بدت لحظاته الأخيرة من عمره هي الأسعد في حياته، كان يقف مبتسماً وهو يقوم بدوره بملاحظة وتفتيش القادمين للمسجد في إجراءات تم الاتفاق عليها بعد أسبوع دامٍ في قرية القديح التي راح ضحيته فيها 22 شهيداً في مسجد من مساجد بعد تفجير إرهابي قام به انتحاري وتبناه تنظيم «داعش». في مقطع فيديو لا تزيد مدته على الدقيقة، يظهر محمد حسن العيسى وهو يدقق على القادمين، لكنه كان تدقيق المحب، فقد كانت ابتسامته أول ما يستقبل المصلين، لعله هو أيضاً كان يدرك انه على أبواب الجنة، كما كان حال ابن خالته عبدالجليل الأربش، فكانا واقفين معا ورحلا معا.
لم تزد سنوات محمد على 18 عاما، كان يومها لايزال في آخر سنواته الثانوية، كان يمني نفسه أن يكمل دراسته في بريطانيا، لكنه قرر سريعا أن يغير كل ذلك، في لحظة واحدة كان قرار محمد أن يعقد صفقة مع السماء، بأن يغادر الحياة والدراسة في دقائق، مقابل أن يستمر المئات من المصلين في صلاتهم وحياتهم ويعودوا إلى أسرهم سليمين معافين.
وقع محمد تلك الوثيقة مع الإرادة السماوية، فكان وابن خالته عبدالجليل صفّاً بصف يتصدون لذلك الإرهابي الذي لبس ثياب النساء ليهاجم المصلين، أسرعوا نحوه غير آبهين بحزامه الناسف، كانا يملكان من الشجاعة ما جعلهما يتمزقان أشلاء أشلاء، وقطعة قطعة من أجل أن يسلم مصلو بيت الله ويأمنوا.
والد محمد، كوالد عبدالجليل عبر عن سعادته وفخره بشهادة محمد، مؤكداً أن «الشهادة وسام عظيم لا يناله سوى أشخاص اختارهم الله للفوز بجنانه».
العدد 4649 - السبت 30 مايو 2015م الموافق 12 شعبان 1436هـ
هدأت قلوب أمهات المصلين بعد اضطرابها يا محمد .. لله درك ..
منذ نعومة أظفارك والزهد شعار لك، والقناعة والتواضع سمتك الغالبة، قانع بالقليل يا محمد من هذه الدنيا، لا تريد منها زخارف ولا أي بهرجات زائفة، طعامك وملبسك متواضع، وكل أمر من أمور دنياك كنت فيه مثالا للتواضع، حزنك في قلبك وبشرك في وجهك، شامخ أنت يا محمد رغم صغر سنك، وجبل من الإيمان والإرادة والتضحية أنت يا محمد، نفسك العظيمة لم تكن لتموت موتا طبيعيا، بل ادخرتها واستعجلت بها في سبيل الله، حبك لله وللناس سيجعلك في ركب الخالدين، الباذلين نفوسهم وللجنان طامحين، هدّأت قلوب أمهات المصلين بتضحيتك. هنيئا
هنيئا لهم هذه المنزلة
لقد خصهم الله بمنزله يتمناها من زهد بالدنيا الفانية
هنيئاً لهم