الوعي البيئي ضرورة استراتيجية للتمكن من إنجاز متطلبات خطط العمل التنفيذي الموجّهة لبناء السلوك البشري وإنجاز أهداف التنمية المستدامة. والوعي بأهمية الثروات البيئية لحياة الإنسان وما يتسببه العبث بمكونات النظم البيئية وتدمير معالمها الطبيعية والإخلال بتوازن النظام البيئي من خطر على الأمن البيئي للإنسان والإحاطة بمعايير التخطيط التنموي السليم، يمثّل مؤشراً مهماً في تحفيز المجتمع البشري للحد من الأنشطة غير الرشيدة في العلاقة مع نظام البيئة. كما أن المعرفة بقواعد المسئولية والعقاب المنصوص عليه في النظم القانونية تعزّز من قيم السلوك البيئي الرشيد وردع الأنشطة والممارسات غير الرشيدة في البيئة.
النظام القانوني المؤسس في بعد معالجاته للأسس المنهجية لقضايا البيئة الذي يراعي في قواعده المعايير الحديثة للمشروع الدولي البيئي، وكذلك توفر آلية المتابعة والرقابة البيئية التي تراعي في منهجيات عملها الأسس المنهجية والمعايير البيئية الرصينة مطلب ينبغي الحرص على وجوده لقمع المخالفات القانونية والأنشطة الضارة والمخلة بالنظام البيئي. بيد أن ذلك لا يغني عن ضرورات الارتقاء بالمفاهيم والمعارف البيئية للمجتمع، وتعزيز الوعي والقدرات البيئية لمختلف قطاعات المجتمع المحلي. وفي هذا السياق يمكن الجزم بالقول إن من أهم الثغرات في الخطط البيئية التي تتسبب في ضعف مخرجاتها والتراجع في جودة منجزاتها، عدم وجود رؤية برامجية مؤسسة لتنمية الوعي البيئي للمجتمع.
تنمية الوعي وبناء السلوك البيئي للبشرية ينبغي أن تُعزز بتفعيل مناهج العمل الدولي المرتكز على الالتزام ببناء شراكة تفاعلية لنشر الثقافة البيئية، كما أنه من الضروري أن يؤخذ بالاعتبار على المستوى الوطني المنهج المؤسس في أهدافه لبناء خطط العمل الاستراتيجي الموجّه للتوعية، والتي من الضرورة أن تضع في مناهج عملها وبرامجها وأهدافها قطاعات المجتمع المحلي بمختلف أطيافه، من القمة إلى القاعدة.
وهنا ينبغي التشديد على ضرورة وضع صناع القرار في مقدمة أولويات أهداف خطط التوعية البيئية، إلى جانب قطاعات المجتمع الأخرى، وذلك وفق منظومة عمل متداخلة المناهج التوعوية، تستخدم في نشاطها مختلف الأدوات والوسائل التنويرية والتربوية والتعليمية والتوعوية، والمنابر الدينية والإعلامية بمختلف أشكالها، للتمكن من نشر مفاهيم ومعارف ومبادئ وقيم الثقافة البيئية.
الاهتمام بتنمية الوعي البيئي للإنسان وزيادة معارفه بقيمة الموارد الطبيعية لصون بقائه على هذه البسيطة، هو أيضاً محور مهم في معالجات الفكر الديني، وفي سياق ذلك النهج تبنى عدد من أعلام الفكر الديني رؤى تحث المجتمع على انتهاج السلوك الرشيد في العلاقة مع الأرض ومواردها الطبيعية، كقيمة بيئية وإنسانية. وذلك ما يجري إبرازه في معالجة «تقرير اقتصاديّات النُّظم البيئية والتنوع الحيوي لصناع السياسات المحليّين والإقليميين للعام 2010» (TEEB)، ضمن موضوع «المعرفة عن الطبيعة: ما يراه العلماء وما يراه الآخرون». ويشير ذلك إلى رؤى السيد حسين فضل الله الذي يقول: «تنص تعاليم الإسلام على الاقتصاد في الزائد عن الحاجة. وأنّ على الناس أن يدّخروا الموارد من أجل استخدامها في المستقبل».
ويؤكد الإعلان العام للبابا يوحنا بولس الثاني والبطريرك المسكوني بارتولوميو الأول على «أن الوعي بالعلاقة بين الله والبشر يعطي حساً أكمل بأهمية العلاقة بين البشر والبيئة الطبيعية التي هي من خلق الله، والتي ائتمننا الله عليها لحمايتها بحكمة ومحبة».
كما أن الزعيم التقليدي لتعاليم الفيدا في الهند سوماوي فيبوديشا تيرثا يقول «لا تستخدموا أي شيء ينتمي إلى الطبيعة مثل الزيت أو الفحم أو الغابة بمعدّل أكبر مما يمكنكم تعويضه. ومثلاً لا تُهلكوا الطير والأسماك وديدان الأرض وحتى البكتيريا التي تلعب أدواراً بيئية حيوية... فمبجرّد أن تبيدوها لا يسعكم أن تعيدوها إلى الخلق».
المجتمع الدولي وأخذاً في الاعتبار تصاعد وتائر التأثير السلبي على النظم البيئية بفعل السلوك البشري غير الرشيد، وضع قضايا التوعية وبناء القدرات البيئية في مقدمة أولويات المواثيق الدولية. وذلك يمكن تبينه في وثائق المؤتمرات الدولية بشأن التنمية المستدامة، كما في المبدأ (19) من وثيقة إعلان مؤتمر استكهولم المعني بالبيئة البشرية (1972) والمبدأ (10) في وثيقة إعلان ريو+20 بشأن البيئة والتنمية (1992)، حيث تشدّد الفقرة (هـ) من المبدأ (88) على «نشر المعلومات البيئية القائمة على الأدلة والعمل على تبادلها، وتوعية الرأي العام بشأن القضايا البيئية الأساسية والناشئة».
المشروع الدولي البيئي ترك أثره الفعلي على الحراك الوطني في مجال التوعية وبناء القدرات البيئية في بلدان مختلفة وباتجاهات مختلفة، من حيث طبيعة البرامج والمناهج التي جرى اعتمادها ومنظومة الشركاء في تنفيذ خطط التوعية البيئية. وساهم التنوع في طبيعة الشركاء في تنفيذ خطط التوعية البيئية في تعزيز أرضية ما نشهده من تنوع في البرامج والأنشطة، والتي تمثلت في برامج التربية والتعليم البيئي ضمن المناهج المدرسية والجامعية وأنشطة التوعية للمؤسسات البيئية المختصة والمعنية والمؤسسات الحكومية الأخرى، ومؤسسات القطاع الخاص والمجتمع المدني بمختلف أهدافها وطبيعة نشاطاتها.
إن ذلك التنوع مؤشرٌ على تزايد الاهتمام بقضايا البيئة والوعي بأهمية تفعيل الجهود المشتركة، وتأكيد المسئولية الاجتماعية لإحداث تحوّل نوعي في السلوك البيئي للمجتمع البشري، وذلك من الطبيعي أن يسهم في إنجاز أهداف التنمية المستدامة.
إقرأ أيضا لـ "شبر إبراهيم الوداعي"العدد 4633 - الخميس 14 مايو 2015م الموافق 25 رجب 1436هـ
تصحيح
وذلك يمكن تبينه في وثائق المؤتمرات الدولية بشأن التنمية المستدامة، كما في المبدأ (19) من وثيقة إعلان مؤتمر استكهولم المعني بالبيئة البشرية (1972) والمبدأ (10) في وثيقة إعلان ريو بشأن البيئة والتنمية (1992)، وتشدّد الفقرة (هـ) من المبدأ (88) في وثيقة إعلان ريو+20 على «نشر المعلومات البيئية القائمة على الأدلة والعمل على تبادلها، وتوعية الرأي العام بشأن القضايا البيئية الأساسية والناشئة».