في الـ 24 من أبريل/ نيسان، (سنحيي) الذكرى المئوية لحدثين شكّلا التاريخ الحديث للأتراك والأرمن. الحدث الأول هو معركة غاليبولي التي دافع فيها الجيش العثماني عن مضيق جناق قلعة «الدردنيل» لكبح تقدم قوات التحالف الأوروبية، وكان دفاعهم هذا بطولياً بعد هزيمتهم في المعركة البحرية التي جرت في 18 مارس/ آذار 1915. ولو نجح الأوربيون في عبور الدردنيل حينها، لكان مصير الحرب العالمية الأولى ومستقبل الجمهورية الجديدة التي أقيمت في العام 1923، مغايراً لما حدث بالفعل بشكل قطعي وجذري.
وتقوم تركيا، منذ أكثر من 10 سنوات، بإحياء ذكرى يومي 24 و25 أبريل بوصفه يوماً عالمياً بمشاركة كل من بريطانيا وفرنسا وأستراليا ونيوزيلندا وغيرها من الدول. و(سيشارك) في الفعاليات التي تقام بهذه المناسبة في هذا العام، حوالي 90 دولة ومنظمة دولية.
الحدث المهم الثاني الذي وقع في 1915 كان قرار اعتقال بعض القادة الأرمن في إسطنبول ونفيهم إلى الأناضول. وتعتبر الأوساط الأرمنية هذا الحدث بمثابة بداية «الإبادة الجماعية الأرمنية». ولكن الحقائق ليست كذلك.
لقد قام الروس وبدعمٍ من وحدات الطاشناق الأرمنية، بشن هجومٍ على الحدود الشرقية لتركيا، ما أسفر عن سقوط بعض المدن العثمانية الواقعة بالقرب من الحدود الروسية في أيديهم كمدينة «وان» التي تتمتع بأهمية استراتيجية، وذلك في شهري أبريل ومايو 1915.
إجراء مكافحة العصابات
وللحؤول دون سقوط الجبهة الشرقية، قرّرت حكومة الاتحاد والترقي تهجير أعداد كبيرة من الأرمن كإجراء لمكافحة العصابات. وتسبب هذا القرار بحدوث حقبة مؤسفة شهدت الفوضى والتمرد والقتل، وذلك بعد أن ترافقت السياسة المتبعة في مرحلة الحرب مع شحّ الموارد والافتقار إلى الكفاءات التنظيمية. وخان الآلاف من الأتراك والأرمن والأكراد تاريخ تعايشهم المشترك في الأناضول والذي ملؤه الفخر والاعتزاز، وقتلوا بعضهم البعض.
معاناة الأرمن من مآسٍ كبيرة، حقيقة لا يمكن إنكارها. لقد اقتُلع الآلاف من الأبرياء من ديارهم، وأرسلوا إلى سورية والمناطق الأخرى من الإمبراطورية العثمانية، ما أدى إلى فقدانهم لحياتهم ولأحبائهم. وقبول هذه الحقيقة في تركيا كان في عداد المحرّمات لسنوات طويلة. ولكن الأمور تغيرت الآن، ولم تعد كما كانت في السابق.
لقد قبل رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان، عندما كان رئيساً للوزراء في العام الماضي، الآلام التي عانى منها الأرمن، وتقدّم بتعازيه لأبنائهم وأحفادهم. وكرر رئيس الوزراء أحمد داوود أوغلو رسالة السلام تلك والتي تتشاطر هذه الآلام، عبر البيان الذي أصدره بتاريخ 20 أبريل من هذا العام.
ولكن تلك الأحداث لم تكن إبادة جماعية. وهذه المزاعم التي تروّج لها مصانع الإبادة منذ السبعينيات تفتقد لعنصرين أساسيين: الأدلة التي تستند إلى التاريخ والأرشيف، والأساس أو المستند القانوني. وإطلاق بابا الفاتيكان والبرلمان الأوروبي المزاعم بأن المذابح الجماعية للأرمن «تعتبر أول حادثة إبادة جماعية وقعت في القرن العشرين»، ما هو إلا عبارةٌ عن فرض أمر واقع دون امتلاك أي دليل قانوني وتاريخي يستند إلى الأرشيف.
وفي الوقت نفسه، يقوم هذا الإدعاء وهذا الزعم بتجاهل المجازر الجماعية التي ارتكبتها القوى الغربية في نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين ضد المسلمين والأفارقة والآسيويين وسكان أميركا المحليين. ولكن هذه المعايير المزدوجة لم يكن لها أي تأثير لدى الكثير من الناس في تركيا وفي العالم.
مروّجو الإبادة الجماعية
يزعم مروّجو الإبادة الجماعية وجماعات الضغط قيام المؤرخين بتقديم الأدلة المتعلقة بالإبادة الجماعية، ولكن إذا ما عمّقنا الدراسة سنجد أن المصادر الأكاديمية تشير إلى عكس ما يقوله هؤلاء. فقد قام الكثير من المؤرخين البارزين مثل ستانفورد شو وبرنارد لويس وغوينتر ليوي وشين ماكميكين وجوستين ماك كارتي وأدوارد أريكسون ونورمان ستون وجيريمي سولت، بالإضافة إلى عدد كبير من المؤرخين الأتراك والعرب بكتابة أعمال عن الحرب العالمية الأولى والأرمن. ولم يستطع أي من هؤلاء المؤرخين إثبات المزاعم المتعلقة بالإبادة الجماعية، ولا إيجاد أي مستند لاتهامات قتل الأرمن أو أية طائفة أخرى بشكل مقصود وممنهج. والشيء نفسه ينطبق على المجال القانوني. فالإبادة الجماعية وفقاً لما نصت عليها اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها التي صادقت عليها الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام 1948، تشمل «الأفعال المرتكبة بشكل مقصود بغية القضاء كلياً أو جزئياً على طائفة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية».
وإضافةً إلى ما تقدّم، يتوجب إثبات هذه المزاعم عبر المحاكم. فالمحكمتان الجنائيتان الدوليتان اللتان أنشئتا من أجل رواندا والبوسنة، أقرّتا بكون المجازر التي وقعت في كلا البلدين على أنها إبادة جماعية. ولكن لا يوجد مثل هكذا قرار فيما يخص الأحداث التي وقعت في 1915. والخطب الدينية أو البيانات السياسية أو التصويت في البرلمانات لا تعد من قبيل القرارات القضائية.
وقد أصدرت محكمة حقوق الإنسان الأوروبية في الدعوى التي رفعها أمامها دوغو بيرينتشك، قراراً في شهر ديسمبر/ كانون الأول 2013، قضت فيه أن الأحداث التي وقعت في العام 1915 تختلف عن الإبادة الجماعية اليهودية، وأشارت إلى ضرورة بقاء هذا الموضوع محل «نقاش ساخن» بين المؤرخين. وتجريم رفض مزاعم الإبادة الجماعية يعتبر انتهاكاً لحرية التعبير.
وعلى الرغم من كل ذلك، لايزال البعض يتجاهل أعمال المؤرخين البارزين، ويتجنب ذكر عدم وجود أساس قانوني لمزاعم الإبادة الجماعية وفق ما تقتضيه مصالحهم. وهؤلاء الأشخاص يكرّرون الرواية المتداولة نفسها التي تلقى «قبولاً عاماً»، دونما تغيير ودون تقديم أي دليل.
والأسوأ من ذلك، هو أن هؤلاء الأشخاص يسعون اليوم إلى خلق انطباع مشوّه من قبيل أن الأرمن قد تعرّضوا للاضطهاد في تركيا، وأن الكتب المدرسية التركية خلقت حالةً من العداء تجاه الأرمن، أو أن تركيا لم تفتح أرشيفها. وكل ذلك غير صحيح. ويتم تحريف وتشويه الحقائق البسيطة بشكل لم يسبق له مثيل، وذلك من أجل دعم ومساندة صناعة لا تخدم أي هدف سوى خلق حالة العداء بين الأتراك والأرمن.
الأرمن المحترمون
اتخذت الحكومة التركية خطوات مهمة خلال الأعوام العشرة الماضية لتحسين أوضاع المواطنين الأرمن. فعلى سبيل المثال، تمت إعادة ممتلكات الأرمن التي تم الاستيلاء عليها في ثلاثينيات القرن الماضي، وترميم وافتتاح كنيسة أقدمار الواقعة في جزيرة ضمن بحيرة «وان»، وتوسيع نطاق الحقوق الاجتماعية والسياسية للأرمن، والسماح لهم في افتتاح المدارس والمستشفيات.
وتركيا -ككل- تقدّر وتثمّن الإسهامات التي قدّمها مواطنوها الأرمن في العديد من المجالات كالمجال الدبلوماسي وقطاعات الأعمال والرياضة والسينما والموسيقى والفنون والأدب والهندسة المعمارية.
وأخيراً، إنه لوضع مؤسف وأليم أن تنغلق الحكومات الأرمنية المتعاقبة على نفسها انطلاقاً من مفهوم يستند إلى تاريخ محرّف، وأن ترفض إنهاء احتلالها للأراضي الآذرية، والذي يعتبر شرطاً لازماً من أجل المباشرة في تنفيذ بروتوكولات زيورخ التي وقعت في العام 2009 من أجل تطبيع العلاقات بين تركيا وأرمينيا، وأن تهدر العديد من الفرص لبناء علاقات جيدة مع تركيا.
لقد رفضت يريفان صراحةً البيان التصالحي الذي أصدره الرئيس أردوغان في العام الماضي. كما أن يريفان مازالت ترفض ولغاية اليوم، الاستجابة لدعوة الرئيس أردوغان التي أطلقها لأول مرة في العام 2005 لتشكيل لجنة مستقلة من المؤرخين الدوليين مهمتها التحقيق في الأحداث التي وقعت في العام 1915. وهنا لابد للمرء أن يتساءل: كيف لهذا الموقف الرافض أن يعود بالفائدة على أرمينيا أو على الأرمن في جميع أنحاء العالم.
ما حدث في 24 أبريل 1915 في غاليبولي والأناضول هو خسارةٌ مشتركةٌ لنا جميعاً. وكلتا الحادثتين تظهران الرحمة والعفو والتفهم. أما العمل على خلق حالة من السباق فيما بين الآلام والمآسي وزرع بذور العداء، فيعتبر أمراً خاطئاً وغير إنساني. ويجب على الجميع أن يستذكر الآلام التي عانى منها الأرمن خلال الحرب العالمية الأولى، مثلها في ذلك مثل الآلام التي عانى منها الأتراك وغيرهم من المسلمين خلال تلك الحرب. أما العمل على شيطنة الأتراك فلن يحقّق أية نتيجة مأمولة.
والرأي التاريخي العادل والمتوازن، والخالي من الحملات العدائية ومن الألاعيب، من شأنه أن يساهم في تقبل الآلام المشتركة التي عانى منها الأرمن والأتراك على حد سواء، وفي إحيائهم سويةً لذكرى تلك الآلام والمآسي.
إقرأ أيضا لـ "إبراهيم كالين"العدد 4643 - الأحد 24 مايو 2015م الموافق 06 شعبان 1436هـ
مافي دخان بلا نار
مما لا شك فيه ان الجيش التركي اقترف تلك المآسي للأسف
نصيحة
لماذا لا تعترفون بجرائمكم وعفا الله عما سلف؟ اما الاصرار على التضليل والتمويه فلا يخدم الحقيقة ابداً. وللاسف هذه سياستكم . تدعمون الارهابيين والقتلة في سورية وتخرج حضرتك شخصياً لتنفي انكم تدعمونهم . كيف نصدقكم؟
مذابح العثمانين
لقد ذبح سليم القانوني 70 الف علوي شيعي من رعاياه بلا سبب وهو رايح لمحاربة الصفوين