العدد 4641 - الجمعة 22 مايو 2015م الموافق 04 شعبان 1436هـ

بين القلعة والحلة: العيونيون وسر العاصمة الغامضة

قبور لها ساجات متدرجة في المقبرة الإسلامية في رأس القلعة (kervran 2005)
قبور لها ساجات متدرجة في المقبرة الإسلامية في رأس القلعة (kervran 2005)

لا يعرف أي شيء عن الاستيطان في الحقب الإسلامية المبكرة على جزيرة البحرين الكبرى، باستثناء، وجود مناطق محددة، سبق الحديث عنها، ظهرت فيها آثار الاستيطان في قرابة القرن التاسع/العاشر الميلادي. ويرجح Insoll وجود مدينة إسلامية مبكرة تمتد من موقع عين أبي زيدان وتمتد شمالاً لتشمل منطقة سوق الخميس ومسجد الخميس، وكذلك شمال مسجد الخميس. وبحسب نتائج التنقيبات التي أجراها Insoll في هذه المنطقة، فإنه يرجح أن هذه المدينة كانت عاصمة أوال في الفترة ما بين القرنين التاسع والحادي عشر الميلاديين (Insoll 2005, pp. 54-56). إلا أن أهمية هذه المدينة بدأت تتناقص؛ وذلك بسبب ظهور عاصمة تجارية أخرى، والتي أخذت موقع الصدارة في الحقب الإسلامية اللاحقة

(Insoll 2005, pp. 54-56).

في النصف الثاني من القرن الحادي عشر، بدأت مدن جديدة بالظهور والتطور في البحرين، وكان من أهمها تلك التي بنيت في المنطقة الواقعة بين ساحل قرية القلعة الحديثة وقرية حلة العبد الصالح. وهذه المنطقة لم يتم دراستها بالكامل بصورة منظمة وممنهجة، ولذلك ظهرت العديد من الإشكالات في تحديد زمن الاستيطان في تلك المنطقة. وبصورة عامة، تكمن هناك مشكلة في دراسة اللقى الآثارية التي تعود للفترة ما بين القرنين الحادي عشر والرابع عشر (التي تشمل حقبة الدولة العيونية) في منطقة البحرين الكبرى. ويعود ذلك لأسباب عدة، منها، قلة الفخار المستورد في هذه الحقبة؛ وذلك بسبب عدم وجود قوة محلية تسيطر على كل الإقليم (Potts et al. 1978)، (Whitcomp 1975). وكذلك بسبب تقسيم الحقب الإسلامية لفترات عائمة يصعب معها تصنيف الفخار بصورة دقيقة (Kennet 2004, pp. 109-110).

لهذه الأسباب، نجد عدم وجود اتفاق في تحديد تاريخ محدد للاستيطان للمناطق التي تعود لحقبة الدولة العيونية في البحرين، وكأن البحرين تخلو من آثار حقبة الدولة العيونية. وسوف نتناول هنا تفاصيل المدينة التي بنيت ما بين القلعة والحلة، والتي اعتبرت عاصمة البحرين في الحقبة ما بين القرنين الحادي عشر والسابع عشر الميلاديين.

الآثار الإسلامية في قرية القلعة

اكتشف في موقع قلعة البحرين آثار مدينة إسلامية، وقد اعتبرت هذه المدينة، من قبل بعثات التنقيب الفرنسية والدنماركية، أنها عاصمة البحرين في الحقبة ما بين القرنين الحادي عشر والسابع عشر الميلاديين. وتتكون هذه المدينة من حصن يقع على ساحل البحر مباشرة، ومدينة مسورة بها سوق مركزية ومسجد ومبانٍ أخرى مختلفة، ولها، كذلك، مقبرة.

ويعتبر الحصن الإسلامي، الذي لم يتبق منه إلا آثار أساساته، أقدم بناء إسلامي في موقع رأس القلعة. وترجح Kervran في تقريرها الأولي بشأن هذا الحصن، أنه بني في حقبة السيطرة القرمطية على البحرين أي في القرن العاشر الميلادي؛ فقد كانت هناك حاجة ماسة لتحصين جزيرة البحرين ضد الغزو الخارجي (Kervran et. al. 1982, p. 74). إلا أنها في تقريرها النهائي بشأن هذا الحصن أرجعت بناءه للحقبة الساسانية (قبل الإسلام)، وقد أعيد ترميمه في النصف الثاني من القرن الثالث عشر (Kervran et. al. 2005). وتتفق Frifelt، من البعثة الدنماركية، مع Kervran ولكن في تقريرها الأولي؛ حيث إن أقدم فخار عثر عليه في الحصن يمكن أن يعود للقرن الحادي عشر/ الثاني عشر الميلادي (Frifelt 2001, p. 35). وترى Frifelt أنه بعد زوال السيطرة القرمطية من البحرين، تم ترميم الحصن الإسلامي وتحويله لمركز تجاري، يضم عدداً من الغرف، ربما لأغراض إدارية، إضافة لتسع غرف تم تحويلها إلى مدابس (مصانع الدبس). كذلك، ترى Frifelt أنه في الفترة نفسها التي تم فيها بناء الحصن، تم، بالقرب منه، بناء مدينة ضخمة مسورة، بها سوق مركزية، ومسجد ومبانٍ سكنية عدة. بينما ترى البعثة الفرنسية أن هذه المدينة/ القرية الإسلامية قد بنيت في بداية القرن الرابع عشر، إبان السيطرة السلغرية، متجاهلة في ذلك الحقبة الممتدة من طرد القرامطة وحتى بداية السيطرة السلغرية (Kervran et. al. 2005, p. 329). في الواقع، البعثة الفرنسية تؤكد في تقريرها عدم وجود آثار في منطقة رأس القلعة تعود للحقبة ما بين 400م - 1250م (Kervran et. al. 2005, p. 283).

هذا، وقد كشفت نتائج التنقيب للبعثة الفرنسية في موقع قلعة البحرين عن وجود مقبرة إسلامية ضخمة، لا يعرف بالتحديد عدد القبور فيها؛ حيث إنه لم يسمح لأحد بالتنقيب فيها (Kervran 2005, pp. 334-– 342). وتضم هذه المقبرة مئات القبور، وقد دمر عدد كبير منها، ودفن الباقي تحت الأرض، ولا يعلم بالتحديد كم عددها. وكل ما يعرف أنها شبيهة تماماً بالمقبرة الإسلامية في سار ومقبرة أبي عنبرة وبقية القبور الشيعية القديمة التي عثر عليها في مناطق مختلفة من البحرين (Kervran 2005, pp. 334 - 342)). كذلك، فإن هذه المقبرة مقسمة إلى قسمين أساسيين، القسم الشرقي، وهو قسم تدفن فيه عامة الناس في قبور عبارة عن لحود غير مبنية، أما القسم الغربي ففيه أضرحة وقبور لها ساجات.

آثار الاستيطان في حلة العبد الصالح

أول من نقب في موقع حلة العبد الصالح هو Cornwall وذلك في العام 1941م؛ وبالتحديد المنطقة التي تبعد قرابة 300 متر شمال التلال الأثرية في المقشع، والتي أشار لها Cornwall باسم التلال غرب مروزان (Porter and Boutin 2012). وفي هذه المنطقة اكتشف Cornwall بقايا مبنى «يبدو أنه يعود إلى تاريخ قديم (كورنوول 1999، ص 54). وفي البحث الذي نشره Cornwall في العام 1946م وضع صورة لتلك الآثار وقال إنها تعود لحقبة ما قبل الإسلام (Cornwall 1946). وقد أعيد التنقيب في الموقع الذي نقب فيه Cornwall، وتم نشر صورة لهذا الموقع في كتاب الشيخة مي الخليفة «من سواد الكوفة إلى البحرين» وقيل عنه إنه «مجلس العقدانية» الذي يجتمع فيه القرامطة (الخليفة 1999، ص 251). وفي العام 2010م تم اكتشاف موقع أثري آخر بالقرب من هذا الموقع، وتم التنقيب فيه، وقد نشرت وزارة الثقافة والإعلام تعميماً بشأن هذا الكشف نشر في الصحف المحلية بتاريخ 2 مايو/ أيار 2010م جاء فيه:

«تم الكشف عن مبانٍ تاريخية في الموقع (أي موقع حلة العبد الصالح) أبرزها مبنىً كبير عبارة عن حصن مدعم ببرج دائري مع تفاصيل لحجرات ومرافق وغرف للعيش مع وجود عدد من الحمامات والبرك... والفترة الزمنية التي من المحتمل أن تكون عائدة إلى القرن الخامس عشر الميلادي» (صحيفة «الوسط» 2 مايو 2010م).

موقع إسكان القلعة

لقد كانت قرية القلعة القديمة عبارة عن قرية صغيرة تقع بالقرب من قلعة البحرين، ومنها جاء اسمها، قرية القلعة. ويبدو أن هذه القرية ليست قديمة جداً وإنما تأسست بعد انتهاء حقبة الحروب التي وقعت في هذه المنطقة والتي لعبت قلعة البحرين فيها دوراً مركزياً. ويبدو أن هذه القرية الصغيرة لم يكتب لها أن تتطور، فبعد أن تم اكتشاف وجود آثار قديمة في محيطها وأسفلها، توقف تطور هذه القرية، وبدأت عملية الهجرة والتهجير منها، حتى هُجرت القرية بأكملها في بداية التسعينيات من القرن الماضي بعد أن تم تحديد موقع سكنى آخر لأهالي هذه القرية. وحتى الموقع الذي تم اختياره لم يكن يخلو من الآثار الإسلامية، فقد اكتشف في موقع الإسكان العديد من المباني التي تدل على وجود مدينة/ قرية إسلامية. وبحسب المسح الآثاري الذي قام به Larsen فإن نتائجه تشير إلى أن هذه المنطقة تعود للحقبة ما بين القرنين الرابع عشر والسادس عشر (Larsen 1983, figure 7 and appendix 2)، ويبدو أنها جزء من الآثار التي عثر عليها في حلة العبد الصالح، وإن هذه الآثار مجتمعة تمثل آثار مدينة إسلامية ضخمة لها علاقة بالمدينة التي أنشئت في موقع رأس القلعة وكذلك الحصن الإسلامي والمقبرة الإسلامية.

والخلاصة، أن هناك عاصمة إسلامية قديمة قد تم بناؤها في المنطقة ما بين ساحل القلعة ومنطقة حلة العبد الصالح. وهي عبارة عن مدينة ضخمة وصلت ذروتها ما بين القرنين الثالث عشر والسادس عشر الميلاديين. وهناك امتدادات أخرى لهذه المدينة سوف نتحدث عنها في الحلقة المقبلة.

العدد 4641 - الجمعة 22 مايو 2015م الموافق 04 شعبان 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً