ذلك هو الواقع الأليم الذي مزّق المسلمين على يد التوحش الدخيل على عالمنا، والذي أغرانا وشجّعنا للتنافس البشع عبر سنوات عجاف اجتهدنا فيها لإظهار أسوأ ما فينا، فحجم المثابرة الهائل للتخلّي عن الضوابط والمعايير والقيم الإنسانية قد أعاق بروز الرأي الثالث لتشخيص الحالات وتقريب المسافات ورفع الصورة كاملة أمام صانع القرار.
لا أدري لماذا يتزايد الشعور لدينا بالغربة داخل أوطاننا العربية، ولا أدري لماذا يستقر الإحساس الغريب بالرغبة في غض البصر عند رؤية الظالمين، ولماذا تتطاير شظايا السعار السياسي بين الناس بشكل لا مثيل له بين المجتمعات المتآلفة والدول النامية، وما هو السر في ازدياد شهية المرضى لرؤية الدماء وتوزيع عبارات التهنئة والتبريكات في حالة تعبّر عن أزمة ضمير قائمة على الغرور والحقد والأنانية. ونظل نطحن حصاها بأسنان بالية إلى أن يبدو الفم أجوف، ويتم الاعتراف بأزمة الضمائر عند قيام أزمة مقبلة.
إن عملية هدر الدم تترتب عليها تبعات خطيرة في أي مجتمع كان، وتؤدّي إلى ذعر قومي وفساد اجتماعي وفوضى عقائدية لا تجدي معها نفعاً تدخلات المستقلين وأحكام المفتين وحوارات المسئولين. فهدر دم المسلم يسبقه تكفير وردة، وغرور عقائدي تقوده فوضى عارمة، ذلك الهدر الذي كفّر المجتمعات واستباح دماءهم وأعراضهم وأموالهم، وخرب وهدم وفجر مساجدهم ودور عباداتهم، وامتد ذلك الهدر إلى القائمين على الأمر والسلطات وولاة الأمر، إلى أن تجرأت تلك الفتنة إلى المساس بذات علية القوم في بلادنا، ومع ذلك لم نلحظ تحركاً جدياً من إحدى السلطات لقطع دابر الفتنة ومحاصرة المنابر الحاثّة على كراهية الشعب.
إن تعطيل تطبيق القانون على هؤلاء يوحي إلى أهل الفتنة أن هذا المواطن مهدورٌ دمه، وأن ذلك المذهب والمذهب الآخر لا اعتبار لهما، والمنتمين لهذه الملة أو تلك يجوز سبهم وتكفيرهم وهدر دمهم والشروع في تعذيبهم وقتلهم، ولا يستحق أولياؤهم تعويضاً أو دية. وعندما تتحوّل المنابر الدينية والإعلامية إلى ساحات كبرى للكراهية والعنصرية وسط صمت الدولة، فالنتيجة أن المواطن البسيط بدأ يشعر أن هذه الفئة مهدورٌ دمها، وعندما يستهدف رأس إنسان بسلاح ناري لضمان وفاته ولا يقدم الفاعل إلى المحاكمة محبوساً عندها أستشعر عنوان المقال، ولما توقف القضاء منذ سنوات عن الإصدار النهائي لأحكام الإعدام فقد انزعج البعض في جهاز الأمن ممن لا يعترفون بالشرف العسكري وباتوا ينفذون هذه الأحكام في الشوارع دهساً بالسيارات، عندها نتساءل: هل من شك في وجود منهج الهدر والانتقام، وعندما يقوم متمرّدٌ على النظام بتجاوز حق الدفاع عن النفس ويقوم بحرق رجل أمن أو قتله، فهذا الفتى يحاول قدر المستطاع تجاهل رأي وأحكام الفقيه وازدراء نصائح الوكيل ويقوم بدفن الرسالة العملية في مقابر الجهل وينصب نفسه فقيهاً مزيّفاً لم يصدر إلا فتوى واحدة مفادها أن العامل في الجهاز الأمني مهدورٌ دمه.
لم توفّق السلطة الأمنية في تعاملها وتدابيرها بشأن التحريض على ارتكاب الجنايات ضد الناس، وينبغي من السلطة القضائية التفكّر في آلية صنع قراراتها، وكان من الأولى أن تشير التدابير إلى التحرّك الفوري الحازم ضد أية جهة دينية أو إعلامية تحرّض وتشير بأدوات الكناية الضارة إلى دعوات التكفير والقتل والانتقام، كتعابير مسعورة منبعها توقف عمليات وحروب وانخفاض أعداد القتلى والشهداء، فالجملة حمّالة أوجه عند الجاهلين وذات وجه واحد عند سواهم، وتهدف إلى تبنيها وترجمتها على أرض الواقع من قبل المتجاوزين على أنها دعوة ضمنية للقتل خارج إطار القانون مع ضمان عدم المحاسبة، وما تفجير مسجد القطيف قبل أيام إلا مؤشراً ودليلاً على فحوى المقال، فحديث رجل المنبر يجب أن يكون منضبطاً لا غموض فيه، يتمايل بين اللين والشدة في ظل روحانية تعبدية نقية، عل وعسى أن يساهم هذا الكلام في حقن دم نفس واحدة، وما عسانا أن نقول إذا انتشر التهديد بالقتل عبر وسائل الإعلام المنفلت، وتطبيق ذلك التهديد قبل فترة بإطلاق النار على نوافذ أحد المساجد من سيارة سوداء معروفة دون رقيب أو حسيب.
إن السكوت عن فقه الهدر يساهم في رعاية الإرهاب المحلي والدولي بكافة أشكاله، ويشرّع لظاهرة العصمة الفئوية، ويشجّع على الخروج ضد أحكام الفقهاء والركون إلى الاحتياط الفاسد، فالساكت راضٍ والراضي راعٍ، والراعي لابد من مناصحته في السر والعلن قبل انفلات الأمر استعداداً لفتنة يعجز عن وصف ملامحها قلم جريح.
إقرأ أيضا لـ "معاذ المشاري"العدد 4645 - الثلثاء 26 مايو 2015م الموافق 08 شعبان 1436هـ
المسؤول الاول والأخير هو ألذ يسمح لهذه ....ان تتكلم على المنابر
وتطبع الكتب وتوزع مجان كلها لمحاربة الشيعة
مقال في الصميم
بارك الله فيكم وكثر الله من أمثالكم..
احسنت
رحم الله والديك على هذا الكلام الجميل
الف تحية
نتمنى لك التوفيق والنجاح في توصيل الفكر المعتدل وان يكون عودا حميدا والاستمرارية في الكتابه متاملين بجرئة قلمك في النقد البناء . تحياتي
هل يتطلب منا تهريب سلاح للدفاع عن النفس
الدنيا تغيرات لن يقف الشخص ليتم قتله بدم بارد وأقول هل يتطلب منا الاستعداد بكل الوسائل لدفاع عن انفسنا حتى وان اضطررنا لتهريب السلاح مثلا
تسلم يا خوي
شكرا لك ع الطرح السديد نتمنى مواصلة الطرح من قلمك وفكرك النير جزاك الله الف خير واحسان
كلام مؤثر ومؤلم ومعبر عن الواقع الدموي الذي نعيشه اليوم وكأننا
نعيش في غابة حيوانات وليس انظمة وحكومات وقوانين القرن 21 بصراحة اذا تشاهد المناظر البشعة والكلمات السوقية النابية التي تعرض في وسائل الاعلام تقول هل هذا دنيا انسانية وتكنلوجيا وابتكارات وابداع وتقدم ،اين هذا لما تصل الى دم الانسان المهدور ظلما الرخيص عند بعض البشر بينما هو اغلى شئ في الوجود ،الله سبحانة وتعالى كرمة على جميع الموجودات السماوية والارضية .
شكرا لكاتب المقالة ، كلمات تحكي الواقع المزري تستحق القراءة والتفكر والتمعن والتطبيق ، وشكرا لاسرة الوسط .
إن السكوت عن فقه الهدر يساهم في رعاية الإرهاب المحلي والدولي بكافة أشكاله،
إن السكوت عن فقه الهدر يساهم في رعاية الإرهاب المحلي والدولي بكافة أشكاله، ويشرّع لظاهرة العصمة الفئوية، ويشجّع على الخروج ضد أحكام الفقهاء والركون إلى الاحتياط الفاسد، فالساكت راضٍ والراضي راعٍ، والراعي لابد من مناصحته في السر والعلن قبل انفلات الأمر استعداداً لفتنة يعجز عن وصف ملامحها قلم جريح.
احسنت استاذ ونتمنى تطبيق القانون على الكل فقط
نحن بحاجة لتقريب وجهات النظر وليس بحاجة للشحن والتموضع مع هذا وذاك ,بناء الوطن يتطلب العدل بين الرعية والا حلت نقمة المظلوم وشاعت الفوضى والدمار .
(( وَقِفُوَهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ)).....