(ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياءٌ عند ربهم يرزقون).
كتب ابني محمد العيسى معرفاً عن نفسه في برنامج الإنستغرام:
«يوماً ما سيرى الأعمى بصمتي، وسيسمع الأصم بسيرتي».
وهذا فعلاً ما حدث، رأى الأعمى بصمته، وسمع الأصم بآخر ما كُتب من سيرته.
لقد تبرع لحماية المصلين، اندفع تجاه إرهابي مطوق بحزام ناسف بدلاً من أن يفرّ، فعل هذا لسبب بسيط ومعقد في نفس الوقت:
(حماية الأبرياء، إيقاف هذه الوحوش الشرسة التي لا تستحق أن تكون جماداً حتى).
فعل هذا ابني محمد؛ لأنه يحمل في عقله فكراً مغايراً، معنىً تطبيقياً وحقيقياً لمفهوم الإنسانية. الجميع رأى بصمته، رأوه مقداماً لا فاراً، رأوا اللحظة الأخيرة والانتقالية من الحياة إلى الموت، رأوا جسده محمولاً على يد المسعفين، ورأوه أيضاً ملفعاً بالبياض، ذاهباً لربه في عرشه الدائم والأزلي ليسكن إلى الأبد في قناديله المليئة بالضوء، تاركاً خلفه فعلاً لن ينساه مئات المصلين، ملايين المواطنين، بل الكون كله. لكن أحداً لا يعرف سيرة الشهيد ابني محمد كما أعرفها أنا. أنا أمه. أمه التي ستبذل جهدها، عمرها، وما تبقى من كلمات لم تقلها كي تخبر الآخرين عن سيرته للناس جميعاً. لقد كان ولداً خفيفاً، لطيفاً، أبيضَ والأهم من هذا كله: نقياً. لم يكن مثل بقية الأطفال يطلب الحلوى والآيسكريم، كان الخبز طعامه، هكذا وبكل بساطه: خبزاً جافاً.
ما زلت أذكر ما حدث في بيت جده، فقدته وبدأت في البحث عنه، وجدته قرب صندوق يجمع فيه جده بقايا الخبز، وجدته هناك نائماً، نائماً وعلى فمه بقايا قضمة وابتسامة رضا واسعة كالفراغ. هكذا كان ولداً قنوعاً خفيفاً. كان حين يجوع يأكل خبزاً، وحين يغالبه النوم ينام على الكنبة أو جانب طاولة الطعام؛ وكأنه بهذا التصرف الطفولي والعفوي يريد أن يخبرني أن علاقته بدنيانا علاقة عابرة، سريعة، قصيرة.
كبر محمد، وكبرت معه أحلامه وطموحاته، كبرت معه الأسئلة. لم يكن أحداً حوله يشبع فضوله. وفي نفس الوقت كان محباً للناس، كان خادمهم، و المباشرَ في المناسبات الدينية و الاجتماعية وقبل كل هذا مبتسماً دوماً ودائماً وإلى الأبد في وجوه العابرين صغاراً أو كباراً.
محمد، ذو النسبة المئوية الكاملة و التفوق المدرسي. ذو البساطة و التلقائية و الحميمية في التعامل الإنساني مع كل من حوله. محمد ذو الروح الوثابة للتألق، للقيام بشيء ما؛ لترك أثرٍ يدلُ على الطريق. محمد مثالنا للوطن الشاب، المستلهم لماضيه، المتمكن من حاضره ليعيشه بكل ثوانيه، المتطلع لغده بكل أمنياته الخضراء.
ما كان محمد طائفياً أو إقصائياً أو نزّاعاً للفرقة. قَـَتَله الطائفيون والإقصائيون والنزاعون للفرقة. ذهب عارياً إلا من دمه، ليرينا أن الأبطال ليسوا بالضرورة أن يكونو كباراً، الصغار يفعلون الأشياء العظيمة أيضاً.
وبعد كل هذا الحزن يبقى هناك صوت للحقيقة بدواخلنا يجب أن نفهمه جميعاً:
كلنا مستهدفون في لحمتنا، في نسيجنا، في تماسكنا، في قناعتنا التامة إننا وطن واحد، من قطيفه شرقاً، لرفحائه شمالاً، لجدته غرباً و لنجرانه جنوباً. نحنُ مستهدفون كي لا نتذكر بـأننا جميعاً مسلمون نشهدُ ألا إله إلا الله و أن محمداً رسول الله، وأننا نصلي تجاه ذات القبلة، وأننا نرى الاختلاف ثراء و زيادة لا قتل وتدمير وأحزمة ناسفه. إن ما أريد أن أقوله لكم جميعاً بالكثير من الصدق وبالكثير من الحب:
1 - ألا ننجر لأتون الفرقة ودعاوى الطائفية والإقصاء.
2 - لا، لأي حشد شعبي ولأي عسكرة خارج إطار الدولة.
3 - بيوتنا الداخلية. أفكارنا، موروثنا، ثقافتنا. كل هذا علينا مراجعته
ختاماً وكل الكلام لا يكفي:
نعم أنا أم الشهيد محمد العيسى، وخالة الشهيدين عبد الجليل ومحمد الأربش. كنت دائماً خصيمة عنيدة للطائفية، والتطرف والكراهية واختطاف العقول واستغفال البسطاء، ولو كان ذلك في بيتي. لم أدخر جهداً ولا وقتاً لمحاربة الضغائن والتحريض والإرهاب، سنياً كان أو شيعياً. كان ذلك قبل وبعد أن خسرت الكثير من علاقاتي، منهم من كان من عائلتي ومنهم من كان من أقربائي وما زال ذلك يحدث لي حتى بعد أن فقدت ابني. لطالما اتهموني بأني أحرض عليهم، وأنا ما حرضت إلا ضد الكراهية والتطرف والطائفية والإرهاب و الجهل. وكنت كلما قاسيتُ أذىً وشتماً وتهديداً تشتد عزيمتي وإصراري على عدوي الأول وهو: التطرف.
لقد ذهب محمد حُراً، اختار أن يكون درعاً للمصلين. ترك لأمهات أصدقائه أن يحتضن أبنائهن كل يوم، وترك حضني فارغاً منه. فأحمد الله أنه لم يكن لي ابناً كارهاً، محرضاً، طائفياً مؤذياً للناس. بل افتدى الناس وذهب هو. كما أعزي أم قاتل ابني وأعظم لها الأجر. لقد اختار ابنك خيرة الشباب وأنقاهم، ولو بذل جهده لينتقي لم يكن انتقاؤه بكل هذه الدقة، وأنا على معرفة تامة أن قلبكِ الآن كقلبي... حزين وباكٍ. كما أعزي بهذا الفقد الكبير كل أهلي وأخوتي وأبناء عمومتي وأبناء وطني الغالي. مصابي مصابكم، وكلنا في خندق واحد.
كوثر الأربش
أم الشهيد محمد العيسى،
وخالة الشهيدين عبد الجليل ومحمد الأربش
العدد 4649 - السبت 30 مايو 2015م الموافق 12 شعبان 1436هـ
تقبل الله عزائك بالبطل محمد العيسى
ابنك سيخلده التاريخ لأن فدى نفسه ولم يبخل بها دفاعا عن الإنسانية ضد التطرف البغيض سنيا كان أو شيعيا رحم الله ولدك وغفر له
ربط الله على قلبك بالصبر والسلوى .. يا أم الشهيد الساكن بقلوبنا.
ربط الله على قلبك بالصبر والسلوى، وأبشري فولدك خلده الله وضمته قلوبنا في أعماقها فلا ننساه ولا ننسى كل من قدم نفسه في سبيل الله، أقدم على الشهادة بقدم متسارعة مقدامة وبإرادة قل نظيرها، ففدى الناس بروحه النقية، وقدم أروع الأمثلة في التضحية والإرادة والإباء، دون أن يتراجع قيد أنملة، ما خاف ما ارتعب ما تردد، بل أقدم وبادر، إلا أنه يؤسفنا أن نقول: لو قُتل مسلم سني واحد في أقاصي العالم على يد شيعي ولو خطأً لأقاموا الدنيا ولم يقعدوها لأجله، لكن أن يتم استهداف مئات الشيعة بمسجد فلا قيمة لهم عند هؤلاء.
الله يرحم شهداء السعودية
يالصبرك ونعم الأم هنيئا لك ايام الشهيد
تعزي القاتل
أم الشهيد تعزي أم القاتل بئس المثالية ولا للطائفيه ولا لقتلنا على الهويه لو كان حدث العكس أرهابي شيعي فجر نفسه بمسجد لأخواننا السنه سوف نقتل تحت كل حجر ومدر. مسلم وأعيش حرب وجود وسأبقى كالنخلة لا تنحني ولا تموت.