع نهاية الحرب العالمية الثانية؛ إذ قال: «جاءت نهاية الحرب أيضاً بزيادة كبيرة في الشعور بالهوية الوطنية في عديد البلدان. وكان استقلال الهند في العام 1947 العلامة الأكثر وضوحاً، ولكن كان هناك أيضاً شعور بالهوية العربية والإسلامية أقوى بكثير في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية. في إطار ذلك نبعت الأهمية الاقتصادية الجديدة في منطقة الخليج، مثل دول أخرى في المنطقة تطورت مواردها النفطية. البحرين كمركز تجاري رئيسي وكذلك الأمر بالنسبة إلى الاتصالات، توجهت على الفور في هذه العملية واتجاهاتها. تم إرسال مندوبين إلى التجمعات العربية الدولية والمؤتمر الإسلامي، في حين زار مسئولو دول أجنبية البحرين».
يتناول الجزء الثاني والأخير من الاستعراض، عدداً من التعليقات على الصور من بينها صورة تجمع الصائغ الفرنسي جاك كارتييه، الذي جاء إلى الخليج لشراء اللؤلؤ في العام 1912، مع عدد من كبار تجَّار اللؤلؤ، كما زار حاكم البحرين الشيخ عيسى بن علي في المحرق، وبحسب ويتكروفت «أعجب (كارتييه) به، على رغم أن الحديث كان صعباً» وأضاف في الكلام على الصورة أن الحديث «كان بطيئاً جداً. تحدثت باللغة الإنجليزية، وقام سيثنا بترجمة ما قلت إلى اللغة الهندية، ليترجم يوسف كانو إلى اللغة العربية فحوى الكلام إلى الشيخ عيسى، بحيث تحولت جملة من خمسين كلمة إلى حديث امتد إلى نصف ساعة».
الباحث التاريخي والطبيب عيسى أمين، أشار إلى تاريخ أبعد مما ذكره ويتكروفت في كتابه موضوع الاستعراض؛ إذ يذكر أن زيارة الصائغ الفرنسي جاك كارتييه إلى مملكة البحرين حدثت في العام 1911، وقد تكون الزيارة التي أشار إليها ويتكروفت في العام 1912، من الزيارات التي أعقبت الأولى؛ إذ «زار خلالها عدداً من البيوت بحضور التجَّار، مثل: بيت مجبل الذكير وبيت سلمان بن مطر، وغيرهما من بيوت المواطنين».
«خط هامبورغ أميركا»
الانفتاح على العالم من عدمه تُحدِّده طبيعة الجغرافية. سكَّان الجزر لا انقباض ينتابهم لوصول غريب. البحر صلتهم بالعالم. حفاوتهم به جزء مكمل لنفسياتهم وعقولهم المنفتحة. حين تكون جزيرة اشتهرت بحفاوة بشرها وكرمهم؛ علاوة على نعمة الماء وثمره وثرواته التي اشتهرت في الجهات الأربع (اللؤلؤ) تكون وفادة الطالبين له مشجِّعة ومجزية في الوقت نفسه.
أصبحت تجارة اللؤلؤ في المنطقة مرتبطة بالبحرين لذيوع صيته وقبل ذلك، ذيوع أمانة بشره. وقتها كانت الطائرات مخلوقات غريبة من معادن حطت رحالها هنا حاملة بشراً من أقصى المكان. السفن مألوفة، فهم شعب «بحري/ زراعي» أساساً. ويتكروفت يضيء جانباً من ذلك «جاء مشترون من مسافات بعيدة لشراء لؤلؤ البحرين الأسطوري. قبل الحرب العالمية الأولى، قام كل من (خط هامبورغ أميركا)، والسفينة البخارية الهندية البريطانية بزيارة منتظمة إلى البحرين. ترسو البواخر البحرية بعيداً ليتم نقل الركاب إلى الشاطئ. وعادة ما يتوجه الركاب مباشرة إلى تجار اللؤلؤ، كما يمكننا معاينة ذلك في الصورة التي التقطت في منتصف العام 1920».
من السفن إلى الطائرات
من السفن البخارية وصولاً إلى الطائرات التي ما كادت أن تقلع حتى غرقت محاورها في حفرة من مياه الصرف الصحي «هبطت أول طائرة في البحرين في أكتوبر/ تشرين الأول 1932 قرب المنامة بسلام، ولكن، كما بدأت في الإقلاع مرة أخرى، غرقت حتى محاورها في حفرة للصرف الصحي قديمة ومنسية منذ فترة طويلة. في نهاية المطاف، سيطر عليها الطيار وطار بها عبر الأراضي المسطحة وراء المدينة. وأصبح المكان نفسه فيما بعد مطاراً للبحرين».
الصُّوَر الرسمية
من بين أقدم الصور التي حواها الكتاب، صورة الاحتفال (كُلَّ عام) بتسنُّم الشيخ عيسى بن علي مقاليد الحكم في نوفمبر/ تشرين الثاني 1869. إضافة إلى صورة العشاء الرسمي الذي أقامه اللورد زيتلاند على شرف الشيخ حمد بن عيسى في العام 1936 حيث سافر «الشيخ حمد إلى بريطانيا بناء على دعوة من الحكومة البريطانية. وكانت الزيارة ناجحة جداً. وكانت زيارته إلى اسكتلندا هي الجزء الأكثر نجاحاً. عاد الشيخ إلى الوطن عن طريق باريس وأسطنبول».
صورة أخرى للشيخ حمد وهو يتفقَّد الشرطة في قلعة الديوان بالمنامة في العام 1939.
وفي تناوله لحقبة الخمسينات، فترة حكم الشيخ سلمان بن حمد بن عيسى بن علي، يشير ويتكروفت إلى أنه «بحلول منتصف خمسينات القرن الماضي، كان سمو الشيخ سلمان بن حمد واحداً من الحكَّام العرب الأكثر خبرة. وقد تمَّت استشارته بشكل متزايد من قبل القادة الآخرين في العالم العربي. كانت مهارات البحرين التقليدية في التعامل مع الغرب بمثابة رصيد قيِّم، وبدأ الشيخ سلمان لعب دور مستقل على نحو متزايد. وفي الكتاب صورة تجمع الشيخ سلمان مع حاكم عُمان السلطان سعيد بن تيمور، وفي صورة أخرى مع ملك العراق فيصل الثاني بن غازي بن فيصل بن حسين بن علي الهاشمي».
على أن ما يلفت الانتباه، هو التعليق على إحدى الصور التي يظهر فيها الشيخ عبدالله بن عيسى والشيخ محمد بن عبدالله أثناء زيارة إلى انجلترا في العام 1919؛ إذ كتب ويتكروفت أدنى الصورة، بأنهما «في هذه الزيارة أصبحا أول بحرينييْن يسافران بالطائرة».
سوق الخارو 1880
من بين الأسواق التي تناولها كتاب ويتكروفت سوق الأربعاء وسوق الخارو في المحرق؛ والتي التقطت لها صورة في العام 1880، وربما تكون أقدم صورة في الكتاب «سوق الخارو في المحرق، نحو العام 1880، وكانت السوق القديمة للمحرق تُرْتَادُ كثيراً من قبل سكان البلاد. يأتون إلى المدينة على ظهور الجمال والحمير. وتشاهد في الصورة أكياس الحبوب، سلال التمر، وتربية المواشي».
وللوقوف على شيء من التفصيل عن السوق وملامحها، يمكن الرجوع إلى ما كتبه الباحث في تاريخ البحرين، خليل المريخي، تحت عنوان « شيء ولو قليل عن أسواق البحرين الشعبية القديمة»، تناول فيه سوق الخارو - سوق الأربعاء - سوق الخميس وسوق الحطب، وفيه يشير إلى تفاصيل من بينها «يقال إنه كان يقع في مدينة المحرق وبالتحديد شمالي مسجد الشيخ عيسى بن علي؛ أو بيت المرحوم بإذن الله تعالى راشد فليفل؛ كما كان يقول أو يردِّد بعض الناس، وذلك في منطقة تسمى (استيشن) وقد سميت بهذا الاسم من قبل الأهالي وهي تعني محطة سيارات التاكسي (بوشتري) التي كانت متمركزة في هذه المنطقة، ويقال إن عددها محدود جداً لا يزيد على أربع إلى خمس سيارات، وقد عملت لها مظلات من جريد النخيل. كانت المنطقة التي خصصت (لسوق الخارو) شبه براحة واسعة، ربما حُوِّطَتْ من جميع الجهات بسعف النخيل أو من الطين والجص، وقد سمعت من بعض الأصدقاء الذين علموا بدورهم من آبائهم أو أقربائهم أنه كان لهذا السوق باب كبير (دروازة) وكان يغلق ليلاً، وهو ما يذكرني بسوق القيصرية الذي كانت له خمسة أبواب تغلق ليلاً أيضاً.
كانت بضاعة هذا السوق التي تُعرض على الناس خليطاً من كل المواد والأجناس من غنم وحمير وجمال، إلى جانب التمر والدهن والدبس والحبال، وكذلك بعض من مواد البناء البسيطة مع أنواع مختلفة من حاجيات الناس الغذائية، كذلك كان في هذا السوق الدنجل ومناكير وكراكير السمك والحصر والسمسم وقدور وأواني الطبخ البسيطة وغيرها من المعروضات الأخرى».
«البَرَسْتَيْ»
في فصل الصيف فقط تتشابه بيوت الفقراء مع الأغنياء. ليس عن طيب خاطر تتشابه تلك البيوت. يتخذ الأغنياء ذلك النوع من البيوت المصنوعة من سعف النخيل درءاً لجحيم الصيف. الفقراء اعتادوا تلك البيوت صيفاً وشتاء. يظل الصيف أرحم بهم من وابل الشتاء. كأنهم في العراء.
ويتكروفت يكتفي في تناوله لبعض الصور بالسطح من دلالاتها وقيمتها والمعنى الذي يكمن من ورائها. يكتب عن «البَرَسْتَيْ» بشكل وصفي ظاهر وعابر أيضاً «هذا هو بيت بحريني مميز مصنوع من سعف النخيل - برَسْتَيْ. استخدمت منازل البرَسْتَيْ من قبل الأغنياء؛ فضلاً عن الفقراء خلال حرارة الصيف. هنا، في الطابق العلوي ما يسمى بـ (الطيَّارة) تضمن مأوى للنوم، في حين يستخدم الفناء الخارجي للماشية. ويتم الطبخ في زاوية من الفناء، بعيداً عن أماكن المعيشة، ولكن على رغم هذه الاحتياطات، إلا أن الحرائق التي تحدث في «البَرَسْتَيْ» تطلَّبت الكثير من خدمة إطفاء الحريق (المطافئ) الوليدة في العام 1940».
المنامة... قبل/ بعد
مشاهداته عبر الصور ربما. ربما بالمعاينة. لا شيء من ذلك يرد. ما يرد في سيرة ويتكروفت أن اشتغاله على الصورة. يتناول المنامة كلاماً في توظيف للصورة. كتب أهل هذه الأرض كلاماً أهم وأكبر وأدق. كلام الغريب يسطو على الحضور. القدرة على الوصول إلى أرشيف الناس الذي قُدِّم إلى دائرة التراث والمتاحف يعزز من السطو إياه. في تناوله لتطوير المنامة يُعطي ويتكروفت انطباعه في التعليق على سلسلة الصور التي تضمَّنها الكتاب في وقت مبكِّر من العام 1920 «كان أول مشهد للمنامة من البحر خط المنازل الجاثمة بلون الطين على طول الشاطئ، مع عدم وجود أي ارتفاع للمباني، لا وجود للمآذن، ولا شيء أخضر. في أجزاء أخرى من المدينة كان هناك عدد من المباني أكبر حجماً، ولكن الواجهة البحرية كانت متواضعة، وكان ثمة ما يوحي بأن إعادة بناء المنامة قد بدأ. وبحلول وقت من مبكِّر من العام 1930، بدأ ظهور مزيد من بعض المباني. تم إنشاء مركز جمرك جديد، وبنيت الأرصفة البحرية الجديدة. نُصِّبت نافورة؛ فيما تم تشييد مبنى المحكمة؛ والذي أصبح الآن (في الثمانينات) يضم الأقسام التابعة إلى دائرة التراث. يظهر عرض جوي انتشار المباني البيضاء الجديدة، لاستخدامها من قبل التجَّار والمسئولين. في العام 1945، تم الانتهاء من الميدان مع بناء بوابة احتفالية، المدخل الرسمي للدولة (باب البحرين). وتم استخدام المباني كمكاتب للحكومة، وكان مكتب الشيخ سلمان بن حمد في المنطقة نفسها».
