المَقْت (أو الماقِت) صفة سيئة من صفات الإنسان، وهو في اللغة يعني «البُغض الشديد»، إلا أن المقت في حقيقته يجمع فوق هذا المعنى بعض الخصال السيئة للإنسان المتصلة بالحياة الاجتماعية، ومنها العداوة والغلّ والمكر والغدر بالمواثيق وخيانة العهد. وهو كاشفٌ للرذيلة ولسوء الخلق وللظلم وللؤم (بخلاف النُبل)، ولهذا قِيل «ابحثوا عن أية خصلة خبيثة من خصال الإنسان ستجدونها تجتمع في المقت».
ومن علامات المقت الكذب والنفاق، وأكبر الكذابين والمنافقين هو من يقول ما لا يفعل، وكذلك الناكث بوعده عن بغض، ولهذا يقول سبحانه وتعالى: «كبُر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون» (سورة الصف، الآية 3)، أي أن أعظم المقت عند الله أن يقول الإنسان ما لا يفعله، وأن يعِد ولا يفي بوعده.
والمقت هو أكبر آفةٍ ابتليت بها الشعوب في هذا العصر، سواءً من قبل العوام من الناس أم من الساسة وأعوانِهم وأدواتِهم الإعلامية وغيرها. فنسمع أحياناً بعض الساسة من ينادي بالوحدة ونبذ التفرقة وجمع الشمل، وآخر ينظر إلى الشعب والمجتمع على أنه أسرة واحدة متحابة ويريده أن يكون كذلك، وثالث يرفض التكتلات المذهبية والطائفية، وهذا القول وذاك هو القول الحكيم، وهو القول الحق، ما دام خارجاً عن عقيدة ويقين، وعن إيمانٍ صادق، أما إذا لم يكن هو كذلك فهو لا يعدو وجهاً من وجوه المقت بلباس الكذب والنفاق.
إننا اليوم وغداً لسنا بحاجةٍ إلى أقوال إنما بحاجة إلى أفعال؛ إذ أنه متى توقّف الأمر على الأقوال فقط دون الأفعال، فهذا هو عين المقت.
ولكي يكون القول عن عقيدة وإيمان وصدق (وليس مقتاً) فأبسط برهانٍ على ذلك هو بإصدار قانون يمنع الطائفية ويعاقب كل من ينادي بها أو يستعملها.
وليس هذا كافياً وحسب، وإنّما يلزم فوق ذلك أن تُفتح أبواب الوظائف في كافة المرافق العامة والخاصة دون تمييز، وبشكل واقعي وظاهري وملموس وليس شكلياً، وأن لا تُحرم طائفةٌ كاملة في هذا الوطن من حقّ لحساب طائفة أخرى، وأن يُعطى لكل طائفة منبر حر.
فإذا لم يتحقق هذا وذاك فإن المناداة بالوحدة وبجعل المجتمع أسرةً واحدةً متحابةً، ليس إلا قولاً ينطوي على الكذب والنفاق، وستظل في النهاية الفئة المحرومة والمظلومة هي محل المقت.
إقرأ أيضا لـ "علي محسن الورقاء"العدد 4649 - السبت 30 مايو 2015م الموافق 12 شعبان 1436هـ
كلام اجميل
كلامك ممتاز لان فيه تاصيل وحقائق اتمنى ان يقرئه اصحاب الشان ليعوا الدور الذي يجب ان يقومو به
لقد أصبت عين الحقيقة يا أستاذ
كل إنسان منصف متجرد عن كل المؤثرات النفسية الطائفية لا يختلف معك في توصيفك الدقيق للوضع المعاش ، فالوطن لا يمنكه أن يرتقي ويتطور في كل المجالات إذا لم يتعامل مع كل مكوناته العرقية والطائفية والمذهبية بمبدأي المواطنة المتساوية وتكافؤ الفرص في القول والفعل ،وأما إذا ما تناقض القول مع الفعل فإن الأزمات في البلاد ستزيد وتتفاقم