بعد قرابة عام من استيلاء تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش) الصادم على الموصل ثاني أكبر مدينة في العراق رفع التنظيم أعلامه على الرمادي عاصمة محافظة الأنبار إلى الغرب من بغداد مقر الحكومة العراقية التي تضعف مركزيتها يوماً بعد يوم.
لا أحد يتحدث عن استعادة الموصل من «داعش»، إذ أصبحت مدينة منسية، إنما الحديث الآن عن سقوط الرمادي ومدينة تدمر الأثرية في سورية المجاورة بل وسقوط مدن أبعد مثل سرت الليبية مسقط رأس معمر القذافي.
ويرى كثيرون في المنطقة أن الخسارة الاستراتيجية الحقيقية في سيطرة التنظيم على مدينتين سنيتين في العراق وسورية في أسبوع واحد هي ضياع أي بديل سني للمتشددين.
وعندما أعلن التنظيم عن إنشاء «دولة خلافة» في شرق سورية وغرب العراق في الصيف الماضي اعتبر كثير من القادة هذا غطرسة تتخطى حدود قدرته الفعلية. لكن مع ما يبديه التنظيم من تماسك وعزم يرى الآن البعض - خاصة الأقلية السنية في العراق - في «داعش» دولة أكثر مما يرونه في الحكومة العراقية التي تحاربها.
وكتب الخبير الاستراتيجي الأميركي، ديفيد كيلكولن الذي لعب دوراً رئيسياً في عملية زيادة أعداد القوات الأميركية بالعراق في العامين 2007 و2008 والمتابع عن كثب لمكاسب التنظيم «أصبحت الدولة الإسلامية أو توشك أن تصبح اسماً على مسمى: دولة».
وهو يرى أن الخطر سيتفاقم ما لم تغير واشنطن والدول الحليفة استراتيجية مكافحة الإرهاب بسرعة. فعلى رغم أن تحالفاً يضم الولايات المتحدة بدأ الصيف الماضي ضربات جوية تستهدف التنظيم استمر تقدم «داعش».
وكتب كيلكولن في المجلة الفصلية الأسترالية «كوارترلي إسي» أن التنظيم «يحارب كدولة... ينشر أكثر من 25 ألف مقاتل بينهم نواة صلبة تضم محترفين من البعثيين السابقين ومحاربين قدامى من (تنظيم) القاعدة. لديها تنظيم وحدات هرمي وهيكل متدرج يشمل عسكريين سابقين من جيش صدام حسين».
وألقى «داعش» بالفعل أسس الدولة، فهو يسيطر على أراضٍ بها مدن كبرى وتغطي ثلث مساحة كل من العراق وسورية كما أن له جيشاً وقوات أمن وإدارة لتسيير شئون الحياة اليومية من مدارس ومكاتب إدارية ومرافق ومستشفيات ومكاتب ضرائب ونظام قضائي قائم وإن كان يعتمد على تفسير متطرف للشريعة الإسلامية.
كما أن موارده ضخمة تشمل حقول نفط ومصافي وأراضي زراعية. وهو يعمل على نحو أشبه بعمل جيش نظامي له شبكة تجنيد ومعسكرات تدريب وآلة دعائية.
وفي التسجيلات المصورة التي بثها التنظيم يقطع مقاتلوه وزعيمه أبوبكر البغدادي بأن «تحرير الأنبار» هو بداية «تحرير بغداد وكربلاء من الروافض» في إشارة إلى الشيعة. ويبدو المتطرفون في هذه التسجيلات التي تصور في أجزاء منها مشاهد لتدريباتهم وشعاراتهم الدينية شباناً أقوياء البنية مسلحين جيداً ويرتدون زياً عسكرياً مهندماً على خلاف الصورة التي يروجها معارضوهم.
هزيمة مدمرة
انهار الجيش العراقي في الرمادي على نحو يشبه إلى حد كبير ما حدث في الموصل الصيف الماضي عندما تبخر أمام زحف «داعش» الذي بسطت هيمنته على أجزاء من شمال ووسط العراق.
بمرارة قال رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة، الجنرال مارتن ديمبسي في بروكسل إن القوات العراقية «لم تحمل على الخروج» من الرمادي وإنما هي التي «خرجت من الرمادي». وجاء سقوط المدينة الاستراتيجية بعد أسابيع معدودة من إجبار «داعش» على الخروج من تكريت إلى الشمال وهو ما أثار تكهنات - ثبت خطؤها فيما بعد - بأن التنظيم ربما كان يولي الأدبار.
وجاءت سيطرة «داعش» على الرمادي لتواكب سيطرته على مدينة تدمر السورية الغنية بآثار قديمة لا تقدر بثمن. ولم يعول «التنظيم» لدى السيطرة على تدمر على أكثر من بضع مئات من المقاتلين وهو ما يبرز الأزمة الحادة التي تواجهها حكومة الرئيس السوري بشار الأسد في القوة البشرية في الحرب الأهلية التي دخلت عامها الخامس وأوقعت أكثر من 220 ألف قتيل وشردت ما يقرب من نصف الشعب السوري.
وتدمر موقع تراثي عالمي يمكن أن يدمره المتطرفون كما فعلوا بمدينة النمرود الآشورية هذا العام.
ولتدمر قيمة استراتيجية ورمزية كبرى للتنظيم، إذ توجد بالقرب منها حقول غاز وتقع على الطريق إلى العاصمة دمشق وحمص مهد الانتفاضة على الأسد في وسط البلاد، وكذلك على الطريق المتجه جنوباً.
وربما كان سقوط الرمادي مدمراً للحكومة العراقية. فهي عاصمة محافظة الأنبار المترامية الأطراف التي تمتد إلى حدود العراق الغربية مع الأردن وسورية.
وفي العام الماضي عين حيدر العبادي رئيساً لوزراء العراق ليحل محل نوري المالكي بعد أن رأت الأقلية السنية الغاضبة والأكراد الذين يديرون مناطقهم في الشمال أن سياسات الأخير استبدادية وطائفية.
وحاول العبادي الذي تؤيده الولايات المتحدة وإيران أن يكون أكثر تمثيلاً لجميع العراقيين لكن انهيار الجيش جعله يعتمد في العمليات البرية على قوات «الحشد الشعبي» الشيعية التي دربتها إيران وتؤثر فيها والتي كانت من الأسباب الرئيسية لغضب هذه الأقليات في المقام الأول.
من ناحية أخرى، لم ترسل الحكومة الأسلحة التي وعدت بها مقاتلي العشائر السنية الذين طردوا تنظيم «القاعدة» من الأنبار في الفترة من العام 2006 إلى 2009.
ويتوافق هذا مع ما يردده «داعش» من أن سقوط الرمادي يظهر أن أي حكومة يقودها الشيعة لن تقدم أبداً الأسلحة التي ستحتاجها تلك العشائر في الأنبار لمعارضة المتطرفين ومن ثم لا بديل عن «داعش».
وعلى رغم التقدم الذي حققه الجيش العراقي بدعم من «الحشد الشعبي» من خلال استعادته منطقة حصيبة في شرقي الرمادي، فإن المعركة لاتزال طويلة، وقد تستغرق أسابيع عدة، حالها حال عملية استعادة تكريت.
ويعود ذلك إلى الصعوبات التي تواجهها هذه القوات ميدانياً من ألغام يزرعها المتطرفون في المباني والطرقات، إلى العمليات الانتحارية التي لعبت دوراً كبيراً أساسياً في سيطرتهم على الرمادي.
فات أوان مجالس الصحوة
وكما حدث في سورية كانت النجاحات الميدانية القوية التي حققها المتطرفون عنصر جذب للشباب الساخطين.
يقول محلل شئون الشرق الأوسط ومؤلف كتاب عن «داعش»، حسن حسن إن أهمية الرمادي الحقيقية تتمثل في أن عشائرها السنية كانت تقاوم «الخلافة» التي أعلنها «التنظيم» منذ سقوط الموصل وحتى قبل ذلك بفترة طويلة.
وربما فات الآن أوان الحديث عن إحياء مجالس الصحوة التي سلحتها الولايات المتحدة وألحقت الهزيمة بتنظيم «القاعدة» في السابق.
قال حسن: «يدور الحديث داخل المجتمع السني في العراق الآن بشأن هؤلاء السنة في الرمادي الذين كانوا يتعاونون مع الحكومة ضد «داعش» لكنهم خسروا ولم يعد بمقدورهم مواجهته. المدن السنية الأخرى التي تقاوم «داعش» ستفكر الآن مرتين».
وأضاف أن السنة الذين يجدون الآن على خط الجبهة في الرمادي قوات «الحشد الشعبي» القوية الموالية لإيران والتي تتهم بالقيام بـ «أعمال انتقامية» عنيفة ضد المدنيين بعد سقوط تكريت «يقبلون الآن «داعش» جيشاً سنياً لهم».
وأضاف «فات أوان أن يجند الأميركيون سنة لقتال التنظيم الإرهابي. هذا الزمن ذهب وولى. فات الأوان. ظلت الرمادي فكرة لعشر سنوات وانهارت الآن».
علاوة على ذلك كتب خبير الشئون العراقية في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن، أنتوني كوردزمان يقول إن ما حدث في تكريت لم يكن انتصاراً.
وقال كوردزمان: «كانت تكريت حملة أخفقت في إعطاء سنة العراق التطمين اللازم بأن الحكومة المركزية ستدعمهم في مقاومة الدولة الإسلامية أو ستقوم بعد أي هزيمة للدولة الإسلامية بجهود فورية لتأمين تكريت والسماح للسكان السنة بالعودة».
وتظهر أحداث الرمادي وتكريت أن السنة لا يمكنهم الاعتماد في أمنهم لا على الولايات المتحدة ولا على قوات موالية لإيران. ونظراً لغياب وسائل أخرى فإنهم يتوجهون صوب «داعش».
أوباما يتمسك باستراتيجيته
وعلى رغم فشل الاستراتيجية الأميركية حتى الآن في مواجهة التنظيم فإن الرئيس الأميركي باراك أوباما يبدو متردداً في تغيير مسار سياسته وإن كان المتطرفون يتقدمون على أرض المعركة.
ويرى خبراء أن سقوط الرمادي بيد التنظيم فضح الحدود التي ترسم سياسة أوباما، ما كشف الانقسامات الطائفية داخل المجتمع العراقي التي يستغلها التنظيم، مع إصرار الرئيس الأميركي على تفادي احتلال عسكري آخر. وفي مقابلة مع مجلة «ذي اتلانتيك»، قال أوباما: «لا أعتقد أننا نخسر». وبالنسبة للرئيس الأميركي فإن السؤال لا يدور حول إمكانية إرسال قوات أميركية برية بل «كيف نجد حلفاء فاعلين» قادرين على هزم المتطرفين في سورية والعراق.
ولكن حتى داخل إدارته، ينظر إلى ما حصل في الرمادي على أنه يضر القوات العراقية من جهة والتحالف العسكري الجوي الذي تقوده الولايات المتحدة منذ نهاية العام الماضي.
العدد 4646 - الأربعاء 27 مايو 2015م الموافق 09 شعبان 1436هـ
ابناء الرمادي
القهر ان أبناء الرمادي ينتركون بدون تسليح وبعدين تبكي الحكومة العراقية ليش داعش يستولي على هل المناطق. يا اخي على الأقل سلحوهم أبناء القبائل أبناء الرمادي وغيرهم. هذول رجال. راح يحاربون وماراح ايتركون سلاحهم ويشردون
قال داعش تحرير بغداد وكربلاء من ...
اذا نجح داعش في الرمادي سوف يدخل كربلاء وبغداد وتكون العراق وسوريا هي دولتهم الاسلامية المنتظره