العدد 4633 - الخميس 14 مايو 2015م الموافق 25 رجب 1436هـ

الأمم المتحدة... المتغيرات الدولية والتحديات الراهنة

محمد نعمان جلال comments [at] alwasatnews.com

سفير مصر الأسبق في الصين

شهد القرن العشرون ظهور منظمتين دوليتين هما عصبة الأمم من 1919-1945، والأمم المتحدة من 1945 حتى الآن. عصبة الأمم أخفقت في الاستمرار كما أخفقت في صنع السلام أو الحد من الصراعات الكبرى، وخصوصاً غزو إيطاليا للحبشة وغزو اليابان للصين، والحيلولة دون صعود أدولف هتلر وإعلانه الحرب على أوروبا ثم على العالم بأسره في ظل تحالف ثلاثي أطلق عليه «دول المحور»، وضم القوى المتطلعة للسيطرة وهي ألمانيا وإيطاليا واليابان. ولكن هذا التطلع واجه تحالفاً قوياً بدءًا من الدول الأوروبية في غرب أوروبا وشرقها، ثم انضمام الاتحاد السوفياتي نتيجة خطأ هتلر بغزوه. وتحالف ضده جنرالان أولهما الجنرال السوفياتي وثانيهما جنرال البرد القارس.

ثم جاء التحالف الثاني بدخول الولايات المتحدة الحرب بعد هجوم اليابان على ميناء بيرل هاربر. وهكذا تحالفت دول العالم الرئيسة ضد دول المحور الثلاث فهزمتها وقام الحلفاء بإنشاء الأمم المتحدة عبر سلسلة من المؤتمرات الدولية التي أكدت من خلالها الفكر السياسي للدول المنتصرة ومصالحها، وحرصها على عدم نشوب حرب عالمية مرة ثانية. وكان من نتيجة ذلك قيام الأمم المتحدة على أسس مشابهة للعصبة، وهي مجلس الأمن والجمعية العامة، الأول يعبّر عن صلاحيات خاصة للدول القوية ومن ذلك إجماع تلك الدول على أي قرار مهم؛ ومنها إنشاء لجنة رؤساء الأركان من ممثلي الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن؛ ومنها النص على الدول المعادية بالاسم وهي دول المحور الثلاث واعتبارها دولاً غير محبة للسلام، وحرمت من عضوية الأمم المتحدة عند نشأتها مقابل الدول المحبة للسلام، والتي هي دول الحلفاء.

وقد تم تعديل هذا النص بعد عدة سنوات عندما تغيرت أوضاع العلاقات الدولية وعلاقات القوى بين الدول المنتصرة نفسها وبينها وبين الدول المنهزمة، واشترط ميثاق الأمم المتحدة للعضوية أن تكون دولة مستقلة ومحبة للسلام، وأن تلتزم باحترام نصوص الميثاق. وهكذا أصبحت العديد من الدول أعضاء مؤسسين أو بالانضمام لاحقاً، وخصوصاً الدول التي كانت على الحياد أثناء الحرب الثانية مثل سويسرا والنمسا والدول الاسكندنافية والفاتيكان، وأيضاً الدول التي استقلت بعض الحرب وتصفية الاستعمار كالدول الآسيوية والأفريقية ودول الكاريبي، أو التي وقعت فريسة العدوان في فترة ما بين الحربين مثل معظم المستعمرات، أو وقع فريسة عدوان دول المحور مثل الصين وبعض دول جنوب شرق أسيا أو أوروبا الغربية والشرقية، خصوصاً بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وكتلته الاشتراكية وانقسام بعض الدول كالتي انبثقت من يوغوسلافيا الاتحادية السابقة أو تشيكوسلوفاكيا.

وحظيت بعض الدول الرئيسة في أوروبا وآسيا منذ البداية بوضع خاص، رغم أنها كانت منهزمةً أو محتلة، وخصوصاً الصين وفرنسا اللتين حصلتا على العضوية الدائمة لمجلس الأمن بحكم كونهما من الدول الكبرى تاريخياً في أعقاب ما بعد الحرب العالمية الأولى.

أما الجمعية العامة للأمم المتحدة فهي بمثابة «سوق عكاظ»، تلقي فيه كل دولة ببيان يعد أحياناً ضمن المعلقات خصوصاً الدول الصغرى التي تلقي في كثير من الأحيان، بيانات مطولة تتناول جميع القضايا تحت الشمس وبعضها لا يملك شروى نقير. أما الدول الكبرى صاحبة القوة وصانعة التاريخ العالمي بفوزها في الحرب وصانعة السلام بوضعها القواعد الرئيسية لميثاق الأمم المتحدة، فإنها تلقي بيانات واضحة ومحدّدة تعبر فيها عن مواقفها وتوجهاتها الدولية، والتي على الدول الصغرى أن تستلهمها وتسير على نهجها، وهذا ما تفعله الولايات المتحدة عادةً عن طريق سفرائها بلقاء المسئولين في الدول المعتمدين لديها، وتسليمهم ورقة تسمى ورقة غير رسمية، تتضمن مواقفها من القضايا المهمة وتوحي لهم بأنها تتطلع لمساندتهم لمواقفها.

وتعد تجربة العمل في الأمم المتحدة من التجارب ذات البعد المهم في فهم مشاكل العالم، ولذلك يُطلق عليها الدبلوماسية متعددة الأطراف، وإن لم تكن تلك الدبلوماسية قاصرةً على الأمم المتحدة إلا أنها أهم مراكز عملها بل وتتواجد فيها التكتلات والتجمعات الإقليمية والدولية الأخرى. ومن هنا يعد الدبلوماسي الذي يحظى بالعمل في المنظمة الدولية وخصوصاً في نيويورك، حيث المقر الرئيس للمنظمة، من المحظوظين لأنه يتعلم مهنياً سعة الأفق، وبعد الرؤية، وثاقب البصيرة، بخلاف الدبلوماسي الذي يبعث إلى أية دولة في إطار ما يعرف بالدبلوماسية الثنائية، فإن تركيزه على العلاقات الثنائية بين الدولتين وهما دولته والدولة الموفد لديها.

الدكتور محمد صالح محمد يعد من الدبلوماسيين البحرينيين المحظوظين، فقد عمل في الأمم المتحدة، كما عمل في السفارة البحرينية في الصين. والكتاب الذي نعرض له في هذا المقال بنفس العنوان أعلاه، يعد من الكتب القيّمة، وربما المحدودة للغاية التي ألّفها أو لم يؤلفها بعد الدبلوماسيون البحرينيون الذين عاشوا تجربة الأمم المتحدة، ربما بأكثر مما عاشها محمد صالح، ولكنه يتميّز عنهم بأنه كان وما زال حريصاً على الكتابة والقراءة وتسجيل الأحداث والرجوع للوثائق، وهذا ما يعبّر عنه في هذا الكتاب، وأيضاً في مشروعات كتب أخرى له منها كتاب عن السياسة الخارجية للصين، وربما أكثر من كتاب عن تلك التجربة الفريدة والمهمة، والتي كانت ثرية بالنسبة له، حيث حصل في فترة عمله في الصين علي درجة الدكتوراه.

ويقع الكتاب في 264 صفحة، وسبعة فصول وعدد كبير من الملاحق بالإضافة إلى عدد من المراجع المهمة عن الأمم المتحدة. والباحث دبلوماسي محنك ومثقف، ولعل هذا من أبرز ما يميّزه عن كثيرٍ من الدبلوماسيين وهو يتّسم بالهدوء والرزانة ودماثة الخلق. ومن اطلاعي على كتابه عن الأمم المتحدة وكتابه عن الصين أجدهما يتّسمان بقدرٍ كبيرٍ من التحليل ودقة العرض وموضوعيته. ولم تتح لي الفرصة للتعرف على صالح في الأمم المتحدة، لأننا ننتمي لجيلين مختلفين، وإن تعرفت عليه في الصين لزياراتي العديدة لها ومشاركتي في كثير من المؤتمرات في بكين وغيرها من المدن الصينية، ووجدت له حضوراً واضحاً في المجتمع العلمي والندوات والمؤتمرات الصينية، وهذا أسعدني كثيراً لأن معظم الدبلوماسيين من الدول النامية وخصوصاً العربية، لا يهتمون بذلك حيث لهم أولوياتهم ومشاغلهم التقليدية وغيرها.

الفصل الأول من كتاب الأمم المتحدة يتضمن مدخلاً لتطور التنظيم الدولي، والفصل الثاني عن أجهزة الأمم المتحدة وفروعها والعلاقة بينها، والفصل الثالث عن المجموعات الإقليمية، الجغرافية أو غير الجغرافية كالمجموعة العربية وعدم الانحياز ومجموعة السبعة والسبعين للدول النامية وغيرها. ويتناول الفصل الرابع عمليات حفظ السلام، وهي من العمليات المهمة التي تم ابتكارها بعد وقوع الخلاف بين الحلفاء وعجز هيئة رؤساء الأركان بالدول الخمس دائمة العضوية عن القيام بدورها بمقتضي المادة 47 من ميثاق الأمم المتحدة للاختلاف بين الدول الخمس في مرحلة الحرب الباردة، ومن هنا تدخل الأمين العام الأول ترجفي لي مؤيّداً من الولايات المتحدة بعد اندلاع الحرب الكورية العام 1950، باقتراح إنشاء قوات حفظ سلام بعد أن عارض الاتحاد السوفياتي وحتى بعض الدول الغربية اقتراحه الأول بإنشاء جيش خاص للأمم المتحدة على الأقل لحماية موظفيها، ورأوا في ذلك افتئاتاً على اختصاصاتهم ودورهم واحتمال أن تتحول الأمم المتحدة إلى قوة فوق سيادة الدول وخصوصاً الدول الكبرى. من هنا وقف الاتحاد السوفياتي ضد تريجفي لي وأجبره على الاستقالة قبل انتهاء مدته بفترة وجيزة. وهكذا كان أول صدام سياسي بين دولة كبرى عضو في المنظمة الدولية لها حق الفيتو وبين الأمين العام.

وتكرر الموقف بعد ذلك بصورة أكثر سوءًا وعنجهية من السياسة الأميركية التي أطلق عليها السناتور وليام فوالبريت بحق مصطلح «عنجهية القوة»، وأصدر كتاباً بهذا الاسم (Arrogance of Power ) في أوائل عقد الستينيات، وكان خلاف القوة العظمى الوحيدة آنذاك مع الأمين العام السادس بطرس بطرس غالي لرفضه الانصياع لأوامر واشنطن لإصراره على نشر تقرير المنظمة عن مذبحة قانا، والذي يحمل إدانة لـ «اسرائيل»، وهي القوة السادسة صاحبة حق الفيتو الفعلي في مجلس الأمن، ومن يتحداها يواجه ما لا تحمد عقباه. ولذلك حرص الأمناء العامون قبل وبعد بطرس غالي على التزام ما يمكن أن نسميه بلغة الدبلوماسية أنه سياسة التعقل والحكمة والهدوء والسكينة، وتجنب أي اتهام لهذه القوة الجبارة الكامنة من خلف الستار.

الفصل الخامس بعنوان «الأمم المتحدة وحقوق الإنسان»، والسادس «إصلاح الأمم المتحدة»، وهو إصلاح لا يتم إلا بموافقة الدول الخمس الكبرى التي لها حق الفيتو. أما الفصل السابع فبعنوان «الأمم المتحدة في القرن الحادي والعشرين». وللحديث تتمة.

إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"

العدد 4633 - الخميس 14 مايو 2015م الموافق 25 رجب 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً