العدد 4641 - الجمعة 22 مايو 2015م الموافق 04 شعبان 1436هـ

بيتي في «الخيانة» «عبقرية الهزل» في قضايا العِرْق

يُمكن سماع صوت الخوف في كتبه...

بول بيتي
بول بيتي

السخرية اللاذعة، والتهكُّم الذي تتسع دلالاته، نادران هما، وخصوصاً حين يتعلق الأمر بالممارسات العنصرية، والحطِّ من عرْق بعينه». لا شخص عنصرياً وراء ذلك؛ بل من ورائه شخص هو واحد من ضحايا الممارسات العرْقية والعنصرية البغيضة، ضمن ملايين في المجتمع الأميركي، الذين يشكِّلون ما يتجاوز 12.6 في المئة، وتحديداً 38,929,319 أميركياً من أصل إفريقي، من مجموع السكَّان؛ بحسب إحصاءات العام 2010.

الشاعر والروائي الأميركي بول بيتي، يطلع على قرَّائه بذلك التهكُّم والسخرية، من خلال روايته «الخيانة»، التي احتفى بها النقَّاد والأوساط الأدبية احتفاء كبيراً.

بيتي، ومنذ أن كان طالباً في المرحلة الابتدائية، كانت لديه تلك الروح المتمرِّدة الساخطة، التي لا تخشى من إعلان مواقفها.

وصفه جون ويليامز في «نيويورك تايمز»، بأنه «الروائي الذي يُحوِّل بقرة مُقدَّسة إلى قطعة هامبرغر من خلال جملة واحدة». وكما قال عنه وليامز، إن للخوف صوتاً يمكن سماعه في كتبه.

الرواية تدور أحداثها في منطقة ديكنز، بجنوب لوس أنجليس بولاية كاليفورنيا. يوظِّف فيها بيتي لعبة الراوي الذي يتحكَّم ويدوزن السرد والأحداث فيها. الفارق يكمن في تحوُّل استبدال دور الراوي في بعض فصولها، انتقالاً إلى والد الراوي، الطبيب النفسي، الذي يسعى إلى أن يكون ابنه مركز تجاربه. يعمد إلى سلب ابنه في الشارع بطريقة عنيفة، محاولة منه لقياس حجم ومستوى التعاطف الذي يمكن أن يصدر من المارَّة. ما حدث أن المارَّة قاموا بالإبلاغ عن الحادثة.

الرواية تناولتها المراجعات في عدد من الصحف الأميركية الكبرى، وحتى الموقع الشهير «أمازون»، الذي قدَّم لها بالقول: «الرواية تتناول بهجاء لاذع قصة شاب نشأ معزولاً وتتمُّ محاكمته على أساس عرْقي في المحكمة العليا. يعرض بيتي في «الخيانة» عبقرية الهزل في الذروة من لعبته الروائية.

قيل عن الرواية بأنها تتحدَّى المعتقدات التي تصل حد التقديس لدستور الولايات المتحدة، تتحدَّى الحياة الحضرية، وحركة الحقوق المدنية، والعلاقة بين الأب وابنه، والكأس المقدَّسة التي يتوهَّم كثيرون أنها تتيح نوعاً من المساواة العرقية، تتناول كذلك المطعم الصيني الأسود.

أكثر ما يبدو صوتاً عالياً في الرواية، ضمن مجموعة من الأصوات في ما تُمرِّره من قيمة، وفي ما يقوله الراوي ما نصُّه: «لقد أزيلت ديكنز من الخريطة لتجنيب كاليفورنيا مزيداً من الإحراج».

جون ويليامز، من صحيفة «نيويورك تايمز» كتب مراجعة في عدد يوم الاثنين (2 مارس/ آذار 2015)، نورد خلاصتها هنا.

نص على الحافلة

حتى في المدرسة الابتدائية، عرف الروائي بول بيتي كيفية خلق تموُّج وحِراك بالكلمات. أشار بيتي مؤخراً، في أحد المقاهي بالقرية الغربية، في استدعاء لمشاهد وصور ومواقف من طفولته، إلى حضور مخيَّم صيفي في سانتا مونيكا بكاليفورنيا، حيث قام هو وغيره من الأطفال بتزيين الحافلة من الخارج بأسلوب «الهيبيز». خطَّ بيتي قصيدة عن الشرطة أعلى الحافلة تلك، وعلى الطريق الذي تسلكه، جذب شِعْره بشكل فعلِّي انتباه الشرطة.

قال: «أتمنَّى لو تمكَّنت من تذكُّر القصيدة» مضيفاً «فيها شيء ما من (خنازير)، (زغَب). ربما كانت تتكوَّن من أربعة سطور. طلبوا منِّي الخروج من الحافلة ومحو واحدة أو اثنتين من الكلمات تلك».

الروح التحريضية تجعل رواية بيتي حيويَّة. المؤلف الذي يبلغ من العمر اثنتين وخمسين عاماً، صدرت له قبل فترة وجيزة رواية «الخيانة» عن دار فارار، شتراوس وجيرو، وهي الرابعة في سجلِّ إبداعه، والأولى منذ سبع سنوات. إنها تتكئ على تقرّحات الماضي والحاضر المرتبطين بموضوعة العرْق الأميركي، وهي لا تستثني أحداً، ولا تقدِّم درساً في التقوى. دوايت غارنر، في استعراضه بصحيفة «نيويورك تايمز»، كتب، إن الثلث الأول من الرواية «يُقرأ مثل المونولوجات الأكثر ارتجاجاً؛ أضف إلى ذلك مقابلات مع كريس روك، ريتشارد بريور وديف شبيل، كل ذلك مغلَّف ومحاط بسخرية مُدهشة تقودنا إليها الحساسية الأدبية والتاريخية».

قياس التعاطف

رواية «الخيانة» تدور أحداثها في منطقة ديكنز، في القسم شبه الزراعي من جنوب لوس أنجليس، بولاية كاليفورنيا. والد الراوي، وهو طبيب نفسي، تتركَّز تجاربه عند نقطة واحدة وبشكل جذري على ابنه. يقوم بسلب ابنه في الشارع بطريقة عنيفة لقياس التعاطف عند المارَّة. (يبلغ المارَّة عن الحادثة».

الأب قُتل في نهاية المطاف على يد الشرطة بعد توقف روتيني عن إشارة ضوئية. يكبر الراوي ليصبح مُزارعاً في المناطق الحضرية وباحثاً اجتماعياً مجنوناً. مقدِّمة الرواية، تُخبرنا أنه يُحاكم في المحكمة العليا بالولايات المتحدة لإحيائه ممارسة التمييز العنصري في بلدته، وامتلاكه رقيقاً.

يُضيء بيتي جوانب من الرواية بالقول «أعتقد أن كل شيء هزلي ضمن مستوى ما. ليس كل شيء، ولكن الكثير من الأشياء التي تناولتها الرواية».

مَاتْ جونسون، بما في ذلك روايته «بيم» والأخرى التي تُوشك على الصدور «حُبُّ يوم»، يكتب أيضاً بجرأة عن القضايا الحسَّاسة تلك التي تحيط بموضوعات العرق والهوية.

قال في رسالة بالبريد الالكتروني إن بيتي «يتوجَّه في ضرب الأمثلة المرتبطة بالعِرْق والهوية إلى الكاحلين، فيما الفرح يُراقبهم وهم يتداعوْن».

وأضاف «جحافل في موقع تويتر تمضي اليوم بأكمله في محاججة وإدانة بعضهم بعضاً في سلوك لا يبتعد عن ازدراء الهوية المُتخيَّلة، وموضوعات العنصرية أو غير ذلك. رواية بيتي هي تذكير جميل بأنك في بعض الأحيان تستطيع أن تقول الكثير من خلال الضحك على نفسك بدلاً من الصراخ على الجميع».

البقرة المقدَّسة والهمبرغر

بيتي يمكن أن يُحوِّل بقرة مُقدَّسة إلى قطعة من الهامبرغر من خلال جملة واحدة فقط. في «الخيانة»، وكما كتب «إن «الفائدة الوحيدة الملموسة للخروج من حركة الحقوق المدنية هي أن السود لم يعودوا يخافون الكلاب كما كانوا من قبل».

في عرْضه لـ «السخف»، وهو مختارات العام 2006 من فكاهات الأميركيين الأفارقة، والتي قام بتحريرها، كتب بيتي، إنه قرأ في بداياته كتاباً لمؤلفة أميركية إفريقية في الصيف، - وكان وقتها بين الصفين الثامن والتاسع - الكاتبة تُدعى مايا أنجيلو في «أنا أعرف ... لماذا يغني الطير الحبيس».

وقال بيتي، إنه لايزال يعتقد بأن «السود يتحدَّثون عن السواد كثيراً، ولكنهم لا يتحدَّثون عنه من هذا القبيل. إنه حديث إما أن يكون هابطاً جداً؛ أو يحمل سمة الجدية أو يتم تشييؤه، أو يكون بين هذا وذاك».

بشكل شخصي، ثرثار هو بيتي، ولكنه حذِر، مقارنة مع طبعه الظريف، وصوت الخوف الذي يمكن سماعه في كتبه.

يُذكر، أن الكاتب والشاعر بيتي من مواليد العام 1962. هجر والده العائلة عندما كان في الثالثة من عمره، وتولَّت والدته (إيفون) تربيته مع شقيقتيه.

بدأ الكتابة في منتصف العشرينات من عمره، مستلهماً ذلك من الشعر الذي كان يقرؤه، وشملت قراءاته: إي إي كومينغز ومختارات من الهايكو ومجموعة بعنوان «أصوات سوداء جديدة». برز للمرة الأولى على الساحة كشاعر في «نيوريكان» مطلع تسعينيات القرن الماضي، ولكن في جزء منه كان مُحبَطاً، فزاد من تركيزه على الجوانب الأدائية من القراءة. بدأ في نهاية المطاف كتابة ما يشبه الشظايا أو الومضات، والتي قال عنها: «لم أشعر بأنها تشبه الشعر».

قبل تحوُّل بيتي إلى الكتابة، حصل على شهادته الجامعية الأولى من كلية بروكلين وعلى درجة الماجستير في علم النفس من جامعة بوسطن؛ لكنه ترك الجامعة قبل إكمال درجة الدكتوراه.

في الثمانينيات، قال، وفي البيئة التي ينتمي إليها: «كان هناك الكثير من العنصرية. هذا عنصري، وهذا عنصري، وهذا عنصري...» مضيفاً «ولكن لم أكن أعرف ما الذي يعنيه ذلك. كيف يمكنك قياس العنصرية؟».

يشار إلى أن «شهر تاريخ السُود»، يتم الاحتفال به في شهر فبراير/ شباط من كل عام، لاستذكار الصراعات والانتصارات التي خاضها وحققها ملايين المواطنين الأميركيين في وجه المعوقات والمآسي التي مرَّت بهم، وتصدِّيهم للعبودية والتحيُّز والفقر، ويتفحَّص الشهر ما قدَّموه من إسهامات في أميركا من جوانب عديدة.

العدد 4641 - الجمعة 22 مايو 2015م الموافق 04 شعبان 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً