قالت صحيفة الحياة اليوم الأحد (17 مايو/ أيار 2015) إن باحثتان سعوديتان اختصاصيتان في علم النفس أكدتا أن استخدام الإنترنت بشكل عام يسهم في رفع مستوى عناصر الثقافة المدنية، مثل التسامح والتقبل والمشاركة، وذلك عقب دراسة أجريت على جامعيات كشفت عن بلوغ مستوى التسامح لديهن درجة «متوسطة»، مشيرة إلى أنه لو لم يكن «الإنترنت» متوفراً ويستخدم بشيوع لكانت درجة التسامح متدنية.
وكشفت الباحثتان لطيفة الشعلان ومنيرة المقرن لـ«الحياة» أن الدراسة أُجريت خلال العام الحالي على مجموعة منهجية كبيرة من طالبات جامعة الأميرة نورة لمعرفة اتجاهاتهن وأفكارهن ومشاعرهن وسلوكهن تجاه (الآخر) المختلف عنهن في الدين أو المذهب أو التوجه الفكري أو اللون أو الأصل العرقي أو المناطقي أو القبلي، وأن سبب إجراء هذا البحث نظراً للخطورة المتصاعدة عالمياً لقضايا مختلفة كالتعصب والطائفية والعنصرية وارتباطها بملف الإرهاب.
وأوضحت أن الانفتاح الثقافي الاجتماعي في السعودية ما زال حذراً ومتوجساً، بعد عقود من الممانعة والمحافظة الاجتماعية الثقافية الشديدة التي فرضتها مرحلة الصحوة، وأن السنوات القليلة الأخيرة باتت تشهد انفتاحاً بشكل متدرج.
من جهته، قالت الشعلان: «إن الشابات والشبان يتعرفون التعددية وتباين وجهات النظر عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وفيها يتعرضون لدرجات عالية من الانفتاح الاجتماعي الثقافي، لكنهم في الوقت نفسه يحتفظون بالبنى الذهنية والخرائط المعرفية التقليدية ذاتها، التي تشكّلت لديهم عبر عملية التنشئة الاجتماعية المنغلقة التي بدأتها الأسرة، ثم شاركت فيها المؤسسات الاجتماعية الأخرى، كالمدارس والمنابر ووسائل الإعلام التي لم يكن التسامح من بين قيمها المهمة»، مشيرة إلى التناقض الملاحظ بين ما ينادي به السعوديون في تغريداتهم بالحقوق الفردية وبالتسامح والديمقراطية، وفي الوقت نفسه يستخدمون ألفاظ السباب والشتم والتخوين ذات الطبيعة الطائفية أو العنصرية عند أول اختلاف في النقاش.
ولفتت الشعلان إلى أن السعوديين يستخدمون «تويتر» كثيراً في حروب الاستقطاب التقليدية ذات الطبيعة السجالية والأيديولوجية، وهذا من وجهة نظرها لا يشجع قيمة التسامح، بل على العكس يعُد توجهاً كبيراً لما يسمى بـ«اعتلال الشخصية المخالفة» من خلال استهدافها بالهجوم المنظم والتشويه.
ونوهت أستاذة علم النفس الشعلان بأن مواقع التواصل الاجتماعي في المجتمعات التقليدية قد تخضع لأفكار وأيديولوجية المجتمع نفسه، بمعنى أن المجتمع يعيد إنتاج فكره ورؤيته العامة من خلال هذه الشبكات، وهو ما يحدّ من تأثيرها الإيجابي في تعزيز قيم الحداثة كالتسامح، مستشهدة بدراسات نفسية، منها ما أُجري في باكستان وتبين كيف يعاد إنتاج الخطاب المتطرف بسبب خضوع هذه المواقع لأيديولوجية المجتمع نفسه.
وأكدت الشعلان أن الإفراط في استخدام خاصية الترشيح والاختيار من خلال انتقاء المتابعين، أو خاصية الحجب والحظر المتوافرة في وسائل التواصل الاجتماعي تؤدي إلى عدم تعزيز قيمة التسامح، لأن الناس بعد تفعيل تلك الخواص كأنهم يسمعون أصواتهم، ويتحاورون مع أنفسهم، بسبب أن المستخدمين يتابعون فقط من يشتركون معهم في التوجه الفكري أو المذهب أو الأصل المناطقي، ويحظرون أصحاب وجهات النظر أو الآراء التي لا تتناسب مع أفكارهم ومعتقداتهم.
إحصاءات من الدراسة
- عدد مستخدمي الإنترنت في السعودية (13) مليون مستخدم بارتفاع في أعداد المستخدمين من 5 في المئة عام 2001 إلى نحو 46 في المئة حتى عام 2011، بحسب تقرير هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات لعام 2012.
- الشباب في المرحلة العمرية الممتدة بين 15 و29 عاماً يشكلون 70 في المئة من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي في العالم العربي.
- تقضي 60 في المئة من الطالبات (عينة البحث) بين ساعة و4 ساعات يومياً في مواقع التواصل الاجتماعي (تويتر، فيسبوك)، و12.6 في المئة من الطالبات يقضين أكثر من 5 ساعات، والنسبة المتبقية أقل من ساعة.
- أظهرت نتائج دراسة موسعة عن التسامح لثمان دول عربية بأن نسبة التسامح مع الآخرين والانفتاح على وجهات النظر الأخرى تتراوح بين 47 في المئة و65 في المئة، كان المجتمع السعودي والإماراتي الأقل تسامحاً والبحرين الأكثر انفتاحاً.
- كشفت دراسات غربية أن المجتمعات التي تأسس فيها التسامح كقيمة سياسية دينية اجتماعية ثقافية عليا، ظهر فيها أن مواقع التواصل الاجتماعي لا تُعزز التسامح بنسب تتراوح بين 16 و31 في المئة بسبب اختلاف الرأي والتوجه.
- كشفت أقدم الدراسات عن التسامح، (دراسة أميركية 2001) بأن الأفراد الذين اتصفوا بالتسامح كانوا أكثر استخداماً للإنترنت.