الحَجْر الصحي
في نهايات القرن التاسع عشر، ومطلع القرن العشرين؛ ربما حتى العقد الثاني منه، كانت الأوبئة والأمراض السارية تفتك بمئات وآلاف المواطنين والمُقيمين، بسبب بدائية الوقاية من جهة، وتواضع الإمكانات الطبية وقتها، من جهة أخرى. الإجراء المُبكِّر ربما في المنطقة الذي اتخذته حكومة البحرين هو تخصيصها لحجْر صحي يقيم فيه المصابون بالأمراض المعدية والخطيرة. يتناول ويتكروفت ذلك الإجراء في لمحة سريعة «عانت البحرين بشدة من الأمراض الوبائية، وفي العام 1909 تم افتتاح مركز الحَجْر الصحي في جزيرة أبوماهر بالمحرق. سياسة العزل أثبتت نجاحاً كبيراً، ومع تحسن الرعاية الطبية، تضاءلت مخاطر الطاعون وغيره من الأمراض».
بعثات التعليم
وعن بعثات التعليم المصرية العراقية، يحوي كتاب ويكروفت صورة جماعية لعدد منهم، وقد ذيَّلها بالتعليق الآتي «معلمون في البحرين في الأيام الأولى من التعليم جاءوا أساساً من العراق ومصر. بعد سنوات، ذهب الطلبة البحرينيون لتلقي تعليمهم العالي في جامعات القاهرة وبيروت. والصورة هنا لمعلمين عراقيين في صورة جماعية».
صناعة النورة
عالي التي اشتهرت بالدوغات (الأفران) القريبة من تلالها التاريخية الشهيرة، حيث يتم إحراق الطين لتحويله إلى نورة أو «جص»، كانت لها مساحة في كتاب ويتكروفت «صناعة (النُّورَةْ) (الجَصّ) الاستخدام التقليدي البحريني لتبييض المباني، وتتم صناعته في أفران مجوَّفة في تلال الدفن القديمة. ربما تكون تلك التلال الدليل الأكثر إلفاتاً لتاريخ البحرين الطويل. هناك أكثر من 170 تلَّة، يعود تاريخها إلى ما بين 2500 و 1800 سنة قبل الميلاد».
ضوء
يُذكر أن أندرو ويتكروفت تلقى تعليمه في جامعة مدريد وكلية كرايست بجامعة كامبريدج. وقد نشر عدداً من الإصدارات تناولت تاريخ القرنين التاسع عشر والعشرين.
كان مسئولاً إلى حد كبير عن تطوير الاستخدامات التاريخية المتسلسلة من الصورة البصرية في عدد من الكتب التي تتناول إمبراطورية هابسبورغ وروسيا والإمبراطورية الألمانية، وقد أنتج مجموعات من الصور التاريخية الخاصة بالشرق الأوسط.
العدد 4651 - الإثنين 01 يونيو 2015م الموافق 14 شعبان 1436هـ
أيام حلوه
نشكر الوسط علي هل مواضيع الشيقه