خطت مملكة البحرين خطوات جادة في حماية المستثمرين العقاريين والمتعاملين مع القطاع العقاري، بإصدار حزمة من الأنظمة والقوانين التي تنظم هذا القطاع الحيوي الذي يشكل 17 في المائة من الناتج المحلي البحريني.
وفي حوار أجرته صحيفة الشرق الأوسط مع نائب رئيس مجلس الوزراء الشيخ خالد بن عبد الله آل خليفة ، طمأن كل المتعاملين في القطاع العقاري، بحرينيين وخليجيين وأجانب، ببدء حكومة البحرين في اتخاذ إجراءات علاجية ووقائية لإنهاء ملف مشاريع التطوير العقاري المتعثرة، وقال إن البحرين أصبحت محصنة، في ظل تطبيقها لحزمة تشريعات تنظم القطاع العقاري، ليس على صعيد البيع والشراء فقط، بل حتى على صعيد الإيجار.
وأضاف الشيخ خالد بن عبد الله، الذي يرأس لجنة وزارية مكلفة من مجلس الوزراء البحريني بمتابعة ملف مشاريع التطوير العقاري المتعثرة، أن البحرين اتخذت خطوات علاجية مشددة لحفظ وإرجاع حقوق المتعاملين، والعمل على إنهاء هذا الملف بأقل الخسائر، ومن بين تلك الخطوات سن قانون بموجبه يمكن إحلال مجالس إدارات الشركات غير المتعاونة والتي تعثرت مشاريعها، أو بيع تلك المشاريع في مزادات علنية.
وعلى صعيد الحلول الوقائية، أشار إلى أن السلطة التشريعية في مملكة البحرين بغرفتيها؛ مجلسي النواب المنتخب والشورى المعيّن، قد أقرت أخيرا قانونًا صادق عليه العاهل البحريني، من شأنه تنظيم عملية التطوير العقاري، لافتًا إلى أن هذا القانون يعد ضمانة لعدم تكرار هذا الملف الذي تعود خلفيته إلى أزمة الرهن العقاري التي تسببت في أزمة مالية عالمية شهدها العالم في عام 2008.
متى بدأت أزمة تعثر المشاريع العقارية في مملكة البحرين؟
- البحرين جزء من العالم، وتتأثر بكل ما يتأثر به الاقتصاد العالمي، وكما يعلم الجميع، حدثت أزمة مالية كبرى في عام 2008 كان سببها أزمة الرهن العقاري، وكانت واحدة من أقسى الأزمات التي عرفها العالم، مما حدا ببعض البنوك والمصارف، وخصوصًا تلك المرتبطة باستثمارات عقارية، إلى اتخاذ قرار إما بتصفية أعمالها، أو بالاندماج مع بنوك أخرى لتفادي خسائر أكبر.
ومن هنا برزت على السطح في مملكة البحرين مشكلة ما يُعرف بـ«مشاريع التطوير العقاري المتعثرة» التي نتجت جراء تخلي شركات التطوير العقاري عن التزاماتها تجاه المشترين الذين سلموا تلك الشركات دفعات مقابل شرائهم وحدات سكنية ضمن مشاريع كبرى، بطريقة «البيع على الخريطة»، إلا أن تلك المشاريع قد تعثرت أو توقفت عن التنفيذ لأسباب متفاوتة.
ما الخطوات التي اتخذتها الحكومة للحيلولة دون تفاقم المشكلة وتضرر القطاع العقاري؟
- كانت كل الأطراف ذات العلاقة، بما في ذلك المطورون والبنوك والمشترون والجمعيات الأهلية والمهنية المتخصصة في المجالين الاقتصادي والعقاري، تترقب تحركًا حكوميًا لإنهاء هذه المشكلة.
وكان الجميع يعتقد أن ذلك التحرك سيكون على شكل ضخ أموال حكومية في صندوق يُنشأ لهذا الغرض، رغم أن الحكومة لم تكن طرفًا في هذه المعاملات حتى تتحمل أي تبعات مالية جراءها.
الحكومة تعلم جيدًا أن السبب الرئيسي وراء تلك المشكلة يكمن في عدم وفاء شركات التطوير العقاري بالتزاماتها وتعهداتها لظروف مختلفة، فضلاً عن الفراغ التشريعي الذي كان ضروريًا لتنظيم عمليتي البيع والشراء في المجال العقاري بشكل كامل من الناحية القانونية، ويحدد في الوقت نفسه التزامات كل طرف تجاه الآخر بوضوح.
لذلك فقد كانت الحلول المتخذة لضمان إنهاء هذا الملف بأقل الأضرار المترتبة تتمثل في سن تشريعات علاجية، ومعالجة الحالة الماثلة، وهي مشاريع التطوير العقاري المتعثرة، وسن تشريعات أخرى وقائية لضمان عدم تكرارها مستقبلاً.
كيف حافظت البحرين على جاذبية قطاعها العقاري، في الوقت الذي تشهد سوقها مشاريع اقتصادية متعثرة؟
- مع سلسلة الإجراءات العلاجية والوقائية التي اتخذتها حكومة البحرين أخيرا، فإن ذلك الأثر قد بدأ بالزوال تدريجيًا، إذ تشير الإحصائيات الرسمية الصادرة عن جهاز المساحة والتسجيل العقاري إلى أن نسبة التداول العقاري في البحرين قد ارتفعت خلال الربع الأول من العام الحالي بنسبة 4 في المائة، مقارنة بالفترة ذاتها من عام 2014، كما بلغ مجموع التداول العقاري نحو 360 مليون دينار، منها 89 في المائة نسبة تداول البحرينيين، و7 في المائة نسبة تداول الخليجيين، ونسبة 4 في المائة المتبقية هي لتداول الأجانب.
في جانب حل المشاريع المتعثرة، ما الإجراءات التي اتخذتها الحكومة؟
- بعد مناقشات حثيثة بين الأطراف المعنية، أصدر الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك مملكة البحرين، في نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 2014، مرسوما لتسوية مشاريع التطوير العقارية المتعثرة، ووافق عليه أخيرا مجلسا النواب والشورى، وهو بمثابة حل عاجل يرتكز على آلية واضحة ومحددة تسهم في حلحلة هذا الملف وصولاً إلى إنهائه تمامًا خلال فترة زمنية تختلف بحسب طبيعة وتعقد كل مشروع.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن حكومة البحرين حريصة كل الحرص على إرجاع الحقوق لأصحابها وحفظها وصيانتها من التلاعب أو الضياع، ليس لمواطنيها فحسب، بل لكل المتضررة مصالحهم نتيجة تعثر تلك المشاريع العقارية، إذ ليس مقبولاً على الإطلاق النيل من سمعة بلد طالما عُرف وعلى مدى عقود طويلة بأنه المركز المالي والتجاري للمنطقة، ويعد القطاع العقاري فيه أحد محركات نمو الاقتصاد الوطني، وثاني أكبر القطاعات الاقتصادية حجمًا، ومشغلاً لنحو 16 قطاعًا آخر، ورافدًا من روافد الناتج المحلي الإجمالي بنسبة لا تقل عن 17 في المائة.
ما الآلية التي تتبعها الحكومة مع مشاريع التطوير العقاري المتعثرة؟
- بحسب المرسوم المستحدث، جاء تعريف مشروع التطوير العقاري المتعثر فيه بأنه «ما يتم بيع وحداته العقارية على الخريطة، وتسلم المطور مقابل ذلك دفعات مالية، وكان تعثر المشروع أو توقفه قد أضر بالاقتصاد الوطني للمملكة». هنا يتم تنفيذ آلية المشروع المتعثر على مرحلتين؛ الأولى دراسة المشاريع المحالة من مجلس الوزراء إلى اللجنة الوزارية للإعمار والبنية التحتية والمكلفة بحصر ديون كل مشروع على حدة، والتزاماته وحقوقه، عبر الاطلاع على جميع البيانات والمعلومات والمستندات والوثائق.
وإذا ما توصلت اللجنة الوزارية إلى قناعة توافق عددًا من الضوابط التي وصفها القانون، ومن بينها ثبات عدم جدية المطور في التنفيذ، وعدم مباشرة المطور ودون عذر مقبول أعمال الإنشاءات، رغم حصوله على التراخيص والموافقات اللازمة من الجهات الحكومية المختصة، أو في حال عجز المطور عن تنفيذ المشروع بسبب الإهمال الجسيم، عندها تتخذ اللجنة قرارًا، وهو يمثل المرحلة الثانية من الآلية، وذلك بإحالة أوراق هذا المشروع إلى لجنة ذات اختصاص قضائي، وهي لجنة تسوية مشاريع التطوير العقارية المتعثرة، وتتكون من ثلاثة قضاة وممثلين اثنين من ذوي الخبرة والاختصاص.
وتختص اللجنة القضائية بوجه عام بالنظر والبت في تسوية المشاريع المحالة إليها من جهة، وتنظر فيها على وجه الاستعجال، ولها اتخاذ الإجراءات الكفيلة بإزالة أسباب التعثر أو تسويتها، كإجراء التحقيقات المالية والإدارية والفنية، وإحالة المشروع إلى النيابة العامة في حال الاشتباه الجنائي، واتخاذ الإجراءات الوقتية والتحفظية اللازمة.
هل هذا كافٍ لحل مشكلة مشروع متعثر؟
- في الحقيقة، تتبع اللجنة القضائية في سبيل تسوية المشروع «الطرق الودية»، من خلال منح المطور مدة زمنية لا تتجاوز شهرًا واحدًا لتقديم مقترح لتسوية مشروعه، وللجنة قبول المقترح أو طلب تعديله، في ضوء ملاحظاتها، أو رفضه لصعوبة تطبيقه، أو لأي سبب آخر.
وفي حالة قبول اللجنة للمقترح المقدم من المطور، تمنحه مدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر لتمكينه من الوصول إلى اتفاق يتم بموجبه تسوية المشروع مع غالبية الأطراف الذين لهم حق في المشروع، ويجوز للجنة تمديد تلك المدة بحد أقصى ثلاثة أشهر أخرى، وإذا تم التوصل إلى اتفاق يتم تدوين ذلك بمحضر يصبح ملزمًا لكل أطرافه بعد تصديق اللجنة عليه.
أما إذا لم تتم التسوية بـ«الطرق الودية» خلال المدد السابقة، يجب على اللجنة البت في تسوية المشروع بقرار نهائي، خلال مدة زمنية لا تتجاوز 18 شهرًا من تاريخ إحالته إليها، ولها في سبيل ذلك اتخاذ ما تراه مناسبًا من الإجراءات، كتعيين مجلس إدارة جديد للمشروع لإدارته وتسويته، وإخطار جهاز المساحة والتسجيل العقاري بعدم إثبات أي تصرف ناقل للملكية في الأرض الخاصة بالمشروع أو تحميلها بأي رهون حتى تتم تسوية المشروع بصفة نهائية، وعرض المشروع على مستثمر جديد لاستكماله، مع مراعاة مصلحة المشروع وكل المستثمرين، وخصوصا المشترين، وإلزامه بتقديم ضمانات كافية لاستكماله بأقل الخسائر الممكنة على أن تكون الأولوية للمستثمرين الممولين للمشروع، ودمج بعض المشاريع في حالة عدم وجود مستثمر جديد.
كما ذهب مرسوم القانون إلى ما هو أبعد من تلك الإجراءات، وذلك من خلال منح الحق للجنة في بيع المشروع في المزاد العلني.
وهل جرى تطبيق هذه الأحكام على أحد المشروعات العقارية المتعثرة؟
- نعم، فقد أحالت اللجنة الوزارية للإعمار والبنية التحتية أخيرا مشروعين إلى اللجنة القضائية «لجنة تسوية مشاريع التطوير العقارية المتعثرة»، وهما مشروع «مارينا ويست»، ومشروع «بوابة أمواج»، بعد أن تبين للجنة، إثر اطلاعها على جميع البيانات والمعلومات والمستندات والوثائق الخاصة بهذين المشروعين المحالين إليها من مجلس الوزراء، اعتبار هذين المشروعين متعثرين وفقًا للضوابط التي سبق بيانها.
كذلك اللجنة تتابع وعن كثب مدى التزام مطوري مشروعي «رفاع فيوز» و«فيلا مار» بخطة قدماها إلى اللجنة الوزارية، كل على حدة، لبدء استكمال المشروعين، وذلك وفق برنامج محدد، وفي حال عدم التزام أيهما أو كليهما بالبرنامج المقدم، فإن للجنة الحق في مباشرة اختصاصها واعتبار غير الملتزم منها متعثرًا، ومن ثم إحالته إلى اللجنة القضائية.
هل تتوقعون أن يحيل مجلس الوزراء إلى لجنتكم مزيدًا من المشاريع العقارية المتعثرة؟
- نعم، وإن كنا لا نتمنى وجود مزيد من المشاريع العقارية المتعثرة، لكن ما يهم حاليًا هو المضي قدمًا في اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة حيال المشروعات الأربعة السابقة، ومعالجتها، وإنهائها تمامًا، بوصفها مشاريع تطوير عقاري كبرى، نظرًا لتعقد الحقوق والالتزامات المترتبة على كل واحد منها.
بعد إنهاء هذا الملف، ما الذي يضمن عدم تكرار هذه المشكلة مستقبلاً؟
- لم يغفل المشرّع البحريني هذا الجانب، فقد صادق الملك حمد بن عيسى آل خليفة في أغسطس (آب) من عام 2014 قانون التطوير العقاري، وهو القانون المنظم العلاقة بين أطراف العملية العقارية المطور والممول والمستثمر أو المشتري، ومنذ صدور هذا القانون أصبحت جميع مشاريع التطوير العقاري تخضع لأحكامه، فيما عدا الحالات المتعثرة التي تخضع لمرسوم تسوية مشاريع التطوير العقارية المتعثرة، إلى حين انتهاء حالة تعثرها.
المهم اليوم هو طي ملف مشاريع التطوير العقاري المتعثرة تمامًا، والنظر إلى المستقبل، وأن نطمئن الأشقاء في دول الخليج وسائر المتعاملين في المجال العقاري بأن البحرين أصبحت محصنة، في ظل تطبيقها لحزمة تشريعات تنظم القطاع العقاري، ليس على صعيد البيع والشراء فقط، بل حتى على صعيد الإيجار.
ما ضمانات ذلك؟
- من المهم الإشارة إلى بعض ضمانات حفظ الحقوق، التي تنبه إليها المشرع، والتي تتمثل في إنشاء لجنة منازعات تتألف من قاضيين وأحد المختصين العقاريين، ومنح القانون هذه اللجنة صفة السرعة للفصل في الدعاوى الناشئة عن أعمال ومشاريع التطوير العقاري، والدعاوى التحفظية والوقفية، وعرض التسوية الودية أو الصلح على أطراف النزاع، فضلاً عن إمكانية الطعن بالاستئناف أمام المحكمة الكبرى المدنية في قرارات اللجنة خلال 15 يومًا من تاريخ صدورها أو إعلانها.