لا مهرب من الحديث في الجوائز وتوقعاتها كما هو الحال في كل دورة بعدما مرّت معظم أيام المهرجان وبقي منها أربعة أيام تنتهي بإعلان الفائزين.
التوقعات كثيرة ومتعددة وهذا يحدث في حالتين عادة: أن تكون غالبية الأفلام على مستوى الجوائز أو أن تكون غالبية الأفلام دون المستوى المطلوب. والذي تم حصده حتى الآن، بعد عرض خمسة عشر فيلما من تسعة عشر مشتركة في المسابقة، هي أن غالبيتها لا يستحق السعفة الذهبية. بعض هذه الأفلام قد تصلح للجوائز الأخرى، لكن هذا لا يساعد كثيرًا في عملية التنبؤ بالفيلم الأكثر ترجيحًا للفوز.
الوضع ربما تغيّـر قليلاً صباح الأمس (الأربعاء) عندما تم عرض فيلم المخرج الإيطالي باولو سورنتينو «شباب». هذا هو أفضل فيلم شهدته المسابقة إلى اليوم. صاحب «الجمال العظيم» قبل عامين يعود بفيلم بديع آخر مليء بالملاحظات الإنسانية والفنية التي تدور في رحاب الزمن بطلاقة واضعة أمام المشاهدين مقارنات آن وقتها بين الماضي والحاضر. روعة الأول وانحدار الثاني صوب قحط فني وثقافي كما كان المخرج فعل في فيلمه السابق وبجدارة.
على ذلك هناك من لم يعجب بالفيلم، ولو أنهم قلّـة بالمقارنة مع من صفّـق في النهاية أو صرخ «برافو». ما يجعل «شباب» أهلاً للفوز هو صلاحيته الكاملة كفيلم يضمر وجهة نظر يعرضها بألم. إنه كما لو كان يعض على شفتيه شعورًا بالأسف والأسى، لكن هناك سبب آخر قد يدفع بلجنة التحكيم التي يرأسها الأخوان جووَل وإيتان كووَن، لمنحه الجائزة وهو أنه ينتمي بالفعل إلى السينما الساخرة ذاتها التي تسود أفلام الأخوين المذكورين، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، لأنه، ببساطة، أفضل ما عرض من أفلام حتى اليوم.
* المشكلة الهوليوودية
حتى لا نشطط بعيدًا عن الواقع فيما نذهب إليه، يكفي القول: إن الآمال الكبيرة التي أحاطت بأفلام معيّـنة نسبة لمخرجين ذوي أسماء كبيرة، ذابت خلال دقائق عرض كل فيلم على حدة. هذا يشمل فيلم المخرج الصيني جيا جانكي «الجبال قد تفترق» وهو المخرج الذي سبق وقدّم تحفة سابقة بعنوان «حياة ساكنة» وفيلما جيّـدًا بامتياز هو «لمسة خطيئة»، والذي أراد تغيير أسلوبه فباع نفسه لمغامرة غير ضرورية.
«الجبال قد تفترق» ينطلق في العام 1999 لنحو خمسين دقيقة، بعدها يطالعنا العنوان الذي كان من المفترض أن يأتي في المقدّمة، وتنتقل الأحداث إلى سنة 2014. وبعد نحو نصف ساعة، إلى المستقبل على بعد سبعة عشر سنة لاحقة. يختار المخرج عن قصد أن يبدأ فيلمه بركاكة تنفيذية ثم يرفع معيار عمله إلى المستوى المقبول وإن لم يرتفع مطلقًا إلى المستوى المعتاد منه.
بوجود خمسة أفلام فرنسية فإن الحديث عن فوز فرنسي أمر متاح أيضًا. في آخر لحظة قد يختار المهرجان «ملكي» لميوين وهو فيلم متوسّط القيمة نقديًا، وإن لم يكن هذا فلربما «ديبان» لجاك أوديار الذي تقع أحداثه في سري لانكا أو «مرغريت وجوليين» لمرغريت مونزيللي أو حتى «مقياس رجل» لستيفان بريز. هذا الأخير له مفضلوه الكثر: دراما حول رجل في متوسط العمر (فنسنت ليندون) الذي إما أن يغض النظر عن فساد الإدارة أو يخسر عمله الجديد. المشكلة ليست هنا، بقدر ما هي في أسلوب تحقيق هذا الفيلم حيث الاعتماد الكلي على كاميرا بلا فعل مونتاجي وحوار متراص في كل مشهد الذي عادة ما يتكوّن من لقطة وحيدة تستمر لنحو خمس دقائق.
أحد الأفلام الجيّـدة التي تم عرضها «سيكاريو» للمخرج الكندي دنيس فيلنيوف. إنه دراما تشويقية حول عميلة إف بي آي (إميلي بـلـنت) تشترك في حملة تقودها فرق مكافحة المخدرات وسي آي إيه وقوى حكومية أخرى ضد عصابات المخدرات المكسيكية لتكتشف أن بعض المشتركين فيها ينفّـذون أجندات خاصّة تضمن بقاء الصراع بين القانون والخارجين عليه متأججًا من دون نتائج حاسمة.
لكن هذا الفيلم مستبعد من الفوز نظرًا لأنه، ككثير من الأفلام الجيّـدة الآتية من الشمال الأميركي، يحفل بأسلوب تنفيذ هوليوودي (جماهيريًا قد يختلط الأمر على مرتادي السينما فيظنون أنه مجرد فيلم أكشن تشويقي آخر). والأسلوب الهوليوودي لا ينفع في المهرجانات الأوروبية حتى وإن كان الفيلم جيّـدًا في التنفيذ لدرجة لا تحتمل التجاهل.
* قيمة عادية
إنه من المعروف أنه لا لجنة تحكيم قادها أميركيون منحت جائزتها الأولى لفيلم أميركي إلا فيما ندر وقبل سنوات كثيرة. «سيكاريو» ليس فيلما أميركي الإنتاج، بل هو كندي، لكنه مصنوع على سياق هوليوودي وهذا لا يشفع له. من ناحية أخرى، فإن فيلم غس فان سانت «بحر من الأشجار» الذي كان محط ترقّـب الكثيرين من أنصار الأفلام «المستقلة» و«البديلة» برهن على أنه أحد أقل الأفلام المتنافسة استدعاء للاحتفاء وسيكون من المستبعد تمامًا منحه ذهبية هذه الدورة.
لكن ما معنى أن تكون هناك أسماء كبيرة بأعمال صغيرة القيمة؟ ماذا يعني أن لا يكون فيلم جيا جانكي أو فيلم غس فان سانت أو فيلم الياباني هيروكازي كينو - إيدا («أختنا الصغيرة») هو أفضل ما في جعبة هؤلاء؟
الجواب أنه يعني أن لجنة الاختيار ما زالت تفضل استحواذ أفلام أصحابها من ذوي الأسماء الكبيرة سواء أكانت على مستوى فني عال أم مجرد قيمة عادية. إلى ذلك، ثمّـة معيار عادة ما يتم تجاهله وهو الذوق الخاص لكل عضو في لجنة التحكيم وهو الذوق الذي قد لا يلتقي وأذواق النقاد. هذا سيتضح إذا ما تم في لحظات عسيرة مفاجأتنا ومنح فيلم لأحد هؤلاء المخرجين الجائزة الذهبية على أي حال.