لا عجب ولا استغراب من موافقة مجلس الشورى المعين قبل أيام على تعديل المرسوم بقانون رقم (63) لسنة 2014 المتعلق بإصدار سندات التنمية، ما يعني بوضوح موافقته على رفع سقف الدَين العام (Public debt) إلى 7 مليارات دينار، لتمويل عجز الميزانية المتوقع وصوله 3 مليارات دينار هذا العام.
قبلها تصاعد الجدل والصخب وإن بدأ شكلياً في مجلس النواب المنتخب بشأن ذلك دونما التطرق بشفافية لقدرة الاقتصاد على تحمل زيادة الدين العام الذي بلغ ملياراً وثلاثمئة مليون دينار العام 2009 وانتهى إلى 5.9 مليارات دينار، أو حتى عن كيفية إدارته وتقدير مخاطره وأوجه صرفه والحاجة الملحة إليه، اللهم إلا إقرار أبدته «اللجنة المالية الشورية» وبعناوين عريضة تفتقد البيانات التفصيلية بمخاطر الزيادة وتأثيراتها الاقتصادية والمالية في ظل تراجع أسعار النفط وارتفاع العجز، بل ومحدودية خيارات تمويل العجز المتوقع وسداد مبالغ أقساط القروض المستحقة وخدمة الدين بحوالى 350 مليون دينار تدفع سنوياً، وشروط القرض. ومع ذلك وافقت على زيادة الاستدانة، ما يستوجب مناقشة قرارها وتداعياته وعدم الركون للصمت أو اللامبالاة.
البعض يبرّر أن الوضع لم يصل بعد لمرحلة الخطر، وإنها المرحلة البرتقالية كما يخمّنون، بسبب غياب المعلومات والإحصاءات الدقيقة، وثمة ما يدركه العارفون وندركه معهم، أن قرار استدانة الدول وباختلاف حجم اقتصادياتها وتعدد مواردها، لا يحل كمصيبة وكارثة من الفضاء، إنّما تكمن وراءه أسباب متراكمة لها علاقة بنمط اقتصاد رأسمالية الدولة وكيفية إدارته.
الاستدانة VS الشفافية
يشكّل تمويل العجز المتزايد في ميزان المدفوعات بسبب زيادة الواردات السلعية مقارنةً بالصادرات، أبرز الأسباب التي تفسّر أن اقتصاد البلد يستهلك أكثر مما ينتج من السلع، أو بهدف تمويل احتياجات مؤقتة في عجز الموازنة حين تكون الإيرادات الفعلية أقل من النفقات المتوقعة. كما تلجأ معظم الحكومات لتحمل عبء الاستدانة عوضاً عن خفض الإنفاق العام أو رفع الضرائب خوفاً من تبعاتها السياسية واحتجاجات المواطنين، أو لجهة تغطية النفقات العامة بسبب ارتفاع معدلات البطالة والأزمات المالية والصحة والتعليم والإسكان والأمن والدفاع والتجنيس وفي حالات الحرب والكوارث الطبيعية، كذلك نتيجة فشل بعضها بتأدية خدمة ديونها وسدادها بالعملات الأجنبية، والأسوأ منها سوء توظيف القروض التي تم استدانتها بسبب الفساد الإداري والمالي والسياسي، وسوء التخطيط الذي أدى لفشل المشروعات، ناهيك عن انخفاض أسعار المواد الخام أو السلع التي تشكل مصدراً رئيسياً للدخل القومي كالنفط في حالتنا، والتأثر بالركود وتقلبات الاقتصاد العالمي وأزماته بحكم التبعية، ومنه يحقّ طرح السؤال: أين نحن من هذه الأسباب وتلك؟
ثمة شفافية وتفصيل دقيق تتطلبه الإجابة على السؤال من مجلسي الشورى والنواب وقبلهم الحكومة، ففي نهاية المطاف عبء زيادة الدين العام سيقع على كاهل المواطن وعلى حساب احتياجاته حين يتم قضمها، ورفاهيته وقتما تفرض عليه الضرائب وترتفع أسعار السلع والخدمات الأساسية.
مؤشرات الدين العام
اتفق الاقتصاديون على مؤشرات متعددة للدين العام، تبين متى يكون مقبولاً ومتى يشكل خطراً أو أزمة، من أهمها، مؤشر علاقة الدين بإجمالي الناتج المحلي، خصوصاً أن علاقتهما عضوية على أن لا تتجاوز حدود الأمان بينهما نسبة 60 في المئة، إن ارتفعت قليلاً فهناك إشكالية، وإذا تعاظمت أكثر فالوضع في مرحلة الخطورة والأزمة. وفي حالتنا تبعاً لاحتساب البيانات الرسمية فإن متوسطها التقريبي يشير إلى 42 في المئة في 2014 مقارنةً بـ 19 في المئة في 2009، وهي نسبة تنامت وتستدعي دق ناقوس الخطر على المدى المتوسط والبعيد في إطار الاقتصاد الريعي غير المنتج.
أما المؤشر الثاني فيتمثل في مقاربة معدل نمو الدين العام بمعدل نمو الناتج المحلى، ووضع الأمان يكون بتساوى أو بزيادة معدل نمو الناتج المحلى عن معدل نمو الدين العام. وفي حالتنا فإن متوسط نمو الناتج المحلي رسميا بلغ 5.2 في المئة في 2014 مقارنةً بـ12.1 في المئة في 2010، علماً بأنها نسب سجالية عند المحللين ولا تتناسب ونمو الدين العام. ومع ذلك وعند مقاربة ما سبق وواقع الحال فهذا لا يعنى أن الاقتصاد بعافية وبعيداً عن مرحلة الخطر، فثمة مخاطر متوقعة وماثلة للعيان، أبرزها انخفاض أسعار النفط إلى ما دون 60 دولاراً للبرميل، وهو سلعة رئيسية من مصادر الدخل المحلي، فضلاً عن غياب الشفافية بشأن إدارة الاقتصاد لاسيما عند التعمق فيما أورده وزير المالية بشأن تضخيم سياسة الدعم التي توجه للمواطنين والمقيمين والشركات والقطاعات على السواء دون تركيز على المستهلك البحريني، ما يتطلب برأيه إعادة توجيه الدعم لخفض عجز الموازنة والاستفادة منه بتوجيه المبالغ نحو مشاريع تنموية. ماذا يعني ذلك؟
مفارقة العجز والدعم
يعني ذلك أن ارتفاع مستويات الدعم تمثل أحد أسباب العجز في الميزانية، ولكن هل هذه الفرضية دقيقة حقاً؟ في التفاصيل، انخفضت الإيرادات غير النفطية بمقدار 82 مليون دينار منذ 2009، ومن المؤكد انخفاض الإيرادات النفطية بسبب هبوط أسعاره التي لا نعلم حجمها، أما معدل الدعم من إجمالي الناتج المحلي فقد ارتفع خلال خمس سنوات إلى 5,9 مليارات دينار، وبلغ 759,298 مليون دينار في العام 2009، مقابل 953,660 مليون دينار في العام 2014، أي بزيادة قدرها 194,362 مليون دينار، صرف منها 350 على الكهرباء والماء، و314 للدعم الخيري، و48 للإسكان، و80 للتعليم، و112 للمواد الغذائية، و114 دعماً مالياً مباشراً، فيما بلغ دعم المنتجات النفطية 284 قيل أن 62 في المئة منها صُرف لوقود السيارات، و2.5 في المئة للمشتقات النفطية في 2010. واعتبر الجانب الرسمي أن هذا الدعم مرتفعاً مقارنة بالدول المجاورة، خصوصاً للديزل الذي وصل لمعدل 123 في المئة، وهو ثاني أعلى الدعومات النفطية البالغة 69 مليون دينار العام 2013.
السؤال يعود مجدداً: من المستفيد من كل هذا الدعم وبأي نسب؟ المواطن بجميع مستوياته المعيشية أم المقيم؟ المصارف والشركات والمصانع المحلية أم الأجنبية التي تتلقى دعماً مجانياً ولا تسدّد ضرائب لقاء ما تحققه من أرباح؟ إن الإجابة تحدّد المسئولية والمساءلة خصوصاً وإن الميزانية العامة تستنزف وتتحمّل أعباء دعم الكهرباء والماء والديزل ولحوم الأبقار والأغنام وبقية الأغذية للمواطن وغير المواطن بمستوياته المعيشية المختلفة وبقية المؤسسات المحلية والأجنبية. كما تُستنزف بدعم خدمات التعليم والصحة من المقيمين وغيره الكثير مما لا يجوز أن يعلمه المواطن، فهل في هذا عدالة وحسن إدارة للإقتصاد والميزانية العامة التي تعاني عجزاً وتحتاج للاستدانة كما قيل؟
خلاصة الأمر، الدين العام من أخطر القضايا على الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولا يختلف الباحثون بشأن تأثيراته السلبية على التنمية والاستثمار. وهو يمثل عبئاً على الثروة الوطنية خصوصاً عند استخدامه للإنفاق الاستهلاكي الذي يمثل حالتنا، كما يرسّخ من سيطرة الجهات الدائنة على الدولة المدينة وإضعاف سلطتها واستقلالها وقدرتها على إدارة اقتصادها تبعاً لمقتضيات المصلحة الوطنية. إنه يضع الاقتصاد تحت رقابة صارمة ويتم بسببه الرضوخ لشروط الجهات الدائنة ومطالبها بتنفيذ إصلاحات هيكلية كالخصخصة مثلاً، وبما لا يتماشى والمصلحة الوطنية، أو يستدعي فرض ضرائب جديدة لتسديد قيمته مما يزيد الأعباء على الطبقات الفقيرة التي تعاني أصلاً من انخفاض المرتبات والبطالة، إضافةً إلى تحمّل الأجيال القادمة أعباء تسديده وكأن الدين العام ضريبةٌ مؤجلةٌ في حقهم... حقاً ما ذنبهم؟ وحقاً هل تعاني الميزانية من عجز؟
إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"العدد 4631 - الثلثاء 12 مايو 2015م الموافق 23 رجب 1436هـ
سؤال في الصميم ... علي وعلى ابنائي.
ستتحمّل الأجيال القادمة أعباء تسديد الدين وكأن الدين العام ضريبةٌ مؤجلةٌ في حقهم... حقاً ما ذنبهم؟ وحقاً هل تعاني الميزانية من عجز؟
شكرا للكاتبة
اسئلة مهمة طرحتيها وتحتاج الى اجوبة.ما اعتقد النواب قد الاجابة