البحرين التي تحتفي خلال عامها الحالي بأروع إنتاجاتها الثقافية تحت شعار "تراثنا ثراؤنا"، ما زالت تفصح عن أسرار تاريخ الحضارات التي مرّت عليها يوماً بعد يوم، حيث أعلنت هيئة البحرين للثقافة والآثار خلال مؤتمر صحافي عقدته مساء اليوم الخميس (28 مايو / أيار 2015) في متحف البحرين الوطني، وبحضور دبلوماسي، إعلامي وثقافي من المهتمين بالشان الثقافي في المملكة، عن مجموعة مكتشفات أثرية نادرة وجدت في موقع تنقيب قلعة البحرين.
وقالت رئيسة هيئة البحرين للثقافة والآثار الشيخة مي بنت محمد آل خليفة خلال افتتاح المؤتمر: “ما تحمله أوطاننا من تراث وإرث عريق هو المكّون الأول لتأسيس سياحة ثقافية فيها، وما نحن بصدده من إنجازات لمملكتنا هو بالدرجة الأولى عائد إلى المواقع التي حفظت لنا ذاكرة أجدادنا وآبائنا.”، معبّرة عن سعادتها بالاكتشاف الذي حققه فريق عمل التنقيب الفرنسي الذي يرأسه الدكتور بيير لومبار.
وفي سياق آخر تضمنه المؤتمر الصحافي وبالتحديد حول التراث العمراني لمدن البحرين القديمة والمعرض لخطر الزوال، قالت الشيخة مي: “في سعينا للكشف عن ماضينا الغني بالجمال، علينا أن نركز على حفظ هويتنا الوطنية المحفوظة في تراثنا العمراني.”، مؤكدة على ضرورة الوقوف إلى جانب ذاكرة الإنسان البحريني، والحفاظ على مدن البحرين القديمة التي تتعرض لحملة تغيير في ملامحها.
كما دعت رئيسة هيئة البحرين للثقافة والآثار جميع الأطراف للمشاركة في الحفاظ على هوية البحرين وترتيب لقاءات حول أهمية المدن القديمة في جذب سياحة ثقافية لطالما عملت المملكة على إيجادها وصناعتها.
وأشادت بحماس المواطنين للحفاظ على المكتسبات الحضارية لوطنهم البحرين، مشيرة إلى أهمية مد جسور التعاون المشترك. كما وتمنّت منهم القيام بمهمة المحافظة على الإرث العمراني، خلال فترة انتظار عمل المؤسسات الرسمية على تطويره وترميمه.
أما مستشار شئون الآثار لدى هيئة البحرين للثقافة والآثار ورئيس البعثة الأثرية الفرنسية في البحرين بيير لومبار ، فتقدّم بالشكر للشيخة مي بنت محمد آل خليفة لعملها الدائم وجهودها المستمرة في العمل على رفع الوعي بأهمية التراث الإنساني في المملكة.
وقدم بيير عرضاً مفصّلاً حول المكتشاف الأثرية في مكان التنقيب في موقع قلعة البحرين، حيث تم إيجادها خلال آخر فترة تنقيب ما بين شهري مارس وأبريل 2015م.
وأشار إلى أن موقع قلعة البحرين يعد واحداً من أهم الموانئ القديمة، موضحاً أن هذه الميزة كانت من أبرز الدوافع لدخول الموقع على قائمة التراث العالمي لليونيسكو عام 2005م. كما وأكد لومبار أن أهمية متحف موقع قلعة البحرين في حفظ تخزين ذاكرة الموقع وحفظها، حيث كان المتحف قد أقيم عام 2008 بدعم من بنك أركابيتا.
وأشار العرض الذي قدمه بيير لومبار إلى أن في موقع قلعة البحرين حوالي 8 أمتار من الطبقات التاريخية الأثرية منذ عصر الإسلام وحتى حضارة دلمون المبكرة. وخلال عملية التنقيب الأخيرة تم اكتشاف لوحة طينية مسمارية تعود إلى العام 503 - 504 قبل الميلاد، إضافة إلى قطعة ذهبية فيها طبع لشكل امرأة تعود إلى فترة تايلوس.
وتعد اللوحة الطينية أبرز المكتشفات، حيث كتب عليها باللغة الأكادية عقد بين طرفين لتبادل التمور، وينص العقد على أن كمية التمور يجب أن ترد خلال شهر” تشريت” (بين سبتمبر وأكتوبر) من العام التالي للعقد. وأشار تحليل اللوحة إلى أن العقد قد تم محو جزء منه من الجهة الخلفية، وهي عادة اتبعها الأفراد في تلك الفترة عند انتهاء مدة العقد. أما أهم ما تشير إليه اللوحة الطينية فهو إثبات حكم الامبراطورية البابلية للمنطقة حيث تقول اللوحة: “العام التاسع عشر من حكم داريوس، ملك بابل والأراضي الأخرى”. وقال بيير لومبار إنه كان من المؤسف أن يزيل محو المعلومات من على خلف اللوحة اسم المدينة التي شهدت كتابة العقد.
أما الاكتشاف الثاني فيتمثّل في إناء خزفي مع غطائه، وهو في حالة شبه سليمة، ويحتوي بداخله على بعض الرمل وقطعة ذهبية عليها صورة امرأة. ولا يزال فريق البحث يعمل على تحليل أهمية هذين الاكتشافين وأهمية تأثيرهما على تاريخ البحرين.
بدوره توقف مستشار الحفاظ على التراث بهيئة البحرين للثقافة والآثار علاء الحبشي خلال المؤتمر الصحفي عند ضرورة الحفاظ على المدن التاريخية والاهتمام ببيوتها القديمة التي تحكي سيرة أبنائها وتاريخهم، معبّرا عن أسفه من التوجه العام من قبل بعض أفراد المجتمع والإدارات المحلية في تشجيع هدم المباني التاريخية وطمس معالمها القيّمة.
كما وأوضح الحبشي أهداف هيئة البحرين للثقافة والآثار للحفاظ على التراث العمراني في البحرين وبالأخص مدينتي المحرق والمنامة، ومنها إلغاء استغلال مسمى “مباني آيلة للسقوط” لهدم مبانى ذات قيمة عمرانية تاريخية وإيجاد آلية لترميمها، كذلك إعادة تأهيلها لتصبح صالحة لسكن أهلها البحرينيين، مع توضيح المسؤولية المشتركة لأفراد المجتمع والمؤسسات الرسمية في الحفاظ على هذه المباني والارتقاء بالمشهد العمراني العام.
يذكر أن موقع قلعة البحرين، مسجل على قائمة التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للعلوم والتربية والثقافة (يونيسكو) منذ العام 2005م، وهو أول مواقع المملكة التي تسجل على القائمة إلى جانب موقع طريق اللؤلؤ المسجل عام 2012م.
وبجانب الموقع يوجد متحف موقع القلعة الذي ومن الجدير بالذّكر افتتح في 18 فبراير 2008م، ليكون شاهدا على أهمية الموقع الأثري ولحماية الملامح التاريخية وتوثيق الحقبات الأركيولوجية التي شكلت جغرافيا وتكوين هذه المنطقة. ويقع المتحف في السّاحل الشّمالي لمملكة البحرين، ويشكّل موقعه الحافّة التي يطلّ فيها على أجمل المشاهد الطبيعية والعفوية التي تنسجم فيها البيئة البحرية مع الحزام الأخضر للمنطقة.