العدد 4634 - الجمعة 15 مايو 2015م الموافق 26 رجب 1436هـ

ما بين موقع سار وساحل باربار: آثار إسلامية دارسة

قبور إسلامية في سار تعود للقرن الثاني عشر الميلادي (متحف البحرين الوطني)
قبور إسلامية في سار تعود للقرن الثاني عشر الميلادي (متحف البحرين الوطني)

تحدثنا في الحلقة السابقة عن بعض المعايير التي عن طريقها يمكن ترجيح أي المناطق القديمة في البحرين كان لها ثقل نوعي، ضمن منظومة الحكم في الحقبة بين القرنين الثاني عشر والثامن عشر الميلاديين. وذكرنا من هذه المعايير أسماء الأعلام التي تبوأت منصب قاضي القضاة، ووجود آثار إسلامية تدلل على ذلك الثقل. إن مدى مصداقية هذه المعايير في الدلالة مرهون بنتائج الأبحاث التراكمية التي وثقت أسماء الأعلام والأحداث التاريخية في تلك الحقبة، وكذلك، على التقارير الآثارية التي وثقت الآثار الإسلامية في البحرين بصورة عامة. وللأسف الشديد، فإن هناك قصوراً في هذه الدراسات وهناك العديد من الحلقات المفقودة؛ لذلك فإن ترجيح المناطق ذات الثقل في تلك الحقبة مرهون بنتائج الأبحاث المنشورة الحالية، وربما تتغير مستقبلاً في ضوء أي نتائج جادة في المستقبل.

في الحلقات السابقة تناولنا عدداً من المناطق المهمة، مثل مقابة وسار وباربار، في الواقع، أن كل المنطقة الممتدة ما بين ساحل باربار في الشمال وحتى موقع سار الأثري في الجنوب تعتبر واحدة من أهم المناطق التي تحتوي على آثارٍ إسلامية، ما بين مدن/قرى ومساجد ومقابر وأضرحة، يعود تاريخها للحقبة ما بين القرنين التاسع والسادس عشر الميلاديين. إن وجود مثل هذه الآثار وبهذا التنوع والعدد والقدم، يعطي هذه المنطقة أهمية خاصة، ولكن للأسف هناك نقص في الأبحاث، سواء التاريخية أو التقارير الآثارية حول هذه المناطق والآثار. وسنحاول هنا تلخيص تلك الآثار التي سبق وأن تطرقنا لها في حلقات مختلفة سابقة.

ما بين الدراز وباربار

باربار هي إحدى أقدم القرى التي تم استيطانها في الحقب الإسلامية المبكرة، وبها العديد من المواقع الأثرية الإسلامية، فقد سبق أن تطرقنا للمدينة الإسلامية التي تأسست في موقع معابد باربار منذ القرن التاسع الميلادي، واستمرت حتى القرون اللاحقة. كذلك تناولنا بالتفصيل مسجد علي بن حماد الذي عثر بداخله على نقش يفيد أن المسجد بني بأمر من «ملك الوزراء في العالمين شمس الدنيا والدين محمد بن أحمد بن سعيد بن معالي» وذلك في العام 1329م (Kalus 1990, p. 68).

ومن المواقع المهمة أيضاً، المنطقة ما بين الدراز وباربار، وبالتحديد المنطقة الممتدة ما بين عين أم السجور ومعبد الدراز. في واقع الأمر، فإن هذه المنطقة كانت مغطاة بآلاف القطع من الفخار، ما يدل على أن هذه المنطقة كانت في السابق مدينة كبيرة (Bibby 1956). ويبدو أن هذه المدينة/القرية كانت تقع بين ثلاث قرى، باربار والدراز والمرخ، وأن جزءاً كبيراً من آثار هذه المدينة/القرية قد دفن تحت شارع البديع، عندما تم رصفه في الثلاثينيات من القرن الماضي. أما هذه المدينة/القرية فإنها تعود للحقب الدلمونية القديمة، وقد هجرت في فترة لاحقة قرابة العام 550 ق. م. إلا أن المنطقة عادت لتسكن من جديد قرابة القرن التاسع/العاشر الميلادي واستمر حتى القرن السادس عشر الميلادي (Larsen 1983, p. 85).

جنوسان وجد الحاج

منذ بداية القرن العاشر الميلادي بدأ الاستيطان بالتوسع على الساحل الممتد من باربار شمالاً وحتى جد الحاج في الجنوب؛ فقد عثر على ساحل جنوسان (ما بين باربار وجنوسان) على لقى آثارية تدل على وجود استيطان يعود للقرنين العاشر والحادي عشر الميلاديين (Larsen 1983, figure 7 and appendix 2). وقد توسع الاستيطان ليشمل كل الساحل الممتد من قرية باربار وحتى قرية جد الحاج. وتشير نتائج المسوحات الآثارية لوجود لقى آثارية تدل على وجود استيطان في جنوب قرية جد الحاج ويمتد لقرية جنوسان وهو يعود للحقبة الإسلامية المتوسطة (أي ما بين القرنين الثاني عشر والسادس عشر الميلاديين)، ومن أهم تلك الآثار جامع الوطية في جد الحاج والذي يرجح أنه بني في القرن الرابع عشر الميلادي واستمر حتى القرن السابع عشر الميلادي (Larsen 1983, figure 7 and appendix 2).

ويبدو أن كل الساحل الممتد بين جد الحاج وباربار كان أحد أهم الموانئ لهذه المنطقة، في تلك الحقب القديمة. فقد سبق أن أشرنا أن باربار كانت إحدى أهم خمس مراكز استيطان في كبرى جزر البحرين في القرن التاسع الميلادي. كذلك فإن الروايات الشعبية تشير لكون جد الحاج كانت ميناء قديماً.

باربار ومقابة وأبوصيبع

من المواقع الأثرية في باربار، أيضاً، موقع جنوب باربار، الذي ترجح الروايات الشعبية أنه كان جزء من قرية مقابة القديمة. والموقع عبارة عن مدينة/قرية، لا يعرف بالتحديد امتداد حدودها، وبها آثار لمسجد ضخم، ويتبع لهذا المسجد مباني صغيرة تحيط به، وهي مبانٍ لم تتحقق البعثة الفرنسية من أهميتها (Salles et. al. 1983). كذلك، وبحسب تقرير البعثة الفرنسية، فإن المسجد الذي عثر عليه في هذا الموقع، يعود بناؤه للقرن الثاني عشر الميلادي، وقد مر بعدد من مراحل التطوير، حيث بدأ بناء المسجد كغرفة صلاة صغيرة، وبعدها تمت توسعته على مراحل، وتمت إضافة مبانٍ أخرى تابعة له (Salles et. al. 1983). ويبدو أن هذا الموقع كان متصلاً بقرية مقابة الحالية، والتي ينتشر بها العديد من المواقع الأثرية الإسلامية، كمسجد المدرسة ومسجد الرويس. وقد أثبتت نتائج المسوحات الأثرية أن هذه المواقع تعود للحقبة الإسلامية المتوسطة (Larsen 1983, figure 7 and appendix 2).

وإلى الشرق من قرية مقابة الحالية، تقع قرية أبوصيبع، وقد كانت ذات شأن في السابق؛ حيث يرجح وجود مدرسة فقهية ثقافية متطورة فيها، ربما تأسست منذ القرن الرابع عشر الميلادي أو قبل ذلك، يتضح ذلك من المخطوط الذي يوجد في أرشيف الشيخ بشار العالي والذي كشف عنه جاسم العباس، وهو مخطوط لكتاب «الشافية»، لابن الحاجب، وهو بخط حسين بن علي بن حسين بن رحمة الأصبعي البحراني مؤرخة في 10 ذي الحجة 810 هـ الموافق 4 مايو/ أيار 1408م (صحيفة «الوسط» 31 مارس 2015م). يذكر أن ناسخي الكتب عادة ما يكونوا من ضمن مكونات المدرسة الفقهية في تلك الحقبة، والتي تقوم، بالإضافة لعملية تدريس العلوم الشرعية والعقلية، بنسخ وكتابة حواشٍ وتأليف كتب أو مصنفات، ولا يمكن أن تكون مدرسة مشهورة دون أن تتصدى لهذه المهام (مدن، قرية فاران، غير منشور).

ما بين مقابة وسار

تشير نتائج المسوحات الآثارية لوجود عدد من المواقع الأثرية الإسلامية ما بين مقابة وسار؛ ففي جنوب مقابة تقع أطلال تعود لقرية الرويس، ومنها آثار جامع كبير، وهي تعود للحقبة الإسلامية المتوسطة (Larsen 1983, figure 7 and appendix 2). كذلك، تشير تلك النتائج الآثارية لوجود مدينة/قرية إسلامية مبكرة نشأت في موقع سار الأثري تعود للقرن التاسع الميلادي، وقد استمرت حتى الحقبة الإسلامية المتأخرة. ومن خلال ما عثر عليه من أضرحة وقبور إسلامية، يبدو أن هناك مدرسة فقهية أنشئت في موقع سار الأثري، وقد كان بها عدد من العلماء؛ فقد عثر فيه على آثار لضريحين بُنيا على قبرين، ويرجح أن هذه القبور تعود للقرنين الحادي عشر والثاني عشر الميلاديين (Kalus 1990, p. 75).

الخلاصة

من خلال ما تم استعراضه من آثار إسلامية، يتضح لنا أن المنطقة الواقعة ما بين ساحل باربار في الشمال وموقع سار الأثري، كانت واحدة من أهم مناطق الاستيطان منذ الحقبة الإسلامية المبكرة وحتى الحقبة الإسلامية المتوسطة، ويبدو أنها لعبت دوراً مهماً في تاريخ البحرين القديم، إلا أنه، ولقلة ما وصلنا من تاريخ مكتوب، وقلة الدراسات الآثارية، لا نستطيع تحديد ذلك الدور بوضوح. إلا أن تبوؤ شخصيات تنتمي لقرية مقابة مناصب عليا، كمنصب قاضي القضاة، ربما يشير لتلك الأهمية. وهناك مناطق أخرى يرجح أنها لعبت أهمية كبيرة أيضاً في تاريخ البحرين؛ وذلك بما تضمّه من آثار إسلامية مهمة، سنتطرق لها في الحلقات القادمة.

العدد 4634 - الجمعة 15 مايو 2015م الموافق 26 رجب 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً