العدد 4634 - الجمعة 15 مايو 2015م الموافق 26 رجب 1436هـ

مشاريعنا الثقافية... أين هي؟!... الدكتور الفضلي نموذجاً

الأحساء (السعودية) - عبدالله بن علي الرستم 

15 مايو 2015

لاشك أن كلَّ حراكٍ ثقافي له جذوره الضاربة والتي تحركه للبروز بشكل أوضح في ميادين الحياة، وذلك عبر نشاطات متعددة الجوانب والأهداف، ولا يمكن نعتُ أيّ مشروعٍ بداية انطلاقته بنعوتٍ ما قبل أن تتحقق بعض أهدافه ويتلمّسها المحيطون، فإذا ما تحققت بعض تلك الأهداف استطاع المحيطون والمستفيدون تقييم تلك المشاريع التي يكافح من أجلها المثقفون العاملون، وهنا تبرز أهمية المشاريع الثقافية الفردية والمؤسساتية.

بيد أن ما يجري على الساحة العربية والإسلامية أن بعض المثقفين لا يمتلكون هذه الرؤية، حيث يغيب عن أذهانهم إنشاء المشاريع الثقافية الفردية والمؤسساتية إلا ما ندر، وهو ما يؤدي إلى تشتيت جهد المثقف سنوات من عمره من دون أهداف ومشاريع، وغياب هذه الرؤية عند المثقف تعد بحقٍّ مؤسفة؛ باعتباره من الطلائع التي يُعتمد عليها في تحريك عقل المجتمع ليجعله شعلةً من النشاط وتحقيق ما يصبو إليه في خدمة الثقافة على جميع أصعدتها.

وبالنظر إلى بعض المشاريع الثقافية القائمة والمتوزّعة في بلدان العالم، ينبغي على المثقفين الذين لديهم رؤية للمشاريع الثقافية أن يشحذوا طاقاتهم لصنع مشاريعَ تناسب الحياة الراهنة بكل تفاصيلها قدر المستطاع وتصب في صالح البشرية، فالعمل الثقافي الفردي وإن كان يحمل شيئاً من الرصانة والقوّة، إلا أنه ينبغي أن يُعزَّزَ بطاقاتٍ متنوعة؛ ليكون أكثر شمولية من العمل الفردي الذي قد يعتوره النقص في كثير من جوانبه، وليكون حفاظاً على مخرجات الثقافة من الترهّل والخمول، كذلك من الأمور التي ينبغي الالتفات إليها في المشاريع الثقافية المؤسساتية أن تبتعد عن التحزّبات وطغيان جانبٍ على آخر، فالمثقف الواعي هو الذي يتجاوز كل التحزّبات والتصنيفات، حيث إنها تعرقل الرؤية الشمولية في مثل هذه المشاريع التي يُراد لها خدمة الثقافة.

وبالنظر إلى ما ذكرته سلَفاً تبرز أمامنا شخصيةٌ من شرق المملكة العربية السعودية وهي بحق قامةٌ شامخةٌ ساهمت في وضع لبناتٍ ثقافية وعلمية في الوطن وخارجه، تلك الشخصية هي شخصية الراحل الدكتور عبدالهادي الفضلي - رحمه الله - الذي كان شعلةً من النشاط على كثير من المستويات إلى آخر رمقٍ من حياته، فلم يكتفِ بوضع مشروعٍ له طيلة حياته العلمية وهو (تطوير المناهج الجامعية والحوزوية) إلا أنه ساهم في الوقت ذاته في بناء صرحٍ علمي بسواعد بعض المهتمين في الشأن ذاته، تمثل ذلك في تدريس وتأليف بعض المناهج لـ (الجامعة العالمية للعلوم الإسلامية) بلندن مع مساهمته في خطة سير الدراسة الجامعية فيها بطلبٍ من الدكتور محمد علي الشهرستاني، وإنشاء قسم (اللغة العربية) بجامعة الملك عبدالعزيز في جدة بمعيّة الدكتور محمد علي الساسي، وكذلك قيامه بعقد محاضرات مكثَّفة في المنطقة الشرقية، فقد كان لكل نشاطاته وحراكه صدى واسعٌ وطيب، وغيرها من المشاريع العلمية التي استفاد ومازال يستفيد منها الكثير من أبناء الأمة العربية والإسلامية.

وهذا المشروع الذي وضعه على كاهله، ليس من السهل اليسير أن يثابر من أجل الاستمرار في تحقيقه، إلا أن الراحل الفضلي استمر في تحقيق طموحه ولو بالمساهمة القليلة في كثير من المشاريع، ومن يقرأ تراثه المتوزع في الكتب والمجلات وغيرها، يرَ أنه ليس من السهل المواصلة في هكذا مشروع في ظل وجود بعض العقبات التي تعوقه بين الفينة والأخرى، وإن دلّ فإنما يدلّ على عِظَم المشروع والهمّة العالية التي يتحلّى بها.

وحريٌّ بالمثقفين المعاصرين الاستفادة من تجارب السابقين والمعاصرين في البدء أو المساهمة بشكل كبير في دعم أي حِراكٍ ثقافي له وسائله وأهدافه وغاياته النبيلة، ولاشك أن المشاريع الثقافية التي تخدم المجتمعات في جميع الأصعدة محفوفة بعناية إلهية أياً كان القائم عليها.

العدد 4634 - الجمعة 15 مايو 2015م الموافق 26 رجب 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً