العدد 4634 - الجمعة 15 مايو 2015م الموافق 26 رجب 1436هـ

ليام نيسون يدفع ثمن أخطائه... ولو بعد حين

في آخر أفلامه Run All Night

أن تعيش حياتك مطارداً بذنوب وآثام ارتكبتها في مرحلة ما من حياتك، أن تلاحقك جرائم اقترفتها يداك في ماض قريب أو بعيد. وأن تنال منك تلك الذنوب والآثام... ولو بعد حين، وتدفع لها ثمناً غالياً... أكبر بكثير مما خطر على بالك يوماً... أن تحصد ثمار كل ما زرعته من شوك.

وبعدها أن تجد حياتك ممزقة بين ألم يعتصرك ندماً على ماضٍ أسود، يمتلئ بالذنوب والجرائم، وبين ضرورة العودة لذلك الماضي بشكل أو بآخر وارتكاب المزيد والأكثر بشاعة من الذنوب والجرائم، ربما لتصحيح أو لتخفيف حدة آثار وتبعات ذلك الماضي الأليم على حاضرك الممزق البائس.

ذلك هو العذاب وتلك هي الفوضى التي يعيشها ليام نيسون في آخر أفلامه Run All Night المعروض منذ أسابيع في دور العرض بمجمعي السيتي سنتر والسيف مول.

نيسون يؤدي في الفيلم دور جيمي كونلون، The Gravedigger (حفّار القبور)، عضو العصابة الدموية التي تشبه في سلوكها وتعاملاتها وعلاقاتها ودمويتها وعنفها عصابة عائلة فييتو كورليوني في فيلم The Godfather، ويقدم زعيمها شون ماغواير (إد هاريس) أداءاً يقارب في قوته وتأثيره ذلك الذي قدمه مارلون براندو، ولا سبيل للمقارنة بالطبع بين الفيلمين والفنانين.

وعودة إلى ليام نيسون، الذي يقدم شخصية «شريرة»، ظلامية، هذه المرة، إلا أننا سنجد أنفسنا مجبرين على أن نقف منه موقفاً إنسانياً، ونحاول إيجاد خط رجعة لهذا القاتل الذي تلطخت يداه بدماء كثير من الأبرياء وغير الأبرياء. كيف لا وهو يدفع أمامنا ثمناً باهظاً لكل ما فعله في حياته.

جيمي (نيسون) على أية حال، ظل يكرر طوال الفيلم عبارة حول دفعه ثمن ماضيه الأسود، ما جعل هذه العبارة تجد لها صدى في أنفسنا وتخلق معه تعاطفاً حين تتعقد الأمور وتتشابك الأشياء. لم ينفك يكرر أننا جميعاً ندفع ثمن أخطائنا وذنوبنا وكل ما اقترفناه في هذه الدنيا قبل الآخرة، وبأننا نحصد دائماً ما نزرع. وهانحن نشهد كيف فقد هذا الرجل كل شيء، بدءاً من عائلته، زوجته التي رحلت، وابنه الذي يرفض الاعتراف به ويشعره بالقرف والاشمئزاز من ماضيه، وعمه الذي يرفضه، وصولاً لفقدانه كل اتزان ووقار، فهو السكير الغاضب دائماً الذي يكرهه الجميع، أفراد عصابته، ومن تبقى من «شرفاء» رجال الشرطة، الذين يتوقون لوضعه خلف القضبان لينال عقاب ما ارتكبه من جرائم نكرة.

هذا الرجل البائس، هو بقايا رجل... تطارده أشباح ماضيه، يكرهه ابنه الوحيد، ولا تتعرف عليه حفيداته. يقتله الشعور بالذنب ويظل يحمل هاجس ملاحقة ذنوبه له التي دفع لها ثمناً غالياً ويعلم أن هناك ثمناً آخر سيدفعه قريباً.

بالفعل تأتي تصفية حسابات القدر مع جيمي عبر ابنه مايك، الذي يضع والده في موقف يتوجب عليه فيه الاختيار بين العودة لذنوبه القديمة وبين الرضوخ والاستسلام لرغبة رئيس عصابته الذي يسعى لقتل ابنه.

مايك الذي يشهد جريمة قتل يرتكبها داني، ابن رئيس العصابة، يصبح هدفاً للابن مرتكب الجريمة أولاً، ثم للأب رئيس العصابة. وكما فعل نيسون المستحيل لينقذ ابنته في Taken هاهو يفعل المثل هنا حين يجد نفسه مجبراً على قتل داني، وهكذا يصبح مطارداً من قبل العصابة ذاتها التي ارتكب من أجلها الكثير من الجرائم ودمر حياته لتصفية حسابات رئيسها.

ينتهي الأمر بعملية قتل مروعة وانتقام بشع يذهب ضحيته جميع أفراد العصابة بمن فيهم شون ماغواير وجيمي نفسه. ويطالعنا الفيلم قبل دقائق من انتهائه بمشهد هو ذاته الذي بدأ به، يختصر كل ما أراد الفيلم قوله طوال ساعتين «ندفع ثمن أخطائنا... غالياً... ولو بعد حين».

ونيسون هو أفضل من يمكن أن يؤدي مشاهد بهذه الروعة، نجده ملقى في وسط الغابة يلفظ أنفاسه الأخيرة، ويسترجع كل ماضيه بندم وألم لا يوصفان.

على أية حال، تألق نيسون في الأعوام الأخيرة في أدوار الأكشن والإثارة وذلك عبر عدة أفلام أبرزته كواحد من أهم نجوم الأكشن في هوليوود، أهمها Taken بأجزائه الثلاثة، وفيلم Non-Stop وحتى فيلم The Grey (2011) بإثارته وأكشنه المختلف قليلاً.

كل تلك الأفلام مكنت هذا الفنان الإيرلندي من أن يصنع لنفسه موقعاً خاصاً كأحد نجوم الأكشن المفضلين في هوليوود، بأداء لا يقل قوة عن أداء أفضلهم. وهو برغم عمره الذي يتجاوز الستين عاماً يظل محتفظاً بمقومات ممثل أكشن مميز ومقنع. ليس ذلك وحسب، لكن نيسون يضفي على كل الشخصيات التي يقدمها لمسة إنسانية عاطفية تغير موقف المشاهد من تلك الشخصيات مهما بلغ سوؤها، كما حدث في هذا الفيلم.

أداؤه في هذا الفيلم كما هو معتاد منه، وإن كان مكرراً، إلا أنه مبهر، قوي، مؤثر، مقنع، وأكثر من رائع. أعطى للفيلم قوة وطابعاً خاصاً، ومنح نيسون نقاطاً إضافية تجعله واحداً من بين الأفضل. نعم يتم استغلال قدراته في الأكشن لتقديم سلسلة من الأفلام المتشابهة، لكنه استغلال مثمر وناجح على أية حال.

وعلى رغم أننا أمام فيلم أكشن هوليوودي، كلاسيكي، من حيث الحبكة والأداء وبعض تفاصيل المشاهد، إلا أنه لا يمكننا إنكار تميّز مواقع تصوير الفيلم، ومشاهد المطاردات المنفذة بإتقان.

كذلك تستوقفنا موسيقى الفيلم التي وضعها الدانماركي جنكي إكس إل، والتي لا تشبه موسيقى أفلام الأكشن المعتادة، فهي تحمل «ثيمات» عاطفية إلى جانب «الثيمات» المعتادة، ما أضفى على المشاهد قوة خاصة، تشبه تلك القوة العاطفية التي يحملها نيسون بين ثنيات وجهه وفي صوته القوي وعينيه.

العدد 4634 - الجمعة 15 مايو 2015م الموافق 26 رجب 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً