تتفرد كوادر الرعاية الصحية على اختلاف أدوارها وإسهاماتها المهنية بخصوصية يندر أن تجد معها إمكانية المقارنة مع سائر المهن الأخرى بسبب المجهود الكبير والمشوار المضني الذي تتكبده تلك الكوادر من أطباء وممرضات وممرضين وغيرهم من مهن طبية وصحية مساندة بدءاً من رحلة التحصيل العلمي الأكاديمي وبعدها الممارسة العملية وما تتطلبه من تعليم طبي وتمريضي مستمر أثناء الخدمة، وانتهاء بتخصصات الدراسات العليا المتمثلة في درجات الماجستير والدكتوراه وبرامج الزمالة المهنية والتخصصات الطبية الدقيقة الأخرى.

إن ما تفرزه طبيعة المهنة الطبية والتمريضية من عناء ومجهود كبيرين تجعل من أطبائنا وكوادرنا التمريضية من المهارة والمقدرة العلمية بمكان لا نملك معها الا أن نقف تقديراً وعرفاناً لهم على ما وهبوا له أنفسهم وأفنوا جل حياتهم في أداء رسالة إنسانية لا يتصدى لها إلا من وطن نفسه على العطاء الإنساني تحت أحلك الظروف وأقساها.

لقد أفردت معايير الاعتماد والاعتراف التي وضعتها مؤسسات التقييم والمراجعة المهنية فصولاً تسلط الضوء على ضرورة رعاية الكوادر الصحية عامة عن طريق تعزيز جوانب الصحة البدنية والنفسية والعاطفية والاجتماعية التي تحفظ هذه الموارد البشرية المتميزة دوماً في أفضل حالاتها المهنية التي تمكنها من أداء ما يناط بها من رعاية وعلاج وفق أعلى مؤشرات الأداء والخدمة، ولكننا وعلى الصعيد العملي، وخاصة في المستشفيات ومراكز الرعاية الصحية المختلفة نرى تبايناً واضحاً قد يصل في بعض الأحيان إلى درجة تناسي هذا الجانب المهم من معادلة الرعاية الصحية والتركيز فقط على محور الخدمة الصحية وهو المريض وهو ما يحسب حقيقة لكوادرنا الطبية والتمريضية التي آثرت إلا أن تكون ملائكة للرحمة عن جدارة واستحقاق.

إن ما يحتاجه المريض في المقام الأول أيادٍ بيضاء تكون بقدر الإمكان في أفضل حالات العطاء وقادرة على الرعاية وهي في وضع من صفاء الذهن والقابلية النفسية والجسدية ما يمكنها من تقديم رعاية آمنة للمرضى وفي هذا السبيل يبقى على الإدارات المعنية رسم وتفعيل السياسات والآليات الممكنة لرعاية المريض وكوادر الرعاية من أطباء وممرضين ومهن مساعدة أخرى وصولاً الي غاية رعاية شاملة ومتكاملة تجعل قطبي المعادلة في نهج واحد وعلى قدر من الأهمية والرعاية.

إن إحدى السبل التي قد تسهم في تعزيز أداء الكوادر الصحية وتعنى برعايتها هي وضع برنامج رعاية لهذه الفئة من الموارد البشرية يقوم في منهجية مسبقة على تعزيز الصحة من جميع أبعادها البدنية والنفسية والاجتماعية، ويتخذ من مبادئ الصحة المهنية دليلاً ومنطلقاً في الاستجابة لجميع متطلبات الموظف وما يحتاجه من دعم ومساندة نفسية واجتماعية بل وقانونية في بعض الأحيان، وخاصة أنه يقوم على تقديم رعاية طبية وتمريضية تنطوي على الكثير من مكامن المخاطرة والضغوط النفسية الكبيرة، من ذلك تنمية وتطوير مهارات التعامل مع ضغوط العمل المختلفة ومهارات الاتصال والتواصل الفعّال ووسائل تحسين الرضا الوظيفي وتطوير ملكات التفكير الخلاق والإبداع وخلق بيئة عمل تشجع على العمل بروح الفريق الواحد عن طريق تبني آليات ناجحة في بناء فرق الرعاية الصحية وتطوير مهارات الإدارة والقيادة الداعمة لسلوكيات العمل الجماعي والإنجاز المشترك، كل ذلك من الممكن أن يسهم في تحجيم والقضاء على ما بات يعرف عالمياً في دول متقدمة مثل الولايات المتحدة الأميركية بـ «الإنهاك الوظيفي» الذي يمثل أحد صور ضغوط العمل يعاني فيها الموظف من إعياء تام نفسياً وذهنياً وعاطفياً وبدنياً مصحوبة بشكوك وهواجس لدى الموظف عن مدى قدرته على مواصلة العمل وقيمة وكفاءة ما يقدم من خدمة، وقد بينت الإحصاءات في تلك الدول أن هناك ما يقارب النصف من الأطباء والممرضين ممن يعانون من هذه الحالات التي لا نأمل أن تظهر لدى كوادرنا بمستوى يدعو للقلق.