صدر في بريطانيا مؤخراً كتاب «نظرية ما بعد الاستعمار الإسلامية: الإسلام والهويات المسلمة في أربع روايات بريطانية معاصرة»(Islamic Postcolonialism: Islam and Muslim Identities in Four Contemporary British Novels) للباحث البحريني حسن سعيد. يسعى الكتاب، الذي طبع باللغة الإنجليزية، لقراءة صورة الإسلام والمسلمين في الرواية الأدبية البريطانية المعاصرة بالاستفادة من نظرية ما بعد الاستعمار.
تعد نظرية ما بعد الاستعمار (Postcolonialism) إحدى النظريات الثقافية المعاصرة والتي تؤمن بوجود خطاب استعماري ثقافي كان يمنح الاستعمار الغربي المبرر الثقافي للاستعمار ويقدم الشرق في قالب معرفي منحاز كنتيجة للعلاقة الوثيقة التي تربط بين الخطاب المعرفي وعلاقات القوة. تسعى نظرية ما بعد الاستعمار الثقافية لكشف العلاقة بين المعرفة المرتبطة بالشرق والاستعمار كما تسعى لمواجهة هذا الخطاب بخطاب آخر يتحداه ويواجهه ليكون مدخلا لمواجهة الاستعمار الثقافي الذي لازالت بعض ترسباته قارة وفاعلة في جزء من الخطاب الثقافي الغربي حتى اليوم.
في مقدمة الكتاب يسعى المؤلف، في ما يقرب من 50 صفحة، للتأسيس لما أطلق عليه «نظرية ما بعد الاستعمار الإسلامية» (Islamic Postcolonialism) مناقشا العلاقة بين الإسلام ونظرية ما بعد الاستعمار. فحسب الكتاب فإن العلاقة بين الإسلام ونظرية ما بعد الاستعمار برزت في مواجهتما المشتركة للاستعمار الغربي الحديث للعالم العربي والإسلامي. فالإسلام جزء أساس وأصيل من هوية العالم العربي والإسلامي ولذلك كان الخطاب الاستعماري وهو يشوه صورة هوية الشعوب العربية والإسلامية المراد استعمارها كان يشوه صورة الإسلام أيضا الأمر الذي كان الدفاع فيه عن الإسلام هو دفاع عن الشعوب الراغبة في التخلص من الاستعمار وتصوراته المشوهة والنمطية. تأسيسا على ذلك فإن الدفاع عن الهوية الإسلامية لا يبدو دفاعا عن الإسلام فحسب وإنما هو دفاع عن الهوية الثقافية الوطنية والعربية والإسلامية في مواجهة الخطاب الثقافي الاستعماري المنحاز.
هذه العلاقة الوثيقة بين الإسلام ونظرية ما بعد الاستعمار واجهت تحديا حقيقيا، كما يرى ذلك المؤلف، بعد صدور كتاب آيات شيطانية العام 1988 للكاتب البريطاني سلمان رشدي والذي يعد أحد أبرز كتاب نظرية ما بعد الاستعمار. ففي الوقت الذي كانت نظرية ما بعد الاستعمار تنادي فيه بضرورة مواجهة التصورات الاستعمارية التي لازالت فاعلة في الخطاب الغربي، كتب سلمان رشدي، الذي يعد أحد أقطاب هذه النظرية، كتابه آيات شيطانية الذي يعد لدى الكثير من المسلمين مليئا بالتصورات الذهنية الاستعمارية والمشوهة عن الإسلام.
اللافت في الأمر أن بعض أبرز أقطاب نظرية ما بعد الاستعمار وعلى رأسهم إدوارد سعيد أعلنوا وقوفهم إلى جانب سلمان رشدي. يعد إدوارد سعيد، الأكاديمي الأميركي البارز ذو الأصول الفلسطينية، المنظر الأبرز لنظرية ما بعد الاستعمار. في كتابه «الاستشراق» الصادر العام 1978 أوضح إداورد سعيد العلاقة بين الخطاب المعرفي الغربي والاستعمار وكيف أن هذه العلاقة ساهمت في فهم الشرق فهما منحازا ومبررا للحركة الاستعمارية. بدا سعيد في نظر الكثير من المسلمين وكأنه يدافع عن الإسلام من خلال تفكيكه وتحليله للخطاب الغربي المرتبط بالاستعمار وكيف أنه راح ينتج صورا مشوهة ونمطية عن الإسلام تبرر سياساته الاستعمارية. كان لافتا للغاية أن ينتصر إدوارد سعيد لسلمان رشدي ويكون غير قادر على قراءة الصورة المشوهة للإسلام في كتاب سلمان رشدي وهي نفسها الصور التي كان ينقدها سعيد في الخطاب الغربي الاستعماري.
موقف إدوارد سعيد من رواية آيات شيطانية أظهر للسطح بعض الأطروحات التي كانت ترى في نظرية ما بعد الاستعمار نظرية غربية وعلمانية لا تضع الإسلام في سلم أولوياتها. بدت نظرية ما بعد الاستعمار وكأنها غير قادرة على الدفاع عن الإسلام رغم أنه يشكل جزءا هاما من هوية الشعوب العربية والإسلامية والتي خضعت للاستعمار لعقود. على أساس ذلك، برز بعض الكتاب المسلمين الذين راحوا ينقدون علمانية نظرية ما بعد الاستعمار ويدعون إلى إعادة التنظير لها.
الجديد الذي يقدمه الباحث البحريني حسن سعيد كتاب «نظرية ما بعد الاستعمار الإسلامية» هو السعي للتوفيق بين نظرية ما بعد الاستعمار والإسلام. يفترض المؤلف أن نظرية ما بعد الاستعمار هي نظرية «محايدة» أكثر من كونها «علمانية» وأنها ارتبطت بالعلمانية لكون الممارسين لها يؤمنون بالأطروحة العلمانية. فحسب الكتاب، إن نظرية ما بعد الاستعمار تمت ممارستها والتفاعل معها من قبل كتاب من خلفيات متعددة كالعلمانيين مثل إدوارد سعيد والماركسيين مثل فانون والنسويين مثل سبيفاك وبالتالي فهي نظرية قابلة للتماهي مع الخلفيات المتعددة للمتفاعلين معها. لذلك، بإمكان المسلمين وهم يمارسون نقد النظرية أن يمارسوها كذلك ويتفاعلوا معها وإن احتفظوا بخلفياتهم الفكرية المرتبطة بالإسلام. فالكتاب يقدم رؤية توفيقية بين الإسلام ونظرية ما بعد الاستعمار ويختلف في ذلك عن الأطروحات الثقافية التي تعلي من قيمة النظرية وتهمل الجانب الديني المتمثل في الإسلام أو تلك النظريات التي تنتقد النظرية لتهميشها لمحورية الإسلام.
يسعى الكتاب لتطبيق «نظرية ما بعد الاستعمار الإسلامية» على أربع روايات بريطانية معاصرة كانت قد صدرت في الفترة بين عامي 1995 و2007 في محاولة للتعرف على كيفية تصوير هذه الروايات للإسلام والمسلمين في المجتمع البريطاني. هذه الروايات هي رواية The Black Album للكاتب البريطاني من أصول باكتسانية حنيف قريشي ورواية Brick Lane للكاتبة البريطانية من أصول بنغالية مونيكا علي ورواية My Name is Salma للكاتبة البريطانية من أصول أردنية فادية فقير وروايةMinaret للكاتبة البريطانية من أصول سودانية ليلى أبو العلا.
عن طريق تحليل هذه النصوص الأدبية يتجلى هدف الكتاب في اكتشاف مدى ارتباط التصورات الخاصة بالإسلام والمسلمين في هذه الروايات الأدبية بالتصورات التي كانت سائدة عن الإسلام والمسلمين في الخطاب الاستعماري. من النتائج التي يخلص إليها الكتاب هي أن بعض التصورات النمطية والمشوهة عن الإسلام والتي كانت تميز الخطاب الاستعماري لاتزال تستدعى ويعاد إنتاجها في أعمال أدبية معاصرة. في المقابل، يبدو من الملاحظ أيضا بروز بعض التصورات التي تتحدى التصورات النمطية وتقدم رؤية متفهمة ومعبرة عن قناعات الكثير من المسلمين في قضايا مثل الحجاب والتطرف وغير ذلك.
من الملاحظات التي يبرزها الكتاب هو أن الروائيين الذين يهتمون بالكتابة عن الإسلام في كتاباتهم الأدبية ينتمون، في الأغلب، لأصول إسلامية أو غير بريطانية بشكل عام. لذلك تبدو الكتابة الروائية كإحدى وسائل تحديد الهوية في ظل صراع الهوية الذي قد يعيشه بعض الروائيين. ربما من الممكن القول إن أحد أسباب إعادة إنتاج الصور النمطية للإسلام والمسلمين في الأعمال الأدبية البريطانية المعاصرة هو سيطرة الإشكالية الهوياتية وخصوصا فيما يتعلق بالمسلمين أو البريطانيين من أصول إسلامية. بعض الروائيين الذين ترجع جذورهم لأصول إسلامية يبروزن صراعهم وخيارهم المرتبط بالهوية عن طريق الكتابة الروائية. هنا تأتي التصورات النمطية السلبية عن الإسلام كإحدى مبررات الانتماء للهوية البريطانية والرغبة في التخلص من الهوية الإسلامية.
العدد 4636 - الأحد 17 مايو 2015م الموافق 28 رجب 1436هـ
بالتوفيق دائما ياالدكتور حسن
بالتوفيق دكتور حسن والله يوفقك ان شاءالله ... نعم الشاب المؤمن الخلوق أنت
وفّقك الله
نشد على يديك وندعوا لك بالتوفيق ومزيد من العطاء انشاء الله .