ما هو الرابط ما بين التفجيرات الإرهابية التي تحمل طابعاً طائفياً وبين مسألة الصدى؟ بمعنى أكثر دقة: أيهما ينال اهتماماً أكثر: الذين يتابعون أحداث التفجيرات الطائفية أم الذين يتابعون صداها السياسي والاجتماعي والإعلامي؟ ربما يكون الأكثر هو متابعة الحدث نفسه، لكن آخرين (ومنهم كاتب هذه الأسطر) يولون اهتماماً أكبر بصدى الحادث الإرهابي الطائفي وليس الحادث ذاته. لماذا؟
لديّ اعتقادٌ راسخ، بأن صدى الأحداث هي أكثر أهمية من الأحداث نفسها لتفسير الأشياء والظواهر السياسية والاجتماعية؛ لأن الصدى عادةً ما يستهلك زمناً أطول، ويتمدَّد على مساحة أكبر، ويشترك فيه أناس أكثر. وإذا ما اجتمع الزمن والمكان والناس بأوزان مختلفة يكون فهم الحدث مُركزاً. وكما قال الفيلسوف الألماني آرثر شوبنهاور بأن السيميائيين اكتشفوا «أثناء بحثهم عن الذهب كثيراً من الأشياء الأكثر نفعاً» من الذهب ذاته مثلما أشرنا من قبل.
خلال أية عملية إرهابية طائفية يكتبُ مَنْ يكتب ويتحدث مَنْ يتحدث في معظم أرجاء المعمورة. كثيرون من سياسيين وإعلاميين يكونون واقعيين مع تلك الأحداث، سواءً في الوصف والموصوف أو حتى في المسمَّيات. بينما يأخذ آخرون (وهم قلة) شكلاً آخر من المواقف، فهم لا يستطيعون أن يكونوا مصداقاً لـ «عند الشَّدائد تذهب الأحقاد»، بل تأخذهم الأهواء لأن يستحلبوا ما يريدون من الحوادث الإرهابية الطائفية لأنفسهم في لحظة عاطفية شديدة الحساسية، زجاجية المشاعر، كان يمكن أن تكون فرصةً للتقارب أكثر، وقطعاً لطريق النوايا السيئة.
لم يكن أهل ضحايا التفجيرات الإرهابية الطائفية يطمحون يوماً في نصف سطر تعزية من أحد، يتم وضعه في بداية المتن، وكلمتين في نهايته، بينما بقية المكتوب هو توظيفٌ لأحداث سياسية أخرى لا صلة لها بمصابهم، وكأنها تصفية للحسابات مع أشباح. وإن افترضنا جدلاً أن لتلك الأحداث صلة بمنظور كاتبيها فلا يكون أوان كتابتها بتحيينها لحظة بكاء الأيتام وساعة انكسار الأرامل وفي زمن أنين الجرحى، بل وفي ساعة تكون فيها النفوس مشدودةً تحتاج لمن يُرخيها، وأكتاف تتوسَّل مَنْ يربت عليها وهي مكلومة.
ليس ذلك المؤسف فحسب، بل يُقَتِّر البعض حتى في كلمات الإحسان، رغم أنه لا تبذير في الإحسان كما قيل. فيصبح لديهم مثاقيل للكلمات، وحِرصٌ على قول هذه ولَجْمِ تلك، ليس مراعاة منهم للمشاعر بل رغبة منهم أن لا يقدموا أكثر مما يجب باعتقادهم. فكلمة «وفاة» أنعم من كلمة «مقتل»، وأكثر عادية منها، والأخيرة أنعم من كلمة «استشهاد» وأكثر رمادية منها، وكلها أصبحت نعوتاً يتم استخدامها وفقاً لمنسوب النَّفَس الطائفي والموقف السياسي لديهم، وهو ما لا ينبغي أن يتورط فيه أحد، لأنه يزيد من حالة الشقاق ويُعمي القلوب أكثر.
ولو قيل «وفاة» أو «مقتل» أو «استشهاد» دون أن يعقبها شيء من تبرير الاستخدام الذي يكون خاضعاً لأهداف الطائفة والسياسة لكان أهوَنْ من باب وجود محامل الخير، أما أن يتم تبرير الاستخدام المُبيَّت وتجنّب «عدم الإحسان» المطلوب حتى في اللفظ فهذا أمر مدعاة للأسف، خصوصاً أن أهل ضحايا الإرهاب الطائفي في كرب شديد، وليسوا في سوق السياسة وفروضها، ولا هم من فريقٍ سياسي خصم، بل هم مدنيون، بعضهم يتعبّد في مسجد، وآخر يتبضع في سوق وهكذا.
إن «مُواساةَ الرِّفاقِ مِن كَرَمِ الأَعراق» فهي «أفضل الأعمال» و»أحسن الإحسان مواساة الإخوان»، و»ما حفظت الأخوّة بمثل المواساة». ولأهمية هذا الموضوع فقد تشعّبت عناوين المواساة حتى مسائل الحكومة وغيرها (حيث وردت هكذا: مؤاساة) فضلاً عن الأفراد فيما بينهم.
وربما لا يعلم أهمية وتأثير المواساة إلاَّ مَنْ تلقاها وهو في كَمَدٍ وحزن عظيم، عندما يزوره الناس أو يبعثوا له من الكلام المطمئن والدافئ، الذي يعينه على الجَلَد ومواجهة الصدمة. وتالياً حين يردها هو لصاحبها فيكون لها التأثير ذاته عند صاحب العزاء.
لقد اقترنت المواساة بالمساواة في العديد من المناطق التي شهدت صراعات قومية وطائفية غائرة، ومنها أيرلندا، والأهم منها البوسنة والهرسك التي شهدت صراعاً قومياً طائفياً مريراً في حقبة التسعينيات، وبالتحديد ما بين العام 1992 و1995. وعندما نقول حرب البوسنة فإننا نعني 97 ألفاً و207 من القتلى، ومليوناً و800 ألف من المهجرين من مناطقهم، فضلاً عن صور ذلك الدمار، سواء أكان في البنية التحتية أو مشاهد المقابر الجماعية.
ولنا أن نتخيّل هنا أن بلداً أُرِيقَ فيه كل ذلك الدم يُداوي جراحه بالمواساة كعنصر أساسي من عناصر المعالجة الاجتماعية والحقوقية الدائمة، التي عادةً ما ترافق المؤتمرات المفتوحة والحراك الاجتماعي الذي يقوم على عدم نكء الجراح وتقديم أفضل خطابات التواصل الاجتماعي والديني والطائفي، وهو ما تشهد البوسنة إلى غاية هذه اللحظة رغم مرور أزيد من عشرين سنة على انتهاء الحرب هناك. وربما هي تجربةٌ تعيننا على التخلص من أمراضنا النفسية الطائفية الكريهة.
مأساتنا مُركَّبة، ليس بسبب عمليات القتل الطائفي فقط، بل بسبب هذا البخل في المواساة على الضحايا، وعدم الرغبة في إبداء ما يجب تقديمه لهم، وكأنهم خصومٌ لنا. كلمة الختام هي تذكير للجميع: الخاذل أخو القاتل.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 4650 - الأحد 31 مايو 2015م الموافق 13 شعبان 1436هـ
اكبر
اكبر شلخة قريتهه لبعض الصحفيات تقول انه الدواعش من صناعة ايران وهى تعرف انهم من صناعة دولة .... بتمويل اموال .....بمساعدة الشيطان الاكبر امريكا عسبالهه الناس مايعرفوون الاعيبهه من اجل اموال الحرام وهى ماتعرف من كوعه الى بوعها الله يهلك كل مصلحشتى يترزق على حساب الناس الابرياء
الله يرحمهم برحمته الواسعة وشهداء في جنته ويصبر اهلهم
الله يبعد الجميع عن الفتنة والطائفية لماذا لا نرى مبادرات من شيوخ الدين الكبار في المذاهب هذ وقتهم للالتقاء مع بعض وإزالة كل الشوائب التي تعترض التقريب الحقيقي والوحدة الإسلامية فهم مسئولون ولا سواهم
الله يرحمهم
المصيبة كبيرة والواقع مر
ولكن رحمة الله واسعة
نسأل الله لهم ولنا المغفرة و حسن الخاتمه يارب العالمين
من يبخل بالمواساة
منافق ..شامت ..خائف وجبان..يسترزق على جروح الآخرين.......
رحم الله والديك
الدنيا يومان يوم لك ويوم عليك.. والخاذل اخو القاتل