العدد 4646 - الأربعاء 27 مايو 2015م الموافق 09 شعبان 1436هـ

الديمقراطية هي ثقافة مجتمع

عبدالحسن بوحسين comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

يقول خبراء السياسة إن وجود حكومة ديمقراطية لا يعني بالضرورة وجود مجتمع ديمقراطي. ويقدم هذا المقال نبذة مختصرة عن مراحل تطور المفاهيم الديمقراطية بغرض إعطاء فهم أعمق للعامل التاريخي في تبلور هذه المفاهيم وإدراك خطورة القفز أو التحول المفاجئ. كما يتطرق إلى بعض القيم التي يجب توفرها كبنية تحتية لازمة للتحول الديمقراطي في المجتمع.

الديمقراطية هي شكل من أشكال الحكم السياسي وضعه اليونانيون القدامى في القرن الخامس قبل الميلاد. وقد تطوّر هذا المفهوم من نموذج حكم النخبة الذي كان سائداً في أثينا القديمة ليأخذ شكلاً معاصراً في القرن التاسع عشر وصولاً إلى نظام الديمقراطية الليبرالية السائد في القرن الحادي والعشرين. وقد مرت التجربة الديمقراطية في عالمنا المعاصر بانتكاسات عدة بعد المد الفاشي والنازي ونشوب الحرب العالمية الثانية. ووفقاً لتقارير «بيت الحرية»، فإنه على الرغم من تطور المفاهيم الديمقراطية منذ العصور الوسطى مروراً بعصر التنوير، لم يتجاوز عدد الدول التي تطبق ممارسات ديمقراطية في العام 1900 نسبة 8 في المئة. وبحلول العام 1960 كانت غالبية عظمى من دول العالم تطبق أنظمة ديمقراطية بالإسم فقط، وذلك بسبب الفجوة بين النظام السياسي والمجتمع. وفي العام 2000 لم يتجاوز عدد الديمقراطيات الليبرالية نسبة 60 في المئة.

توضح هذه المقدمة التاريخية المختصرة أهمية العامل التاريخي في تطور مفاهيم القيم الديمقراطية في المجتمع باعتبارها ثقافة سياسية وأخلاقية تشتمل على مجموعة من القيم التي يؤمن بها المجتمع، والتي تعد أساساً لمجمل التحولات في أشكال الحكم السياسي على مر القرون في المجتمعات الديمقراطية.

ووفقاً للتعريف الواسع، فإن الديمقراطية هي نظام اجتماعي أكثر من كونها نظام حكم. وقد أثبتت الوقائع التاريخية أن غياب الحس بالقيم المشتركة بين فئات المجتمع هو سبب رئيسي لفشل التحولات نحو الديمقراطية في كثير من المجتمعات. كما أن الفشل في تحقيق التغييرات الإجتماعية الأعمق من قبل النخب قبل تحقيق الإصلاحات الليبرالية، تنتج عنه مواجهات سياسية قد تقود إلى حروب أهلية كما كان الحال عليه في كثير من دول الاتحاد السوفياتي بعد انهيار الكتلة الشرقية. وما الفشل الذي منيت به دول الربيع العربي، باستثناء تونس، إلا دليل على قصور في تلك الثقافة وفي الفهم المشترك لقيم الديمقراطية في تلك المجتمعات، والذي أدى إلى حالات من التفكك والصراع الذي مازال يهدّد وحدة المجتمعات والدول.

كما أن التحولات السياسية المفاجئة التي جاءت على شكل انقلابات عسكرية في دول عربية في النصف الثاني من القرن العشرين تحوّلت جميعها إلى أنظمة شمولية وفشلت في تشكيل مجتمعات ديمقراطية بسبب فشل النخب الحاكمة في خلق نظام اجتماعي وتحقيق تغييرات اجتماعية لازمة للإصلاحات الليبرالية.

ومن القيم اللازمة للتأسيس لثقافة ديمقراطية في المجتمع يمكن ذكر ما يلي:

- تقبل المجتمع لثقافة التسامح والتعايش واحترام حرية الاختيار وتقبل نتائجه بتشكيل معارضة سلمية وموالية للشرعية امتثالاً للعدالة وحكم القانون. إن ثقافة التسامح هي التي تحصّن المجتمع من نزعة العداوة بين الأطراف المتنافسة. من هنا يصبح دور النخبة ضرورياً لترسيخ ثقافة التسامح التي تمهّد لإجراءات التحولات السياسية نحو الديمقراطية.

- القبول بمبدأ التوازن: فالإيمان بقيم التوازن بين مختلف مكونات المجتمع كالتوازن بين مصالح الأكثرية والأغلبية يتيح للجميع المشاركة وتحقيق مبدأ الشرعية. كما أن تقبل المجتمع للتوازن بين السلطات الدينية والدنيوية وفقاً لمفهوم العلمانية يولد انسجاماً بين الديمقراطية والإسلام الذي يملك منظومة سياسية واجتماعية حضارية لا تقدّس الفرد على حساب المجتمع، كما هو الحال عليه في الديمقراطية الليبرالية. فالرؤية المختلفة لكليهما حول مصادر القيم تتطلب وجود توافق في المجتمع على حالة من التوازن بين المفهومين لتجنب الصراعات الدينية أو العرقية.

- توافق المجتمع بجميع مكوناته ونخبه السياسية على مبدأ التداول السلمي للسلطة وسيادة دولة القانون التي تتساوى فيها جميع فئات المجتمع وتتنافس وفقاً لمبدأ اقتصاد السوق أو الحرية الاقتصادية الذي يستند على معيار الجدارة والأداء.

على ضوء ما تقدم يمكن استخلاص ما يلي:

- إن الديمقراطية هي سلوك وثقافة مجتمع، وتضم مجموعة من القيم التي يقتنع بها المجتمع ويعمل على تكريسها كسلوك ومعايشة. فهي ليست بضاعة يتم استيرادها أو مفاهيم مجردة نحفظها عن ظهر قلب ونرددها. إن أي تحوّل سياسي من دون توافق المجتمع بجميع مكوناته على تهيئة البيئة الحاضنة لهذه المفاهيم والقيم يعتبر مغامرةً أثبتت الأحداث من حولنا مخاطرها على وحدة الوطن وأمن المجتمع.

- لا يمكن تجاهل عامل الزمن أو القفز على حقائق التاريخ والموروث الديني والثقافي في تشكيل القيم في المجتمع. إن تعارض بعض مفاهيم هذه الموروثات مع قيم الديمقراطية بمفهومها الغربي يلقي عبئاً كبيراً على النخب في المجتمع لاستنباط نموذج يتلائم وطبيعةالمجتمع وتطلعات جميع مكوناته.

- إذا كانت الديمقراطية هي نظام اجتماعي أكثر من كونها نظام حكم، بات لزاماً على النخب في المجتمع أن تسعى لإنجاز كل ما من شأنه تمكين المجتمع من تأمين حقوق المواطنة الأساسية والإرتقاء بمستوى الوعي والتعليم والمعيشة للوصول إلى حالة من الانسجام واستيعاب القيم التي تساعد على التحول السياسي السلمي.

إن تجاهل العامل الثقافي والموروث الديني والتاريخي كعوامل داخلية مؤثرة إلى جانب عوامل خارجية ليست أقل تأثيراً، هو بمثابة تبسيط لمهمة وطبيعة التحولات السياسية. من هنا وجب على النخب وأنصار الديمقراطية في منطقتنا أخذ العبرة من تجارب الماضي والعمل على نشر ثقافة الديمقراطية وتعزيز قيمها لتصبح نظاماً اجتماعياً قبل التفكير في اعتبارها نظام حكم.

إقرأ أيضا لـ "عبدالحسن بوحسين"

العدد 4646 - الأربعاء 27 مايو 2015م الموافق 09 شعبان 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 11:56 م

      الشباب رمز التغيير

      على الرغم من عدم تطرق اخي الكاتب للعديد من المفاهيم و الممارسات الديمقراطية الا انني اتفق مع ما جاء في المقال عموما , لكن يا حبذا لو اننا تطرقنا لمنافع الديمقراطية اكثر , و حاولنا النأي بها عن الفكر الديني , اي لماذا يجب علينا الاسراع للدعوة للتوازن بين شيء و شيء , هنا كانما نضع الديمقراطية في مواجهة الدين !!! , التوازن مطلوب طبعا لكن بين المصالح و الدين ليس بمصلحة بل ايمان بين العبد و ربه و لا يجب ان يكون لمصلحة دنيوية , و الحديث يطول
      اخوك احمد العرب

    • زائر 3 | 2:14 ص

      الدول العربية لاتعرف ولاترغب الديمقراطية

      بس التغيير آت لامحالة وهم يدركون ذلك

    • زائر 4 زائر 3 | 8:47 ص

      سلم لي على جمعة

      اخ عبدالحسين سلم لي على جمعة

    • زائر 2 | 1:34 ص

      الاستاد واضح الديمقراطية ليبرالية

      تخص جميع الشعوب ولا علاقة لها بأي دين أو مذهب فلماذا نحولها إلى صراع طائفي ونتباكا من تاسيسنا جمعيات مذهبية لا صلة لها بالديمقراطية بل تأسس إلى كراهية وتحارب

    • زائر 1 | 10:14 م

      تسويف

      يجب أن نغلق المساجد إذا كان الناس يغتابون بعضهم في الخارج!
      نفس المنطق
      يعني شعوب أفريقيا وشبه الجزيرة الهندية وأمريكا الجنوبية كلهم يستحقون الديمقراطية إلا احنه نحتاج أول مجتمع فاضل
      أصلا الديمقراطية جاءت لحل هالإشكالية

اقرأ ايضاً