لقد تم تقسيم شعب البحرين، بفعل فاعل، إلى فريقين لا تقوم قائمة أحدهما دون الآخر، ليضمن الفرقة بينهما فيسود ويتحكم في كليهما، «فرِّق تسُد»، فعندما طالب طرفٌ بالعدالة والمساواة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والحقوقية، من خلال التطبيق الفعلي للمواطنة المتساوية، في المملكة الدستورية الموعودة، تم توجيه الطرف الآخر للتصدّي لتلك المطالب بالرفض، وتحريض ضد أهل الدوار بالحزم، وزاد أهل الفاتح بالصمت عن توجيه الطلق الناري فوق الحزام، وذلك خشية أن يتقاسم معهم أهل الدوار خيرات الوطن «البحرين».

واستجيب لذلك بالتصدي الدامي، وبعده بالبدء في تنفيذ فصل العاملين من مواطني فريق الدوار من وزارات الدولة ومؤسساتها، بل وأوحي للمجالس المنتخبة، البلديات والنيابي، وللشركات العامة والخاصة والصحف، ومؤسسات المجتمع المدني، والأندية الرياضية، تحت الضغوطات النفسية بمؤدى احتمالية أن تُخرِجهم السلطات من معادلة المواطنة، أن يفصلوا كل من أحاطت صورة وجهه الدائرة الحمراء، التي بثها التلفزيون الرسمي، «تلفزيون العائلة البحرينية»، كعلامة للإخراج من المواطنة، وأشاع الإعلام والصحف الرسمية، بالإشارة التي تكفي، وخصوصاً في أوقات الأزمات والبطش بالمطالبين بالحقوق، «أن من أراد من المواطنين والمقيمين رضا وعطاء السلطات، فهاهو الفاتح أمامه، لتبيان رفضه لأهل الدوار ومؤامراتهم الخائنة للوطن، لأنها موسومة بالمطالبة بالحرية والعدالة والمساواة».

لقد جاءت سياسات التمييز بالفرقة الطائفية والمناطقية، على هوى المرضى من الدينيين في الفريق الآخر، فتشجعوا بالإعلان عن ولادة تيار الفاتح بالصفة المذهبية، المناكف والمُقصي لأهل المذهب الآخر، واستمرت الحال إلى نهاية العام 2014، بما جعل الدينيين من أهل الفاتح يتراكضون إلى الترشح لمجلس النواب والمجلس البلدي، واعدين ناخبيهم بجلب «الذيب من ذيله»، بالمكرمات تارة وبإجبار السلطات تارةً أخرى، وأنهم سيضربون المثل للأداء النيابي على خلاف ما فعلت المعارضة في الفصول التشريعية السابقة، مستغلين فرصة مقاطعة المعارضة للإنتخابات، لتعبيرها عن الرفض الشعبي لما جرى من إجراءات وقرارات، بالتعامل مع الأزمة بالقوة المفرطة في أجواء حالة السلامة الوطنية، وما نتج من مصائب، ما زال يعيشها المجتمع إلى اليوم.

وهكذا لم تأبه السلطة للمجلس الحالي، في قراراتها إعادة تقنين المعونات برفع الدعم الحكومي المباشر، الذي رصدته في ميزانية العامين 2015 – 2016، والذي سيتأثر به المواطن في الجوانب التالية:

-هيئة الكهرباء والماء، إنقاص دعمها بمبلغ 25 مليون دينار لسنة 2015، ومبلغ 35 مليون دينار لسنة 2016.

- إعانة المواد الغذائية، إنقاصها بمبلغ 10 ملايين دينار لسنة 2015، ومبلغ 24 مليون دينار لسنة 2016.

- دعم الأسر محدودة الدخل، زيادتها بمبلغ عشرة ملايين لسنة 2015، ثم إنقاصها بمبلغ 25 مليون دينار لسنة 2016.

- صندوق الضمان الاجتماعي، إنقاص معونته بمبلغ 5 ملايين دينار لسنة 2015 ومليون دينار لسنة 2016. ففي العام 2015، سيتم إنقاص المعونات المذكورة عاليه بمبلغ 40 مليون دينار، وفي العام 2016 سيتم إنقاص ذات المعونات بمبلغ 85 مليون دينار، وذلك عن المرصود في ميزانية العام 2014.

وفي مقابل ذلك ستتعطف الحكومة الكريمة، بمنح المواطنين ما قيمته 2 مليون ومئتي ألف دينار لكل من عامي 2015 و2016، وذلك باحتساب متوسط جدول وزارة التنمية، ما بين مبلغ 5 دنانير و3 دنانير ونصف، ودينارين ونصف، حسب الفئات الجنسية والعمرية، التي مجموع ثلاثتها 11 ديناراً، وبالتقسيم على عدد فئاتها وهي ثلاث، يكون المتوسط مبلغ 3.700 دينار لكل مواطن، الذين عددهم حوالي 600 ألف مواطن، كدعم للحوم، وحيث أن المسئولين في تصريحاتهم قد أعلنوا مبلغ 28 مليون دينار توفرها الدولة جراء تقنين دعم اللحوم للعام 2015، فمعنى هذا أن المدفوع لدعم اللحوم العام 2014، للمواطنين والمقيمين يعادل ما لا يقل عن 30 مليون دينار، متوقع بأن يكون نصيب المواطنين 15 مليون دينار بحكم أن تعداد المواطنين يعادل تعداد المقيمين، ليشكل تعداد سكان البحرين مليوناً ومائتي ألف ساكن.

هذه حسبة كان الأولى بالحكومة ومجلس النواب الاهتمام بها، لتبيان أن الحكومة أوقفت الدعم عن المقيمين بنسبة 100 %، وعن المواطنين بنسبة 86 %. فبعد أن كانت تدعم اللحوم بمبلغ 15 مليون دينار للمواطنين ومثلها للمقيمين، تعطفت على المواطنين لتمنحهم تحويلات مباشرة في حسابات أرباب الأسر بإجمالي مبلغ سنوي 2 مليون دينار (هذا بافتراض أن الإيداع في حساب جميع المواطنين، أما في حال قصر الإيداع على الأسر محدودة الدخل المسجلة لدى وزارة التنمية، فإجمالي مبالغ الإيداعات سيتقلص كثيراً لما لا يزيد عن ربع المليون).

هكذا يتبين الدافع وراء التمييز المناطقي والطائفي، وعدم الاكتراث بمقاطعة المعارضة، ولا بضعف المشاركة الشعبية في انتخابات 2014، وانسياق الحالمين بالعرق الطائفي السامي، وراء هذه السياسات، وذلك لكون المحصلة مجلساً نيابياً كما هو عليه مجلس 2014، منسجماً والهوى الحكومي، لتمرير الميزانية وغيرها من مراسيم، بمثل تمرير المراسيم بتغليظ العقوبات، وتمرير إسقاط الجنسيات عن المواطنين، والسكوت عن سياسيات التجنيس خارج القانون، ومباركة اكتظاظ السجون السياسية من بعد تصفيرها، والتضييق على العمل السياسي والحقوقي في البحرين.

فهل رواتب النواب وتقاعدهم، كمدافعين عن حقوق الشعب، أم لأنهم موظفون حكوميون.