الاحتفاء بالنجاح هو شكلٌ من أشكال احترام الحياة وتبجيل دور الإنسان في نشر رسالة العلم والمحبة والخير فيها. والأشخاص الاستثنائيون وحدهم هم من يتعاملون مع النجاح كرحلة ترافقهم العمر كله وليس محطة للوصول والتوقف. وقد كتب توماس كارليل في مقالة عن الأبطال في التاريخ قائلاً: «إن تاريخ العالم ليس إلا سير الرجال العظماء». وقد ردّد هذه الفكرة مؤرخون آخرون قرّروا أن «ليس هناك تاريخ بالمعنى الدقيق للكلمة، هناك فقط سير شخصية».
وتظهر فكرة التاريخ باعتباره سيرة شخصية في أعمال المؤرخين المعاصرين المشهورين. ففي العمل الكبير الذي كتبه ول ديورانت «قصة الحضارة»، هناك أربعة مجلدات متتالية بعنوان «عصر لويس الرابع عشر» و»عصر فولتير»، و»روسو والثورة»، و»عصر نابليون». والتاريخ وفقاً لهذا الاتجاه، صاغته شخصيات بعض الأفراد الأفذاذ وإنجازاتهم، وهذه الشخصيات البارزة تُصوّر التاريخ بإحدى طريقتين: فمن ناحية هناك المبدعون، الذين قدّموا إسهامات خالدة للثقافة الإنسانية، سواءً أكانوا علماء أو فلاسفة أو كتاباً من الذين تركوا تأثيراً دائماً على البشرية؛ وهناك القادة الذين يغيّرون العالم بأعمالهم الكبيرة وليس من خلال أفكارهم أو تعبيرهم عن عواطفهم. فالقادة من هذا الصنف يتركون علامة دائمة على المسار الذي أخذه التاريخ. (دين كيث سايمنتن: «العبقرية والإبداع والقيادة»).
وقد أحيت اللجنة الأهلية لتكريم رواد الفكر والإبداع حفلاً كُرّم فيه أحد الكوادر العلميّة البارزة في البلاد، البروفيسور شوقي الدلال، الشخصية التي اختزلت طموحات جيل، ومواهب أشخاص متعددين، وتزاحمت في إهاب شخصيته عبقرية فريدة ترجمها سجل مهني مُشرّف، وخبرة شاسعة يمتزج فيها العلم والأدب والكتب والعمل الدؤوب المليء بالمبادرات والإنجازات.
لستُ من جيل هذا العبقري الموهوب، الفيزيائي الحاذق، الفلكي الرصين، والأديب الذي يجذبك بأسلوبه السهل الممتنع وهو يُدوّن مسيرته الحياتية، بكل حلقاتها السياسية والاجتماعية والعلمية المتداخلة في كتابه السيري المشوق «البحث عن أفق مفقود»، والذي صدر تزامناً مع حفل تكريمه، لكنّي أعرف أهميّة الرجل بما أنجزه، وقد جمعتني به علاقة صداقة تفيض بالحب والاحترام المتبادل، ويُشعرك شوقي بتواضعه العجيب أنك ندّ له وأن صداقتك له أكبر من عمرها الحقيقي، وأعمق مما تبدو. ولطالما اعتبرتُ الصمت المتأمل الذي يلازمه ما هو إلا لحظات صفو ذاتي لاختلاق فكرة جديدة أو هي محطة من محطات الاستغراق المنتج مع النفس تسبق في العادة الإعلان عن مشروع وشيك.
بدأت رحلة الدلال منذ الأربعينيات حيث الطفولة البريئة، فبغداد الرشيد، وبلاد الشام التي يفوح منها عبق العروبة ونسيم الأمل، ويتواصل الخطو إلى باريس عاصمة النور حيث نال دكتوراه دولة في الفيزياء من جامعة بيير وماري كوري، والكويت ومصر.
مبادرة اللجنة الأهلية بتكريم شوقي محمد صالح الدلال مساء الثلاثاء (12 مايو/ أيار 2015) في قاعة إبراهيم خليل كانو بنادي العروبة حدثٌ يكتسب خصوصيته من جانبين:
الأول: في الرمزية التي تمثلها اللجنة الأهلية باعتبارها جهة تمثيل شعبي، وبالتالي هي تمثل الصوت المنطلق من بين ثنايا المجتمع دون التقيد بأية إملاءات واعتبارات جهوية أو فئوية في اختيار الشخصيات المبدعة، وهو ما لا يتوفر في حفلات التكريم الرسمية في العادة.
الثاني: يتمثل في أن هذه المبادرة الجميلة في تكريم رواد الفكر والإبداع، فيه تجاوزٌ لكل التجارب والأرض العتيقة التي دأبت عليها المؤسسات الرسمية والأهلية في التكريم الجنائزي للمبدعين بعد وفاتهم، وهو وفاء متأخر يعتاش على الموتى ويحتفي بالقبور.
تأسست اللجنة الأهلية لتكريم رواد الفكر والإبداع بمملكة البحرين في فبراير/ شباط 2001، عندما تقرر تكريم الأستاذ إبراهيم العريض من قبل الشاعرة سعاد الصباح، وقد كانت اللجنة من بنات أفكار محمد حسن كمال الدين وزير الدولة آنذاك، والذي وجد أن أديب البحرين الكبير يجب أن يكرّم من قبل جميع أبناء البحرين قبل أن يكرّم من الخارج.
وقد ضمت اللجنة، بالإضافة إلى رئاسة كمال الدين، عضوية كل من منصور سرحان، تقي محمد البحارنة، عبدالله المحرقي، الشيخة مي بنت محمد آل خليفة، واستعانت اللجنة بالكثير من الأدباء والكتاب الذين ساهموا بجهودهم في نجاح أعمال اللجنة. واستطاعت اللجنة تكريم تسعة من الأدباء والكتاب والمفكرين في البحرين هم: إبراهيم العريض (ت 2002)، أحمد محمد آل خليفة (ت 2004)، حسن جواد الجشي (ت 2008)، تقي محمد البحارنة، محمد جابر الأنصاري، عبد الله المحرقي، علي سيار، محمد حسن كمال الدين، منصور محمد سرحان، وأخيراً شوقي الدلال الذي جاء تكريمه بعد توقف اضطراري لأعمال اللجنة استمر ثلاث سنوات.
ظلّ الدلال يحلّق بعقله ونظره عالياً، «كانت السماء محط إلهام لي منذ الصغر، فقد وجدت فيها كنزاً معرفياً ثميناً أطلعني الوالد في الصغر على بعض أسراره، ولكني تشبثت بالتعرف على المزيد». ولقد دوّن محمد صالح الدلال الأب، سيرته الذاتية أيضاً والتي حملت اسم «سلالم الذاكرة»، متحدثاً بفخر عن ولده الطموح.
لقد اصطفى الدلال السماء محلاً لعروجه العلمي، بحثاً عن قناديلها المضيئة وأسرارها الغامضة، وكان توّاقاً للولوج في عالم مجهول ترجمه في نشر أبحاث في دوريات علمية رصينة والمشاركة بأكثر من ستين مؤتمراً إقليمياً وعالمياً متخصّصاً.
عشقه وانحيازه للعلم لازمه حتى في أشد اللحظات إغراءً في حياة المرء، فعندما عُرضت عليه عضوية أول مجلس شورى في البحرين، قَدَّم عمادة كلية العلوم بجامعة البحرين على عضوية الشورى (البحث عن أفق مفقود، ص 230).
لدى شوقي الدلال الكثير مما يعلمه الآخرين، وهو المنحدر من عائلة رائعة من النابهين والمبدعين والطموحين، خصوصاً الشباب، ليس بما يملكه من رصيد علمي فحسب، بل بما يمثله أسلوبه الفريد في الحياة.
إقرأ أيضا لـ "وسام السبع"العدد 4637 - الإثنين 18 مايو 2015م الموافق 29 رجب 1436هـ
كل التقدير الى هذا العالم الجليل
هو عالم, باحث و أكاديمي من الدرجه الأولى. قلما تجد في بلادنا العربيه أكاديمي يكرس حياته للبجث العلمي لأجل المعرفه و ليس لأجل الترقيه أو لأجل الأعلام والشهره كما هو الحال لأغلبية اساتذة الجامعات. شخصيه فذه مثل د. شوقي تستحق التقدير والأحترام وهو مفخره لبلدنا البحرين.
بحريني ابا عن جد
الدكتور الدلال بحريني ابا عن جد... والبحرين تفتخر بمثل هؤلاء الافذاذ
بحريني ابا عن جد
الدكتور الدلال بحريني ابا عن جد... والبحرين تفتخر بمثل هؤلاء الافذاذ
بحريني ابا عن جد
الدكتور الدلال بحريني ابا عن جد... والبحرين تفتخر بمثل هؤلاء الافذاذ
ارجع للبروتيه عدد اليوم صحيفة الوسط
وأردف»ووجدنا ما يميز شخصيته قيامه بكتابة 104 بحوث، وهذه البحوث نشرت في مجلات عالمية محكمة باللغات العربية والإنجليزية والفرنسية، كما قام بتأليف موسوعة فلكية في 4 أجزاء أصدرتها جامعة الكويت، حيث يعمل أستاذاً فيها، وقام باصدار بعض الكتب، كان آخرها ما دشن أثناء حفل التكريم بعنوان «البحث عن أفق مفقود»، موضحاً أن هذا الكتاب يتناول ذكريات الدلال مع ما مر من أحداث عربية وعالمية مع التركيز على الجانب الفضائي، كرحلة رائد الفضاء السعودي والأردني».
هل هو بحريني عاش طفولته بالعراق أم هو عراقي الأصل؟
ننتظر الإجابة من الكاتب
بحريني اصيل
هو بحريني من عائلة الدلال المنامية العريقة. والده ترجع أصوله إلى بلاد القديم ووالدته من عائلة الجشي
بحريني
وعاش في العراق ومن ثم دمشق ومن ثم باريس ورجع البحرين في جامعة البحرين