العدد 4646 - الأربعاء 27 مايو 2015م الموافق 09 شعبان 1436هـ

طب المسنين: نظرة إلى مستقبل البحرين

طب المسنين هو التخصص الطبي الذي يركز على الرعاية الصحية لكبار السن، ويهدف إلى تعزيز الصحة عن طريق الوقاية والعلاج من الأمراض والإعاقات لدى هذه المجموعة العمرية من المرضى. وعادة، فإن الطبيب المتخصص في طب المسنين يعالج المرضى الذين هم 65 سنة وما فوق، ومع ذلك، فالأمر يعتمد على المريض واحتياجاته.

ويختلف طب المسنين عن طب البالغين المعروف؛ لأنه يركز على الاحتياجات الفريدة للشخص المسن. حيث إن جسم المسن يختلف من الناحية الفسيولوجية عن جسم البالغين الأصغر سناً، فعند بلوغ مرحلة الشيخوخة يبدأ المخزون الفسيولوجي للجسم ووظائف الأعضاء الأساسية في الانخفاض. ويستطيع طبيب المسنين أن يميز بين الأمراض وآثار الشيخوخة الطبيعية. على سبيل المثال، قد يكون القصور الكلوي جزءاً من الشيخوخة، ولكن الفشل الكلوي وسلس البول ليس كذلك. وبعبارة أخرى، لا ترتبط جميع الأمراض التي تصيب كبار السن بـ «الشيخوخة»، ويجب أن يكون الجميع قادرين على العيش حياة طويلة وصحية مستقلة بغض النظر عن كبر السن. ولهذا يهدف طبيب المسنين إلى علاج الأمراض الموجودة وتحقيق شيخوخة صحية يتمتع فيها الشخص المسن بالاستقلالية.

وينقسم طب المسنين إلى أجزاء عدة؛. طب الشيخوخة الحاد والذي يقع في أحد المستشفيات المتخصصة مثل مجمع السلمانية الطبي، حيث يتم استقبال وعلاج المرضى الذين يعانون من مشكلات صحية حادة وشديدة مثل الفشل الكلوي الحاد والجفاف. والجزء الآخر من طب المسنين، وله أيضاً أهمية بالغة، هو طب الحالات شبه الحادة أو طب إعادة التأهيل؛ ويستقبل المسنين بعد البقاء في المستشفى لفترات طويلة أو جراحة من أجل التأهيل البدني والدعم النفسي لحثهم على العودة إلى حياتهم السابقة أو حتى أفضل، وهذا مماثل لمركز إبراهيم خليل كانو الطبي الاجتماعي. ولذلك فمراكز التأهيل مهمة جداً من أجل إعطاء كل مريض مسن فرصة في إعادة التأهيل من أجل تحسين قدرته على الحركة والكلام، وأداء المهمات اليومية الاعتيادية. والجزء الأساسي والثالث هو وحدة الإقامة الطويلة أو الرعاية التمريضية الطويلة، وتماثل دار رعاية المسنين في المحرق. وتتم إحالة المرضى إلى هناك إذا لم يتمكنوا من الاعتناء بأنفسهم أو لديهم مشكلات طبية معقدة تجعل إقامتهم في المنزل أمراً مستحيلاً. ومع الأسف يُنظر إلى الإقامة طويلة الأجل في بيوت التمريض كوصمة عار مثل دار رعاية المسنين بالمحرق. ولكن ينبغي للمرء أن يضع في اعتباره دائماً أنه في بعض الحالات، قد يكون أكثر فائدة للمريض المسن أن يقيم إقامة طويلة في المستشفى مع الرعاية التمريضية المناسبة لمنع حدوث مضاعفات بدلاً من العودة إلى منزله من أجل أن يرعاه أقاربه أو ذويه الذين ليس لديهم الخلفية الطبية الملائمة. كما أن هناك تخصصات فرعية أخرى في طب الشيخوخة ولكن تلك المذكورة هي الأكبر والأكثر أهمية.

وقد يتساءل المرء، ما أهمية التخصص في طب المسنين، وما فائدة وجود مثل هذا التخصص في أي مستشفى؟ ليس هناك شك في أننا سنواجه في المستقبل القريب تعداداً سكانياً كبيراً من المسنين. وعلى مدى العقود القليلة المقبلة، فإننا سوف نشهد تغييراً ديموغرافياً أو سكانياً ضخماً، ما سيؤثر على مجتمعنا بشكل كبير. فسيزداد عدد كبار السن بشكل كبير بالمقارنة مع الأشخاص الأصغر سناً وسيؤدي ذلك إلى تغيير كلي لهيكل مجتمعنا محلياً وعالمياً. ونتيجة لذلك، ستتغير متطلباتنا كمجتمع بما في ذلك الرعاية الصحية وتقديم الرعاية الاجتماعية واقتصاديات التعامل مع هذا العبء الثقيل.

وفقاً للتوقعات السكانية العالمية للأمم المتحدة، تشير التقديرات إلى أنه في غضون السنوات الثلاثين المقبلة فإن متوسط العمر المتوقع في البحرين سيرتفع بنسبة 5 سنوات ليصل إلى 80 سنة في العام 2040. الشكل 1] كما أن الهرم السكاني كله سيتغير على مدى السنوات القليلة المقبلة وكبار السن (>65 سنة) سوف يشكلون نحو 14% من السكان، وتعتبر هذه النسبة كبيرة، ولذا فمن الضروري جداً الاستعداد لمثل هذا الارتفاع، ولا سيما تجاه الوقاية من الأمراض وإدارة الأمراض التي هي الأكثر شيوعاً في كبار السن. والمزيد من المرضى المسنين يعني مستويات متزايدة من الاعتماد على الرعاية، وهذا يعني ضرورة اتجاه التركيز أكثر على بحواث طب المسنين وتثقيف المرضى وأقاربهم وبرامج الوقاية والكشف عن المرض في وقت مبكر من أجل تحسين وتمكين المسن من أن يعيش بشكل مستقل في المنزل.

تراجع المخزون الفسيولوجي في أعضاء الجسم يجعل كبار السن عرضة للإصابة ببعض أنواع الأمراض بالتحديد، وتحدث لهم مضاعفات كثيرة من مشكلات صحية طفيفة. على سبيل المثال، يمكن لالتهاب رئوي بسيط أن يؤدي إلى الهذيان، والجفاف مع الفشل الكلوي، وبالتالي السقوط وكسور في الحوض.

ويحتاج كبار السن عناية خاصة بالنسبة لتناول الأدوية، فمعظمهم يتناولون الكثير من الأدوية. هذا الإفراط قد يزيد من خطر التفاعلات الدوائية الضارة. وأيضاً، قد تكون أعراض المرض في الأشخاص كبار السن غامضة وغير محددة. فالالتهاب الرئوي، على سبيل المثال، قد يأتي بهذيان أو رفض تناول الطعام بدلاً من ارتفاع في درجة الحرارة وسعال حسب الأعراض التي تظهر على الشباب. وقد يجد بعض المسنين صعوبة في وصف أعراضهم في كلمات، خصوصاً إذا كان المرض يسبب الهذيان، أو إذا كان لديهم ضعف في الإدراك. وربما يكون سبب الهذيان عند كبار السن بسبب مشكلة بسيطة مثل الإمساك أو شيء آخر أكثر جدية ومهدد للحياة مثل نوبة قلبية. العديد من هذه المشكلات يمكن علاجه، إذا اكتشف السبب الجذري في وقت مبكر بقدر الإمكان.

كل واحد منا في مرحلة ما قد شارك في رعاية شخص مسن، سواء كان والداً أو جداً أو جاراً أو قريباً، أو صديقاً. ويمكن أن تكون رعاية شخص مسن مسألة مرهقة جداً ومخيفة في بعض الأحيان. ولكن مع التثقيف والتعليم المناسب، والمساعدة، والإدارة الطبية يمكن أن تكون تجربة ممتعة ومثمرة للغاية.

وكأطباء مختصين في طب كبار السن هدفنا هو كشف الأمراض في وقت مبكر وتشخيص وعلاج الأمراض الشائعة التي تحدث للأشخاص المسنين. وهذا يشمل مرض الزهايمر، والسكتات الدماغية، ومرض باركنسون، وهشاشة العظام، وفشل القلب. هدفنا الأساسي هو ليس فقط مساعدة المسن لكي يحيا فترة أطول ولكن الحفاظ على نوعية حياة أفضل لأطول فترة ممكنة. ونحن نوجه اهتمامنا ليس فقط للمرضى، ولكن لمقدمي الرعاية لهم أيضاً من أجل تحقيق حياة أفضل وذكريات سعيدة بين المرضى وذويهم.

د. محمود كاظم السعيد

طب عام وأمراض المسنين

العدد 4646 - الأربعاء 27 مايو 2015م الموافق 09 شعبان 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً