العدد 4634 - الجمعة 15 مايو 2015م الموافق 26 رجب 1436هـ

شهد أمين: أتمنى أن أحكي قصصاً عن النساء المضطهدات

عن «حوريتها وعينها» السينمائية

جدة السعودي - خالد ربيع السيد 

15 مايو 2015

درست المخرجة السعودية الواعدة شهد أمين في مدرسة متروبوليتان السينمائية بلندن، وبادرت أثناء فترة دراستها تلك بصناعة أفلام قصيرة، برز منها فيلم بعنوان «موسيقانا».

ولكن أول مشاركة حقيقية لها كانت في الدورة الخامسة لمهرجان الخليج السينمائي 2012م حيث عرضت فيلم قصير آخر بعنوان (نافذة ليلى) وحكت فيه عن فتاة في السابعة من عمرها تحمل في قلبها سراً وتقوم بالتمرد على عائلتها. كانت تلك انطلاقتها في عالم السينما التي قدمت بها نفسها للجماهير.

غير أن القفزة التي حققتها كانت مع فيلم (حورية وعين) الذي عرضته أول مرة في مهرجان دبي السينمائي 2013 ثم في مسابقة أفلام الإمارات بمهرجان أبوظبي السينمائي 2013م ونالت عنه الجائزة الأولى للأفلام القصيرة، ثم عرضته في فبراير/ شباط 2015م بمهرجان الأفلام السعودية ونالت عنه جائزة النخلة الفضية.

وعي يخلق قيمة الفن

من يتأمل منطق هذه المخرجة الشابة يجد فيه قدراً كبيراً من الوعي، و»عينها» السينمائية، رغم أن عمرها لم يتجاوز الستة والعشرين عاماً... تقول شهد أمين، عندما سئلت عن شعورها بفوزها بالجائزة الأولى في مهرجان أبوظبي السينمائي: «أن الجوائز لم تكن أبداً طموحي، والفن هو طموحي الأول والأخير، فأنا أسعى لتحقيق أحلامي الفنية من خلال توصيل القصص التي أحب أن أرويها عن من لديهم قصص إنسانية، والفيلم الجيد الذي أستطيع إنجازه هو الجائزة الفعلية لي».

وعن العوالم التي تحب أن تحقق عنها أفلامها توضح شهد «أحب أن أتحدث عن الطفولة والنساء والعاطفة بشكل عام، فالفيلم تجربة، كما أحب أن أتحدث عن المهمشين اجتماعياً»... ولعل في تصريحها هذا شيئاً مما يمكن التنبؤ به عن مستقبلها السينمائي والاتجاه الذي تود أن تنخرط فيه، إن قدر لها أن تحقق أفلاماً بالكيفية التي تراها، وساعدتها الظروف لتمكينها من ذلك. أما عن نظرتها لقضايا المرأة السعودية بشكل عام، فهي تعتبر أن «المرأة السعودية لها تاريخ من الاضطهاد، والكثير من النساء السعوديات يملكن أصواتاً بدت الآن صادحة ومؤثرة، لكن البعض منهن يعانين من الظلم الاجتماعي والتعامل الذكوري القائم على إقصائهن وفرض سلطة الرجل عليهن، لذلك أتمنى أن أقف بجانبهن وأن أحكي قصصاً، بواسطة فن السينما، عن أولائك النساء اللواتي يتعرضن للاضطهاد بشكل مستمر، والأمل كبير في أن يتخلصن منه ويتحررن مثل «الحورية» في الفيلم.

وهي تفسر الاضطهاد الواقع على المرأة السعودية بأنه ناتج من فهمها وحراكها الخامد، فهي لا تحارب من أجل نفسها، وتنتظر الآخرين ليأخذوا حقها لها، فإشكالية المرأة السعودية الحقيقية تكمن في عدم ثقتها بنفسها، وأرجو أن لا يفهم من كلامي بأني أعمم ذلك على المرأة السعودية بشكل مطلق، ولكني أتحدث عن فئة منهن رضين بالاضطهاد فأصبحن ضحايا له.

شيء من قيمة فيلم «حور وعين»

بالعودة إلى فيلمها «حور وعين» الواقع في 15 دقيقة، فإنها شاركت به في مهرجان تورنتو السينمائي 2014م ضمن قسم «تقاطعات دولية»، حيث عرض مرتين ولفت أنظار الجماهير والنقاد.

وأخيراً شاركت شهد بفيلمها حورية وعين، خلال مارس 2015م، في مهرجان أتلانتا السينمائي، ونافس الفيلم في المسابقة الرسمية للمهرجان ضمن قسم «المستقلات الصاعدات» الذي تشارك فيه أفلام لمخرجات وصانعات أفلام نسائية بشكل رئيسي.

إذن يعتبر فيلم «حورية وعين»، الذي مولته ونفذته مؤسسة الدوحة للأفلام، التجربة الثالثة لهذه المخرجة الواعدة، بعد مشاركتها، كما أسلفنا، بفيلم «نافذة ليلى» و فيلم قصير آخر بعنوان «موسيقانا»، وهما فيلمان روائيان يلمس المشاهد لهما جودة الاشتغال الاحترافي، بما يعد بتقديم تجارب ناجحة في المستقبل.

يروي فيلم «حورية وعين» قصة بسيطة تخلط بين الدراما والفنتازيا، وتدور في مخيلة طفلة تدعى حنان (الطفلة بسيمة حجار) في العاشرة من عمرها تعيش في قرية خليجية، غير محددة في أي دولة، وتقع على ضفاف الخليج العربي، ويعمل والدها (الممثل راشد الشيب) في صيد الأسماك واللؤلؤ، ويبدأ الفيلم بمشاهد قصيرة تأخذ المشاهد إلى عالم البحر وسفن الصيد والعلاقة الحميمة بين طفلة ووالدها الذي اعتاد أن يحضر إليها حبات اللؤلؤ الأسود كلما دلف إلى البحر وغاص في أعماقه.

في الرحلة الأخيرة وعدها والدها أن يحضر لها حبة لؤلؤ أخرى، وطلب منها أن تعده بأن لا تختبئ وراء السفن القديمة وبيوت الطين المبنية على شاطئ البحر، ربما لكي لا تراقب عمله، وبعدما عاد من رحلة الصيد شاهدته حنان وهو برفقة البحارة وهم يحملون سمكة ضخمة، اتضح فيما بعد أنها حورية (الممثلة سارة الدوراني)، وأخذ البحارة في قطع ذيلها بعدما فصلوه عن نصفها العلوي الشبيه بجسد الإنسان، وهنا يترك والدها والبحارة الحورية بعدما انتزع والد حنان حبة لؤلؤ أسود ملتصقة في وجنة الحورية ليهديها إلى طفلته.

يغادر البحارة المكان، فتأتي حنان وتحاول مساعدة الحورية لإعادتها إلى البحر، حيث تعود إلى حياتها الطبيعية الحرة في الأعماق وبين الأمواج... ولكن كانت تجمعت لدى حنان حبات لؤلؤ جلبها إليها والدها من رحلات الصيد العديدة التي يقوم بها، وهكذا جمعت الطفلة حبات اللؤلؤ ونظمت منها عقداً جميلاً، وتمر الأيام والسنين وتكبر حنان لتصبح شابة في الخامسة والعشرين من عمرها، (قام بأداء الدور الممثلة نادين فضايل) بعدما توفي والدها الصياد، ولكنها تصاب بحالة غريبة لازمتها منذ اكتشافها لأمر الحوريات الموؤدات، متمثلة في الوجوم والجمود الروحي وعدم القدرة على ذرف الدموع والبكاء حتى عندما توفي والدها، لذلك تقرر أن تعيد حبات اللؤلؤ المنظومة في عقد إلى الحوريات في البحر، لعل ذلك يغفر لأبيها ذنبه الذي اقترفه.

وبالفعل تبحر في سفينة والدها حتى منتصف البحر، وتغوص لتبحث عن إحدى الحوريات، وعندما وجدتها أعطتها عقد اللؤلؤ الأسود.. فيدب النشاط في الحورية وتملأ السعادة روحها وتعود تجوب البحر بكامل حريتها وحيويتها.

رمزية بليغة

القصة كما تبدو بتخييلها تحمل قدراً من الرمزية التي يمكن تأويلها على أنها همسة لمنع المساس بحرية المرأة، وعدم العبث بحرمتها الروحية أو الجسدية، لأن أثر ذلك سيكون عميقاً ويستمر طوال سنين حياتها... فعندما كانت الطفلة (حنان) صغيرة كانت تفرح باللآلئ التي يهديها إليها والدها، وهي لا تعرف أنها مأخوذة من أجساد الحوريات، ولكن عندما عرفت رفضتها بحس فطري قوي، واستنكرت على أبيها صيد الحوريات وحرمانهن من ذيولهن التي تمنحهن الانطلاق والغوص في البحار، وفي ذلك رمزية بليغة وتشبيه مؤثر لحساسية المرأة، للدرجة التي جعلت حنان لا تحزن على أبيها عند موته ولم تذرف عليه الدموع، في إشارة قوية لإدانته ورفضها لصنيعه في قتل حوريات البحر والتكسب من بيع ذيولهن... هي إذن إدانة للذكورة التي تسرق أحلام الصبايا وتوهمهن بالسعادة، إدانة للمتاجرة بالمرأة الحرة وتسليعها والكسب من جمالها. ورغم حميمية العلاقة الإنسانية الظاهرة بين الذكور والإناث في المجتمع (علاقة حنان بوالدها) إلا أن هناك ممارسات رجعية ونفعية تقوم بها المجتمعات الذكورية وتؤدي إلى شرخ نفسي كبير في وجدان المرأة... الفيلم عبر عن ذلك بلغة فنية، ممتعة بصرياً وعميقة فكرياً.

سرد بصري مكثف

الفيلم رغم قصره (15 دقيقة) إلا أنه يتميز بسرد مكثف عبر صورة بالغة اكتملت مع اختيار مواقع التصوير في القرية الواقعة على ضفة البحر ببيوتها المبنية بالطين والبيئة التي توحي بزمن غير محدد، مما يضفي بعداً أسطورياً خيالياً للفيلم بأكمله، أجاد المصور توماس هاينز في اختيار زوايا التصوير وأمعن في توازن حجوم الكوادر و ملاءمتها بالشكل الذي يمنح المشاهد إحساساً حقيقياً لما يشاهد، وخصوصاً في اللقطات الواسعة للبحر والسفينة في عرضه، وكذلك في منظر البيوت القديمة، ثم في اللقطات التي صورت حورية البحر وهي مقطوعة الذيل وتزحف نحو الشاطئ، بما لا يترك أي إحساس بأن اللقطات غير حقيقية أو مشتغلة كخدع بصرية، فهي تثير المشاعر، وتعمق الإحساس بالرهبة عند ظهور الحورية المقطوعة.

وبالطبع فإن لجودة عمل (الميك آب) دعم أساسي لذلك الإحساس القوي بالطبيعية، إلى جانب دقة صناعة الدمية (الحورية)، مع انسجام المؤثرات الصوتية والموسيقية التي رافقت الصور، وطبيعية أداء جميع الممثلين الذين ظهروا في الفيلم، إلى جانب حرفية الإنتاج التي قادها السينمائي الشاب محمد سندي... هكذا تضافرت للمخرجة شهد أمين الأدوات المتكاملة التي مكنتها من قيادة فريق العمل بجرأة لتقدم عملاً جديراً بالمشاهدة دون الإحساس بأي ترهل في نسيجه.

العدد 4634 - الجمعة 15 مايو 2015م الموافق 26 رجب 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً