غير بعيد عن المنصات الخمس، التي تحتضن عروض الموسيقيين المشاركين ضمن فعاليات الدورة 18 لـ«مهرجان كناوة وموسيقى العالم» بالصويرة، يحتضن رواق «برج باب مراكش» التاريخي، إلى غاية 2 يونيو/ حزيران المقبل، معرضًا تشكيليًا لـ7 فنانين تشكيليين، هم أمين الشرادي ومحمد السنوسي وحبيبة كرموني وخالد بيلي ومحمد جرايدي وأنس البوري وعبد المالك الكبير، حسبما أفادت صحيفة الشرق الأوسط.
وقال أمين الشرادي، إن فكرة تنظيم المعرض أتت لتواكب الدينامية الثقافية التي تشهدها الصويرة، خاصة في ظل تواتر تنظيم عدد من المهرجانات الفنية ذات الصيت العالمي بالمدينة.
وربط الشرادي موضوع المعرض الجماعي بمشاركته كفنان صويري، فقال إنه اشتغل على مواضيع تنفتح على عوالم الموسيقى. وعن مدى تأثره بالمناخ الفني الذي يميز الصويرة، قال إن الفنان ابن بيئته، وإنه يجد نفسه قريبًا من هذه البيئة، بتاريخها وأعلامها، وهو ما يلاحظ في اشتغاله على الرموز والمعالم الأثرية والموروث الشعبي الخاص بالمدينة، مشيرًا إلى أنه تأثر، في بداياته الفنية، ببوجمعة الأخضر، أحد الأسماء التي اشتهرت في المجال التشكيلي بالصويرة، إلى جانب الحسين الميلودي والركراكية، وغيرهما، مبرزًا أنه حاول الخروج بأسلوب خاص به، غرائبي وأسطوري يجد فيه راحته ويعبر به عن أفكاره الفنية.
وشدد الشرادي على أن أهمية المعرض الجماعي تكمن في إبراز تنوع الاختيارات الشخصية للفنانين المشاركين، بعيدًا عن الاختيار الفطري التجريدي الذي عرفت به الصويرة في السابق؛ مشيرًا إلى أن اختيار الفنانين المشاركين كان متعمدًا، وذلك لإبراز حيوية وتنوع أساليب الممارسة التشكيلية بالمدينة، بحيث يتجاور الاختيار الفطري، بالأساليب العجائبية والغرائبية والسريالية والانطباعية والمعاصرة لدى الفنانين.
وتعج الصويرة بالتشكيليين والكتاب والموسيقيين؛ وبفضل فنانيها، أصبحت المدينة من العناوين المهمة للحركة التشكيلية المغربية.
وتوقف الشرادي عند قيمة فضاء العرض التابع لبناية «برج باب مراكش»، واعتبره أحد أفضل أماكن العرض الفني بالمغرب، سواء لجهة قيمته التاريخية، أو لهندسته التي تتضمن قاعات متفرقة، تبرز قيمة ما يعرض.
وعن علاقة المعروضات بمكان العرض، قال الشرادي إن «برج باب مراكش» يلعب دورًا مهمًا في تقديم أعمال الفنان، ممثلاً لذلك بأعماله التي تستند على الرموز والأقواس ومآثر المدينة.
ويشكل «برج باب مراكش» التاريخي، الذي يرجع بناؤه، حسب عدد من الكتابات التاريخية، إلى القرن الثامن عشر، معلمة تاريخية بقيمة فنية تجعل الزائر يتيه بين المعمار الفريد لمكان العرض وما يتم عرضه فيه من فن تشكيلي. لذلك، يعتبر من البنايات الأثرية التي تبرز الغنى التاريخي والحضاري لمدينة الصويرة. وهو يعد واحدًا من الحصون الدفاعية المهمة التي شيدت لحماية المدينة والميناء من أي هجوم قادم من الشرق والجنوب الشرقي، لذلك تم تدعيمه، وقت بنائه، بعشرات المدافع. وعرف «برج باب مراكش»، الذي أصبح فضاء ثقافيًا، بعدما كان حصنًا عسكريًا، تحولات كثيرة على مدى التاريخ الحديث للمغرب، حيث استخدم مربطًا لخيول جنود الاحتلال الفرنسي بالمدينة، قبل أن يتم إهماله خلال خمسينات القرن الماضي، ليخصص، خلال العقدين الأخيرين من نفس القرن، لاحتضان بعض التظاهرات الفنية والحرفية. وعرفت البناية تحولاً مهما، خاصة في 2007، حيث جرى ترميمها وإعادة تأهيلها من طرف وزارة الثقافة، وذلك بناء على طلب فنانين وفاعلين ثقافيين وجمعيات بالمدينة.
ويبلغ قطر البرج 35 مترًا، بينما تصل مساحته إلى 980 مترًا مربعًا، ويقال إنه وظف لتخزين المؤن والأسلحة. وهو يتميز بالصلابة والمتانة؛ إذ بني بالحجارة المنجورة، وهي التقنية الأوروبية المستعملة في كامل البنايات الأثرية بالمدينة، كما يتوزعه مدخل بممرين متعرجين متناظرين يفضيان إلى السطح حيث توجد ثلاث قبب.
وكانت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونيسكو) قد اهتمت بالصويرة وأولتها عناية كبرى، خاصة فيما يتعلق بترميم جدرانها وبناياتها التاريخية، وبينها «برج باب مراكش». ونقرأ في نصب تذكاري يتوسط المدينة، 2001: «بناءً على الاتفاقية المتعلقة بحماية التراث الثقافي العالمي تم تسجيل المدينة التاريخية للصويرة ضمن لائحة التراث العالمي. إن هذا التصنيف يرسخ القيمة العالمية الاستثنائية لهذا الإرث الثقافي، وذلك حفاظًا عليه لفائدة الإنسانية جمعاء. الصويرة نموذج استثنائي لمدينة مُحصَّنة من القرن الثامن عشر بنيت بشمال أفريقيا وفق مقاييس الهندسة العسكرية الأوروبية المعروفة في تلك الفترة، ومنذ إنشائها، ظلت المدينة ميناءً تجاريًا دوليًا متميزًا يربط المغرب والمناطق الصحراوية المجاورة بأوروبا وبقية بقاع العالم».
ويعتبر العهد العلوي عهد التأسيس الحقيقي للمدينة، الذي يعود إلى 1760، السنة التي تتزامن وإنشاء سيدي محمد بن عبد الله ميناء الصويرة، الذي فتح في وجه التجارية الخارجية بغية تطوير المغرب لعلاقاته مع أوروبا. وكان من بين مقتضيات أمن المغرب، في مفهوم هذا السلطان العلوي، تحصين الثغور والمدن الرئيسية الساحلية، الشيء الذي جعله يكثر من بناء الأبراج والحصون.