قال خطيب مركز أحمد الفاتح الإسلامي في الجفير الشيخ عدنان القطان في خطبته أمس الجمعة (15 مايو/ أيار 2015): «إن من دلالات البعد التربوي من رحلة الإسراء والمعراج أن نستوعب - نحن المسلمين - أن للإسلام رسالة حضارية يجب أن نقدمها إلى العالم، وتظهر في أعمالنا وسلوكياتنا، رسالة حضارية تبني ولا تهدم، وتعمر ولا تخرب، وتحيي ولا تقتل أو تسفك الدماء أو تزهق الأرواح، وتجمع ولا تفرق».
وفي خطبته بعنوان: «الإسراء والمعراج دروس وعبر»، قال القطان: «حينما يكون الحديث عن سيرة الحبيب المصطفى محمد (ص)، فإن الحديث يطيب، والقلوب تهفو، والآذان تصغي، تلك السيرة العطرة هي المنهل العذب، والمنبع الصافي، والتي يستنير بها المسلم في دياجير الفتن والمحن، وغبش المدلهمات والظلمات».
وأضاف «لقد طاف محمد رسول الله (ص) في بداية الدعوة الإسلامية، بتجمعات القبائل، وقصد الرؤساء، وتوجه إلى الوجهاء والكبراء، والتقى التجار والركبان والمسافرين، فعل ذلك كله عشر سنوات وهو يرجو أن يجد من ينصره ويحمل معه رسالة ربه عز وجل، كان محمد (ص) يقول في كل موسم: (من يؤويني؟ من ينصرني حتى أبلغ رسالة ربي؟)، ومع كل هذا لم يجد من يؤويه ولا من ينصره، إلا القليل، وسدت كل الأبواب في وجهه... وتعرض بأبي هو وأمي وأصحابه للإيذاء والسخرية والاستهزاء والتعذيب بجميع أشكاله، وقامت الأجهزة الإعلامية لقريش وللقبائل من حولها بحملة تحريض وتشويه لمحمد (ص) ولدينه وأصحابه، حتى كان الرجل من أهل اليمن أو من مضر يخرج إلى مكة فيأتيه قومه فيقولون له: احذر غلام قريش لا يفتنك... وخرج (ص) إلى الطائف، لعله يجد من يهتدي بهديه، ويلتزم دينه، فما كان منهم إلا الصد والمنع والسخرية والإيذاء، وتخيلوا رسول الله وهو يريد لهم الخير والنجاة والفلاح في الدنيا والآخرة، مع شعوره بعبء المسئولية التي تحملها، والأمانة الملقاة على عاتقه، ومع ذلك لا يجد من قومه غير التكذيب والسخرية والاستهزاء والتحريض والإيذاء. كيف ستكون حالته النفسية؟ ما هو شعوره وهو وحيد يواجه هذه الأمواج المتلاطمة من المؤامرات والكيد والعداء والتحريض؟ إلى جانب أن سنده الذي كان يدافع عنه، عمه أبا طالب، قد مات، وزوجته خديجة التي كانت تخفف عنه قد لحقت بربها، ومع ذلك لم يفقد الأمل، ولم ييأس. بل شعر (ص) أنه ربما يكون مقصراً في دعوته وتبليغ دين الله، فتوجه إلى ربه يدعوه، ويستمد منه العون، ويعترف بضعفه، ويطلب رضا ربه».
وتابع القطان أنه «بعد هذه الأحداث، وفي ظل هذا الوضع المرير، وتنكُّر القريب والبعيد، أذن الله تعالى بأن تكون رحلة الإسراء والمعراج؛ لتكون بمثابة خطة عمل إيمانية، وتربوية، وتعليمية، وتشريعية، للدولة الإسلامية الجديدة؛ لأنها بعد ذلك ستقود الأمم، ويكون لها الصدارة، بما تحمله من مؤهلات ربانية، وقيم خالدة، ومشروع حضاري يسع الإنسانية جميعاً، فكان في هذه الرحلة أحداث ومواقف، وتوجيهات، ومعجزات وكرامات، وتشريعات، وكان أهمها الصلاة التي فرضت على أمة محمد (ص) في السماء في ليلة الإسراء والمعراج؛ لأهميتها، وفضلها، وأثرها في حياة الفرد والمجتمع والأمة. وكان لهذه الرحلة أبعاد تربوية عظيمة، فمن ذلك بعث الأمل في النفوس، وعدم اليأس من الواقع مهما يكن؛ لأن المتصرف بأحوال الناس وأعمارهم وأرزاقهم وحياتهم وموتهم هو الله وحده سبحانه وتعالى، فيزداد المؤمن إيماناً ويقيناً وثقة بالحق الذي يحمله، والخير الذي يسعى من أجله، ولئن ضاقت عليه الأرض بما رحبت فهناك آفاق السماء، وآفاق الآخرة، وآفاق الجنة، وآفاق النعيم الذي جعله الله لعباده، ولئن خذلته قوة البشر فهناك قوة الله تبارك وتعالى».
وقال القطان: «ما أجدرنا اليوم أن نستفيد من هذا البعد التربوي من حادثة الإسراء والمعراج، فنحيي في النفوس الأمل، وفي الأوطان الغد المشرق، وفي الأحداث والمواقف والتصورات، الإيجابية والتفاؤل، وخاصة نحن في زمن كثرت فيه الفتن والمصائب، وسفكت فيه الدماء، واحتدم الصراع فيه على الدنيا، وشوهت فيه القيم والمبادئ، وأصبحت القوة والمصلحة المادية هي اللغة التي تحكم العلاقات بين المسلمين كأفراد ودول ومجتمعات، وتلاعبت كثير من النخب السياسية والدينية والإعلامية بأحكام الدين وأوامر الشرع؛ اتباعاً للهوى، ورغبة في متاع دنيوي، وأصحاب الحق والخير والصلاح، الثابتون على دينهم، الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر، والمحافظون على المبادئ والقيم، يعتريهم من هذا البلاء والعنت والشدة والضيق الشيء الكثير، وقد تضعف نفوس، ويبلغ اليأس ببعضها؛ لطول الطريق، وشدة البلاء، وتأخر النصر، وتبدل الأحوال؛ لكن المؤمن الواثق بربه، المتصل به، عنده أمل لا يعتريه يأس، وثقة لا يخالطها شك، بأن الله - سبحانه وتعالى - سيجعل بعد كل عسر يسراً، وبعد كل شدة فرجاً ومخرجاً؛ فيقف المسلم كالجبل الأشم لا يتزعزع ولا يتزلزل أمام هذه العواصف والمؤامرات، وهو إذا رأى الباطل يقوم في غفلة الحق، أيقن أن الباطل إلى زوال، وأن الحق إلى ظهور وانتصار، وهو إذا أدركته الشيخوخة، واشتعل رأسه شيباً، لم ينفك يرجو حياة أخرى فيها شباب بلا هرم، وحياة بلا موت، وسعادة بلا شقاء».
وأشار القطان إلى أن «الأمل والثقة بالله، والتوكل عليه، قوة لا تلين، وحصن لا يهدم، وجيش لا يهزم، وهو سلاح المؤمنين عند نوائب الدهر وتقلب الزمان، وإن في هذه الحادثة رسالة وخطاباً إلى المظلومين في كل مكان، إلى المقهورين تحت سياط الجبابرة والظلمة، أنه مهما كان الظلام حالكاً، وسواد الليل يغطي هذا الكون، ومهما كان اليأس يرمي بظلاله على الأحداث، فلا بد أن يأتي الفجر ليبدد الظلمات، وينشر النور».
وأوضح القطان أن «من دلالات البعد التربوي من رحلة الإسراء والمعراج أن نستوعب - نحن المسلمين - أن للإسلام رسالة حضارية يجب أن نقدمها إلى العالم، وتظهر في أعمالنا وسلوكياتنا، رسالة حضارية تبني ولا تهدم، وتعمر ولا تخرب، وتحيي ولا تقتل أو تسفك الدماء أو تزهق الأرواح، وتجمع ولا تفرق. رسالة حضارية، تملأ نفوس أصحابها بالحب وإرادة الخير لجميع الناس، رسالة موصولة بالماضي، ومتصلة بالحاضر والمستقبل، فقد صلى رسول الله (ص) بالأنبياء جميعهم في المسجد الأقصى، والتقى بهم، وفي هذا دلالة على أستاذية العالم، وأنه (ص)، خاتم الأنبياء والمرسلين، وأن مشعل الهداية والدعوة والبلاغ، سينتقل إليه وإلى أمته من بعده؛ ولذلك كان قلبه يشع بالرحمة، ولم ينتقم لنفسه، لا في السلم ولا في الحرب، فقبل حادثة الإسراء والمعراج، وقد لقي من قومه كل أنواع الصد والتكذيب والعذاب، والسخرية والإيذاء، لم يحمل عليهم، ولم ينتقم أو يفكر بالانتقام؛ بل كان رحيماً بهم».
وذكر القطان أن «معجزة الإسراء والمعراج بنبينا محمد (ص) جاءت لتربط بين عقائد التوحيد الكبرى من لدن إبراهيم وإسماعيل (ع) إلى محمد خاتم النبيين، كما ربطت بين الأماكن المقدسة لديانات التوحيد جميعاً بإعلان وراثة الرسول الأكرم لإرث النبوات، وهو إرث التوحيد والإيمان وأماكن العبادة التي تمثلها المقدسات، فابتداء رحلة الإسراء من المسجد الحرام بمكة، وانتهاؤها بالأرض المباركة في المسجد الأقصى بالقدس، يدل على قداسة هذين المسجدين وما يحيط بهما من أرض شهدت مبعث النبوات والرسالات، ولهذا كان المسجد الأقصى القبلة الأولى التي لا تنسى للمسلمين، وكان المسجد الحرام القبلة الدائمة التي يتوجهون إليها كل يوم، ويحجون إليها كل عام... وهذا يقتضي وجوب المحافظة من قبل المسلمين على هذين المسجدين ورعايتهما، فلا يكون المسلم في أمان في رحاب هذه المساجد على عقيدته وعبادته إذا لم تكن هذه المساجد في حوزة المسلمين، وكيف لا وهي تمثل رموز التوحيد وترتبط بالعقيدة والعبادة، ولا حرية للعقيدة والعبادة في ظل حراب الصهاينة المحتلين، وقد قام الخليفة العادل الفاروق عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) بفتح القدس، ليهيئ للمسلمين حرية الوصول إلى المسجد الأقصى، وليشدوا رحالهم إليه وإلى المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف في ظل راية الإسلام وعزة المسلمين، وعلى الخطى نفسها سار محرر القدس صلاح الدين الأيوبي (رحمه الله)، حينما وقع المسجد الأقصى في أسر الاحتلال الصليبي أزاح عنه الغمة، وأعاده إلى رحاب الإسلام حرّاً عزيزاً يرتفع نداء التوحيد في سماء وفضاء القدس التي أرادها الله حاضنة للمسجد الأقصى الذي خلد الله ذكره في كتابه العزيز، وجعله ملتقى الأنبياء والمرسلين بسيد الخلق أجمعين، في هذه الرحاب الطاهرة ليلة الإسراء والمعراج».
وشدد القطان على أن «ذكرى الإسراء والمعراج تهتف بالمسلمين جميعاً حكاماً ومحكومين، أن يولّوا وجوههم شطر المسجد الأقصى الأسير، ليرفعوا عنه وعن أهله الظلم والضيم، ويفكوا القيد، ويشدوا رحالهم إليه في مسيرة كالأولى بين الفاتحين الكرام، والمحررين العظام، ولا يكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثًاً، وليعلموا أن الله سائلهم عن هذه الأمانة، أحفظوا أم ضيعوا؟».
العدد 4634 - الجمعة 15 مايو 2015م الموافق 26 رجب 1436هـ
ماشاالله
شل فايده من الاحتفال وقد ذكر في القرآن يا حبكم للمناسبات الي مأتخلص
وقعت يا شيخ
وقعت يا شيخ في اللبس...
هذه ليلة المبعث وليست الاسراء و المعراج ( في شهر رمضان اكثر الروايات)