العدد 4641 - الجمعة 22 مايو 2015م الموافق 04 شعبان 1436هـ

الموسوي: أكتب لأني مذعور

في نهاية موسم «شهادات إبداعية»...

المنامة - وجود للثقافة والإبداع 

22 مايو 2015

في ختام الموسم الأول من «شهادات إبداعية في التجارب البحرينية» التي تنظمها وجود للثقافة والإبداع بالتعاون مع دار فراديس للنشر والتوزيع تحدث القاص عبدالعزيز الموسوي مساء الإثنين الموافق 18 مايو/ أيار 2015 عن تجربته في الكتابة معرجاً على مسألة التأثر بالآخر والخروج من القوقعة للعالم المفتوح «مثلُ سائرِ البشرِ التي تعيشُ في دوائرِها الخاصة، تنظرُ للدوائرِ الأخرى كأنها جرمٌ لا يتوجبُ الاقترابُ منه، دائرتي كانت محافظةً لكنها أقلُّ تزمتاً في بيتِنا الكبير، اكتشفتُ روعةَ الكتبِ في رفِّ والدي الوحيد، والصوتَ العراقيَّ المنفلت من مسجِّلاتِ أعمامي، قرأتُ في الدائرةِ المغلقةِ مجموعةً من الكتّاب الذين ينتهجون مبدأَ الوعظِ المغلفِ بالأدبِ أمثالِ كمال السيد، مي الحسيني، خولة القزويني، بنت الهدى، القصص العجيبة... إلخ، لكني لم أكتشفْ لذةَ الكتابةِ الأدبيةِ إلا حين خرجتُ من الدائرةِ، متأخراً، لعالمٍ لا يمكنني وصفُه واللحاقُ به، يسيلُ من الكتبِ لعابُ المفردةِ الأخاذةِ، الأفكارِ المدهشةِ، والأهمُّ تلك المسافةُ الشاسعةُ التي يتركُها الكاتبُ للقارئ، ليقولَ له أنتَ سيدُ نفسِك لا أحد يوجهُك لحيثُ يريدُ حتى لو كان كاتباً، فالكتّابُ ليسوا أنبياء، تأثرْ بمن تشاءُ واحذفْ من ذاكرتِك من تشاء.

خرجتُ من هذه الدائرةِ الوعظيةِ الضيقة، لكن كان من الصعبِ التخلصُ من الكائنِ الوعظيِّ الذي نما دون قصدٍ بالداخل، حين أعاودُ قراءةَ نصوصي السابقةِ أجدُه يطفو دون وعيٍ رغم حرصي الشديدِ على بترِ أيِّ أثرٍ له وهي مهمةٌ مستمرةٌ الآن بوعيٍ أكثر.

أذكرُ عبارةٌ لفيكتور هيجو «الموتُ ليس شيئاً ذا بال، الشيءُ الرهيبُ فعلاً هو أن لا تعيش» وهذا يشيرُ لتأثري بهذا الكاتب، لكننا لا نعلمُ حقيقةً بأيٍّ من الكتّابِ تأثرْنا، فالتأثيرُ شيءٌ نسبيٌّ وقد لا يظهرُ إلا بعد سنوات، لذلك أستطيعُ أن أقولَ مطمئناً أن نسبةً من التأثرً قد أصابتني من كلِّ كتابٍ إذا ما عرفنا أن القاتلَ يعلقُ فيه من كلِّ مقتولٍ شيءٌ ما، نظرةُ ذهول، كلمةٌ لم تكتمل، صوتُ صرخة... نحن نحملُ أشياءَ كهذه من كلِّ كتاب، الفرقُ أن هناك تأثرٌ خفيّ يظهرُ بعد المعالجةِ والاختلاطِ بذاتك أنت فلا يلاحظ هذا التأثرَ أحد، وهناك تأثرٌ مفضوحٌ جداً لدرجةٍ تجعلُ من صاحبها نسخةً رديئةَ الشكلِ وإن كان مضمونُها جيداً، علينا أن لا نكابرَ وإن كنا لا ندري بمن تأثرْنا، أن التأثيرَ والتأثرَ مسألةٌ طبيعيةٌ وعلينا أن نعيها ونتعاملَ معها بوعيٍ وهذا ما يشكلُ الفارق».

