لم يذهب مقال الخميس الماضي «ليست القُدَيح وحدها...»، بعيداً عمَّا جاء فيه. أبناء الموت يُدمِّرون الحياة. تلك هي المسألة ببساطة شديدة. لم يكن صوت العاطفة هو الذي صاغه، بقدر ما كان صوت العقل الذي يكاد يغيب، وصوت الحرص على أن تظل وتنعم هذه الأوطان بأمان واستقرار؛ كما هو الحال مع خلق الله في أوطان الجهات الأربع.
هل العمليات الانتحارية في المساجد هي أقرب الطرق إلى الحور العين؟ باعتبار أن لذلك صِلَة بالله؟ نعلم ألاَّ انتخاب محدَّداً للأمكنة بطبيعة تلك المخلوقات التي تُلغِّم جِيَفَها في البشر؛ بقدر حرصها على انتخاب الذين يرون أنهم على الحياة طارئون، وأن أكبر إنجازٍ يُسجَّل في كتاب سيرة جيفة من تلك الجيف أن يأخذ معه في الطريق إلى الحتف المجنون والمريض، خلقاً من الأبرياء الذين لم يزاحموه في هواء يتنفسه؛ أو شمس له حصة فيها؛ أو أرض هو عليها؛ أو سماء تَظِلُّ الخلق كل الخلق.
الغفلة تمنح الانتحاريين ما يظنونه ذكاء لديهم. ليست غفلة الأبرياء وهم في طريقهم الاعتيادي إلى العمل أو صلة الرحم أو إلى عبادة الله وذكره في مسجد، أو في الطريق إلى درس الحياة، أو الجامعة. إنها غفلة الموكولين بتأمين طمأنينة البشر، والسهر والحرص على استمرار إيقاع حياتهم الهادئ والطبيعي؛ أخذاً بالاعتبار تحولات وتغيُّرات تنشأ هنا وهناك بطبيعة الحياة.
لا ذكاء لدى الانتحاري وإن خرج بحصيلةٍ من الضحايا مُفجعة. ليس الذكاء بذلك القتل الجبان، هروباً من الواقع الذي لم يتصالح مع فشله وأمراضه وحقده، والعقاقير العقائدية المنحرفة التي يتعاطاها قبل ارتكاب المجزرة.
الذكاء في الإعمار لا التخريب. في منح الفرص لا مصادرتها. في المواجهة لا الهروب. في الإسهام في الحياة لا وضع حدٍّ لها. في القدرة على الفهم إنصاتاً أولاً، لا احتكار الفهم واللغو واستحضار معاجم لتحضير قائمة من السباب والشتائم، وفي المُحصِّلة: العقل الذي هو مُعطَّلٌ ولا يُراد إعماله.
لا ذكاء في الغدر أيضاً، والأهم من ذلك لا دِينَ مع غدر. عقيدة ومنهج يقوم على الغدر لا علاقة له سوى بعالم الغاب ومنهجه؛ إن كان لذلك العالم من منهج! وحتى في عالم الغاب لا يحدث مثل ذلك الغدر وإعداد الكمائن إلا لسد حاجة من جوع. لا يفتِك الحيوان بحيوان آخر في ذلك العالم لأنه يعاني من فراغ، أو فشل أو غير متصالح بالمطلق مع عالمه. المشكلة أن بعض المخلوقات ممن نظن أنهم من البشر، هم في حالة غدر وكمائن على مدار الساعة. كأن الحياة والأرض لا تستوعب إلا الأشباه والمطابقين.
ولا شجاعة في الغدر؛ وحتى العرب في المُعْتم من جاهليتهم، كانوا يرون في الغدر خسَّة وانحطاطاً وانعدام شرف، وكان من الشائع في أدبيات وأخلاق حسم النزاعات بين شخص وآخر، وقبيل المواجهة، مما تحفظه لنا كتب التاريخ: «خُذْ حذرك فإني قاتلك»!
بات اليوم من «الرجولة» و»الشرف» و»الشجاعة» أن يتنكَّر قاتل وفاشل في الحياة وفي الموت أيضاً، في زيّ امرأة؛ استهدافاً للنساء في نيته الأولى؛ عدا استهداف من يُعَرُّون «رجولته» وانعدام قيمته.
وعلى الذين يتوهَّمون بأنهم سيُحرزون نصراً في هذا الجحيم الطائفي أن يراجعوا حساباتهم إذا كان لديهم عقل هو الأداة في تلك المراجعة. لا بشر هذا الزمن، ولا البشر الذين سيجيئون بعدنا؛ كما هو الحال مع البشر الذين صاروا في ذمة الله والتاريخ، حققوا على امتداد محاولاتهم وأساليبهم والأموال التي تُصبُّ صبّاً في هذا التوجُّه، نصراً بتلك الطائفية، بانعدام الانتصار للحياة والقيم والمُثُل. كل نصر بعيداً عن ذلك هو هزيمة في واقع الأمر للذين يقفون وراءه؛ وأسْرى وهمه، والمنافع المؤقتة التي يجلبها! مع فقر مكشوف، وانهيار أكثر انكشافاً.
يوم أن كتبتُ «ليست القُدَيح وحدها...»، لم أمارس أنا وغيري من الكُتَّاب قراءة الطالع، أو اللعب بالبيضة والحجر. تَرْكُ تلك المخلوقات تسرح وتمرح، والأهم من كل ذلك؛ تَرْكُ الحاضنات لهم تتمدَّد وتتوغَّل وتتغوّل؛ والأهم مما ذكر؛ استمرار الغطاء العقيدي لتلك الممارسة في الاطلاع باستمرار الاستهداف والعبث بالحياة؛ هو الذي كشف ويكشف عن ذلك، ويقوله، ويشير إلى مناخاته وممارساته، في ظل مواقف تبعث على الغرابة اتجاه وضع حد لها، إذا ما أريد للأوطان سلامتها، وللبشر اطمئنانهم واستقرارهم، كي يلتفتوا إلى تفجير طاقاتهم وإمكاناتهم بدل تفجير أمكنة تعجُّ ببشر مشكلتهم الوحيدة أنهم ليسوا أليفين مع أذى الناس وحتى الأشياء؛ وليسوا في حال صِدَام مع الحياة؛ لمجرد أنهم فشلوا؛ أو لمجرد ارتهانهم لمن يُسيِّرهم، ويتلاعب بخياراتهم في غياب العقل والضمير.
لم يمْضِ أسبوع بعد مجزرة القُدَيح حتى تَبِعَها استهداف مسجد العنود؛ والأيام المقبلة لا تأخذ بيد الناس إلى وضع حد لهذا العبث والجنون الذي سيقود إلى تشطير الأوطان بعد أن تم تشطير البشر؛ استناداً إلى عقائدهم وأسمائهم وميولهم وأمزجتهم وخياراتهم وطريقتهم في الحياة والفهم والإدراك.
الصراع في العالم اليوم، يتحدَّد في جانبين لا ثالث لهما: جانب الذين ينحازون إلى الحياة وهم أنصارها. الحياة باعتبارها فضاءً للإبداع والفضيلة والحرية والخيار، وجانب الموت بمعناه الذي يصادر الإبداع والفضيلة والحرية والخيار. نحن إزاء أبناء الحياة الذين يعمّرونها، وأبناء الموت الذين يعملون على نسفها وتدميرها. وعلى جهات أن تعي أن أبناء الموت لا يحكِّمون أياً من أدوات الحسّ كي يضمنوا استثناءات حتى للذين اتفقوا معهم وآزروهم ووفّروا الحاضنات لهم!
وإذا كانت «قيمة كل امرئ ما يُحسنه»، فقيمة الذين يمنحون الحياة ويسهّلون بلوغها، في ذلك الفعل الذي يحافظ على البشر وما يمكن أن يقدموه ويُحسنوا في إبداعه، وقيمة الذين يهدِّدون الحياة بالتفخيخ والتلغيم والقتل والإلغاء هو كل ذلك. وكفى بالمرء شاهداً على قيمته في ما يُحسن!
إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"العدد 4650 - الأحد 31 مايو 2015م الموافق 13 شعبان 1436هـ
زائر 5
حرق انسان بمنتوف عندك قضيه لاكن قتل البحارنه فى الدوار ما هزك وقتل الشهيد احمد فرحان ماهزك ولاتقول ماشفته وراسه مفضوخ وقتل الشهداء الاربعة فى السجوون ماهزك وتعذيب المعتقلين ماهزك هزك فقط ضرب المنتوف اذا انت تقول مسلم واتخاف على البلد من الاذيه خل الحكومة اتخف اذيتهه على الشعب والقمع اليومى والمداهمات وترويع الاطفال والنساء ليس متسترين ليش ما يطرقون الباب ليش هجمون على الناس جاوبنى والله يصلحك وياخد الحق المسووووووب
ندا الى
ندا الى الانتحاريين الله اعطاكم عقل تفكرون به وتميزون الحق من الباطل هل هاده الشيخ التكفيرى افهم من رسوول الله لكى يامركم بقتل الناس الابرياء هل رسول الله كان يقتل الناس ليغصبهم دخوول الاسلام
قل خير أو اصمت
انت مالك والدخل بالحشد الشعبي هم اناس يجاهدون من اجل تحرير بلدهم المحتل من قبل اصحابك الدواعش وليس يهاجمون الامنين على اساس تحتج وتستنكر على الحشد الشعبي
انت خلك بعيد عن القضية واسكت ولا تنعق فيضحكوا عليك
يعني
يعني انت يا عزيزي لا تستنكر حرق إنسان على قيد الحياة الا يوجد في قلبك ذرة رحمه نحن نستنكر قتل اي إنسان مهما كان دينه او اصله و انت تبارك احراق البشر احياء فقط لأنهم يختلفون معك في الدين
المختار الثقفي
قال الإمام عليه السلام واصفا خصمه: ما ...بأدهى مني ولكنه يغدر ويفجر...
فالذي فجر مسجد القديح ومسجد العنود فعله فعلته اقتداء بسلفه الذي وصفه الامام بالغادر والفاجر ظناً منه لا يقينا بأنه سيتغذى او يتعشى مع النبي صلى الله عليه وآله، فرحا بلقاء الحور العين لا بلقاء الله سبحانه وتعالى، ولسخافة التفكير والفجر والظن لا اليقين بأن النبي بانتظاره على سفرة أو طاولة الأكل، مؤكدا قول المعصومظ¬ من كان همه بطنه كانت قيمته ما يخرج منها...
السلام للجميع
لو يعقلون
كما ذكر المولي سبحانه وتعالي كالانعام بل هم اظل نشكر الكاتب علي هذه المقاله الرائعه
القتل مستنكر
قتل اي إنسان هو عمل قبيح مذموم مهما كان دين هذا الانسان او اصله و لكن هل تستطيع يا سيدي ان تنتقد احراق الحشد الشعبي الطائفي لإنسان على قيد الحياة