تحدث أيضاً عن وجوب إيمان الكاتب بنفسه أولاً وعدم تسليم أمره لأحد ولو كان الناقد نفسه: «ثمّةُ نوعان من التشجيعِ الأولِ يأتي قبلَ الكتابةِ والآخرُ يكون بعدها، وأعتقدُ أن النوعَ الثاني هو الذي ربّت على قلمي، لكن - وهذا ما حصلَ - عليك بالإيمانِ بنفسِك قبل أن يؤمنَ بك أحد، أو تطالبُ بأن يؤمن بك أحد، هذا العالمُ قاسٍ إذا تركت نفسك هشّاً ستقتاتُ منك البراغيثُ بداعي النقدِ والتوضيح، وبدواعي الصقلِ والتقويم، كثيرةٌ هي البراغيثُ التي تعتاشُ على الورق، فإذا لم تكن واعياً وتستطيعُ التفريقَ بين من يمدُّ يدَه إليك وبين من يشدُّك نحو الهاويةِ ستظل زمناً تراوحُ مكانَك، سيصنعون منك مسخاً ولن تجدَ نفسَك مهما ركضتَ ومهما صرخت، لتكتبَ عليك أن تكون صوفياً يعتمدُ على قلبِه، فالبصيرةُ هي التي تقود، لا تدعْ أحداً يحشو ذاكرتَك لأنها كلُّ ما تملكُ للخروجِ من النفق، والعتمةُ هي ألا نكتب، فالشمسُ إذا غربت والقمرُ إذا احتجب، والمصباحُ إذا انطفأ، نستطيعُ من خلالِ الكتابة، بالكتابةِ وحدَها أن نشرقَ بالشمسِ وأن ننيرَ القمرَ ونشعلَ المصباح.

حين كتبتُ مجموعتي الثانية «طلقات» 2010م كانت عفويتي في الكتابةِ قد ابتعدت عني لأني قرّبتُ دونها رأيَ النقاد واهتممتُ بالنخبِ من القراء، وهذا أمرٌ طبيعيٌّ أو بعبارةٍ أصح دارجٍ في أوطانِنا العربية التي لا يكونُ للقارئِ حضورُه الطاغي الذي يسعفُ أو يقتلُ كتاباً ما. هكذا وجدتُ عدّةَ أشخاصٍ يهتمون بتقديمِ النصحِ في شكلِه والطلبِ في مضمونِه، عندما يقدمُ ناقدٌ ما نصيحةً هو في الحقيقةِ يطلبُ منك اتّباعَ رأيِه في اتخاذكَ للطريقِ نحو الإبداعِ الذي يراهُ أنسبَ، أفضلَ، أصحَّ، ولأنك مأخوذٌ بمن يهتمُّ بما تكتبُ تتركُ عقلَك مفتوحاً لكل الإرشاداتِ دون فحصِها أو تنقيحِها. لذا عندما تحاولُ الكتابةَ من جديدٍ تجدُ عوائقَ لم تكن موجودةً من قبل، تجدُ النقادَ والنخبَ عند كلِّ سطرٍ ونهايةِ كلِّ فقرةٍ ينتظرونك بعصيّهم وسياطِهم.

بكلِّ بساطةٍ صرتَ تكتبُ من أجلِ أن يرضى عنك آخرون وهذا مدمرٌ فعلاً أن لا تكتبَ لترضي نفسك.

العودةُ للعفويةِ صعبةٌ، أشبهُ بأن تكونَ حيواناً بريّاً ثم يتم اصطيادُك، وترويضُك، وبعد ذلك يطلقونك من جديد، ورغم أنك حرّ تشعرُ بأن ثمّة شيء تغيّرَ بداخلِك، أعني الحرّيةَ البريّةَ الأصيلةَ، رعونتَك العفوية، حماقاتِك الجامحة.

الناقدُ هو من يروّضُ بريّتَك الإنسانية ويقلّمُ مخالبَك اعتقاداً منه أنه يعرفُ طريقةَ الحياةِ المثلى وهذا محضُ هراء، هو لا يريدُ أن تخدشَه أو تغرزَ به أنيابُك، يريدُ كائناً مروضاً يسهلُ تعليمُه ما يريد. الكاتبُ يجبُ ألا يكونَ مزعجاً للسلطةِ وحَسْب بل للنقادِ أيضاً.

الناقدُ اليوم أشبهُ بمصارعٍ ضخمٍ مفتولِ المصطلحات، تصعبُ هزيمتُه، لكنه بلا أسنان ويعجزُ عن قضمِ جزرة.

عندما يحصلُ اتفاقٌ جماعيٌّ على نصٍّ واحد فإن هناك خللاً حتماً، إما أن يكونوا جميعُهم مخابيلَ أو أن النصَّ ميّت.

الميّتُ لا يمكنُ إلا أن يجمعَ على موتِه الجميع، لكن من هو داخلُ غيبوبةٍ أو يعاني من مرضٍ ما أو من يتمتعُ بصحةٍ جيدةٍ لا يمكن إلا أن يختلفَ وصفُنا وتأويلُنا لهم بالشكلِ والمضمونِ، نعرفُ إذا ما نامَ الإنسانُ لكننا لا نعلم بأي كارثةٍ كان يحلم؟

الكائنُ الحيّ لا يمكنُ الإجماعُ عليه لأنه متغيّرٌ وكلٌّ بحسبِ خلفيتِه الثقافيةِ والمعرفيةِ ينظرُ إليه فيحصلُ الاختلافُ الطبيعي. النصُّ الميّتُ وحده يحصلُ على إجماعٍ برداءتِه أو جودتِه، وأغلبُ النقادِ لا يرغبون بنصٍّ حيّ، يريدون جنازةً لـ( يشبعون فيها لطماً).

طبعاً أتحدثّ هنا عن الناقد الذي يصاب تماماً كما يمرض المؤلف بعدّة أمراض كـ (غرور، أنانية، وهم، شخصنة...) ولا أتحدث عن العملية النقدية نفسها التي نصلي من أجل أن نجدها ضمن مشروع جاد وجماعي».

أيضاً تحدث الموسوي عن رؤيته للقصة: «لماذا القصة؟

كنتُ أعتقدُ أن كتابتي للقصة يكمن سببُها بأن نفسي قصيرٌ في الكتابة، لكن بعد خوضِ تجربتي في كتابةِ الرواية، الأمرُ ليس له علاقةٌ بالنفسِ في الكتابة بل فيما تريدُ إيصالَه من خلالِها والشكلِ الأنسبِ لها لتصلَ كما تريدُها أنت، لا كما يرغبُ القارئُ بها، وهذا لا يعني أن نضربَ بما يريدُ القارئُ عرضَ الحائط، لأننا في نهايةِ الأمرِ شركاء في هذا الجرمِ أياً كان شكلُه أو أسلوبُه.

الذاكرةُ مجموعةُ قصص، لتكتبَ قصةً جيدةً عليك البدءُ من ذاكرتِك، لأنها لن تخونَك أبداً، القصةُ تصقلُ فيك المكانَ وتلاصقُك بالشخصية، وتعلمكَ مهارةَ الحبكةِ بمساحةٍ قياسيةٍ، لا أجدُ تفضيلاً ولا امتيازاً حقيقياً للرواية، وأعللُ هذا التفضيلَ - كما يقولُ جورجُ أورويل أيضاً - « إن سألتَهم عن السبب - تفضيلُ الروايةِ على المجموعةِ القصصية - أحياناً يشرحون لك إن التعودَ على مجموعةٍ جديدةٍ من الشخصياتِ في كلِّ قصةٍ يتطلبُ جهداً كبيراً، يعجبُهم «الاندماج» بروايةٍ لا تتطلبُ جهداً إضافياً بعد الفصلِ الأول».

شعرتُ بالظلمِ الكبيرِ الذي يقعُ على مجموعةِ قصصٍ يضمُّها كتابٌ واحد، لأني أجدُ أن لكلِّ قصةٍ الحقَّ في أن تأخذَ مساحتَها الخاصة، والشعورَ بشخوصِها وعدمَ مقارنتِها بقصصٍ أكثر تشويقاً أو أقل امتاعاً، يجبُ أن نشرّعَ كلَّ أبوابِ التأويلِ للقصةِ ونفتحّ نوافذّها المغلقة، ونتلمسَ أثاثَها، ونسكنَ زمنَها ثم نحكمَ عليها.

القصةُ هي التي تخلقُ روايةً وليس العكس، القصةُ هي المشهدُ على المسرحِ واللقطةِ في الفيلم، والفكرةِ في الأغنية، القصةُ هي ما يدورُ من حولنا كلَّ يومٍ، كلَّ ساعةٍ، كلَّ لحظةٍ، كهذه اللحظةِ تماماً أنتم قصصٌ مدهشةٌ فعلاً».

العدد 4641 - الجمعة 22 مايو 2015م الموافق 04 شعبان 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً