العدد 4630 - الإثنين 11 مايو 2015م الموافق 22 رجب 1436هـ

بينالي البندقية.. الفن بين الماضي والمستقبل

الوسط - محرر المنوعات 

تحديث: 12 مايو 2017

 

رغم الازدحام الشديد وتدفق الزوار والمختصين وأصحاب الصالات الفنية وخبراء دور المزادات، بحثا عن النجوم الصاعدة في عالم الفن، وأيضا عن صفقات فنية تقام على الهامش، يبقى هناك الجمهور الذي يبحث عن الفن الذي يمتعه بصريا وفكريا. هل اشتمل بينالي هذا العام على ما يريده المتلقي؟ سؤال مهم وإجابته ستختلف من شخص لآخر، ولكن بالنسبة لي كان الأمر أشبه بالبحث عن المعادن الثمينة في كومات وكومات من القش. بداية كان هناك القليل من الإبداع والكثير من التكرار.

وبحسب صحيفة الشرق الأوسط، فإن هناك تيمات تتكرر من جناح لآخر، الجماجم والأسلحة بكل أشكالها، الأشجار التي اجتزت من الأرض وبدت فروعها متيبسة، كومات من الأنقاض والتراب تتناثر في أنحاء الجناح، أو الحوائط المثقوبة. هناك أيضا تكرار في عدد كبير من العروض لتأثيرات شخصيات، مثل الزعيم لينين وماوتسي تونغ وكارل ماركس الذي يمثل كتابه «رأس المال» جانبا مهما من المعرض الرئيسي «مستقبل كل العالم»، للمنسق أوكوي إنوزور، حيث تُقام قراءة يومية من الكتاب، كما تقدم بعض العروض الفنية المشتقة منه.

يقول إنوزور حول ذلك: أردت أن أقدم شيئا يحمل علاقة مع الحاضر الذي نعيشه، ولهذا اخترت كتاب «رأس المال»، فهو كتاب لم ينجح أحد في قراءته، ولكن الكل إما يقتبس منه أو يكرهه. يبدو الاختيار متوافقا مع الجو السياسي المضطرب الذي يسود العالم.

من الأجنحة التي تجذب الجمهور في الجارديني جناح شركة «سواتش» للساعات، وهي من رعاة البينالي، كان هناك عرض مبدع بعنوان «جنة عدن» للفنانة جوانا فاسكونسيلوس. ندخل خيمة سوداء محكمة الإغلاق لنجد أنفسنا في مساحة مظلمة، بعد لحظات تعتاد العين على الظلام، وتميز ما يشبه المتاهة مصنوعة من الأزهار الملونة المضيئة تتمايل بفعل ريح نسمع صوتها عبر مكبرات للصوت. المرور من ممرات المتاهة يفضي بنا لطرق مسدودة في بعض الأحيان لكن ذلك يبدو ممتعا. الأضواء الدقيقة المثبتة على حواف أوراق الزهور تبرق بوتيرة منتظمة، وألوانها تبعث في النفس انتعاشا. يقول بيان العرض إن الحديقة هي بمثابة «صندوق للكنز».

ورغم أن العرض يهدف بالدرجة الأولى للدعاية لشركة الساعات، فإن ذلك لا ينتقص من جاذبيته. يقول أحد الزوار بعد انتهاء الجولة: «هذه لمسة من الجمال في بينالي يحفل بصور الموت والدمار».

في جناح دولة البرازيل يقدم الفنان أنتونيو مانويل عمله «الاحتلال - الاكتشاف»، أمامنا أكثر من جدار كل منها يحمل لونا صارخا، وفي كل منها ثقب ضخم، يمر من خلاله الزوار لرؤية ما يعرضه الفنان في المساحة التالية، فكرة العبور في حد ذاتها تحمل معها إحساسا بالاكتشاف والمغامرة. في جانب آخر زنزانة حديدية ضخمة على مساحة غرفة بأكملها، لا يمكن رؤية ما بداخلها بوضوح بسبب ستائر من البلاستيك، ولكن الإحساس الذي نخرج به هو الحصار والانحباس، وقد يكون الفنان يقصد الرمز للسجون في البرازيل، ولكن المعنى يتسع لأبعاد أكبر لكل زائر.

جناح دولة النمسا في المرتين التي دخلته فيهما كان فارغا تماما، أرضية وسقف أسود وجدران بيضاء، هل هذه هي محتويات الجناح؟ الفنان هيمو زوبيرنيغ اختار أن يجرد الجناح من أي موجودات، مفضلا اللعب على تضاد الألوان والفراغ.

في جناح دولة أوروغواي لأول وهلة يبدو أن الجناح خالٍ أيضا، ولكن بالتدقيق نرى رسوما دقيقة بالقلم الرصاص وقصاصات الورق حيث كوّن الفنان ماركو ماغي ما يشبه الخرائط الجوية لمدن العالم، المعرض يحمل عنوان «قصر نظر عالمي».

يقول بيان المعرض إن رسومات ماركو ماغي وأعماله التركيبية «تفك شفرة العالم» وإن «لغته المجردة تشير إلى طريقة إعداد البيانات والمعلومات في عصر العولمة».

جناح دولة فرنسا اختار بدء العرض من خارجه، حيث وضعت شجرتان ضخمتان في الطريق المؤدي للجناح، الشجرتان تحملان جذورهما في كومة ضخمة من التراب، وكأنما تطفوان فوق سطح الأرض، تفقدان الصلة المباشرة مع الأرض بشكل ما. الفنانة سيليست بورزيير موغينو اختارت أن تتطرق لعلاقة الإنسان بالطبيعة عبر الأشجار الضخمة المتنقلة. الجناح يتبنى قضايا البيئة في الوقت الذي يتناول فيه إكسبو ميلانو القائم حاليا موضوع «إطعام الكوكب».

الرسالة البيئية واضحة وعالية من خلال معرض «الحياة - الحيوية»، حيث تقدم المنسقة سوزي الآن تصورا لقضايا البيئة في هذا العصر. المعرض يكاد يكون الأكثر تأثيرا في رسالته وفي عرضه. من خلال أعمال مجموعة من الفنانين من النمسا وباكستان ورومانيا وبريطانيا وسويسرا وأميركا وأذربيجان وأوزبكستان. يتناول المعرض التوازن الدقيق في الخريطة البيئية ودور الإنسان وتأثيره على الطبيعة. التنوع الجغرافي الذي يمثله الفنانون مهم في طرح قضايا البيئة من مكان لآخر، أمامنا أعمال تلخص دور الإنسان في التلوث البيئي وتدمير النظام الطبيعي. يتخطى المعرض اللغات والثقافات، ويتفق على القضية الرئيسية. من الأعمال التي تثير الكثير من التساؤلات تكوين جمالي يماثل إحدى نوافذ كنيسة نوتردام في باريس، ضخم الحجم ودقيق الصنع في آن واحد. بالاقتراب منه نجد أن الوردات التي تكون دائرة متناغمة تتكون من مطفآت السجائر الملونة وبداخل كل منها غطاء لزجاجة مشروبات غازية. التشكيل أكثر من رائع، ولكنه أيضا يطرح أكثر من موضوع وأكثر من تساؤل. في جانب آخر مجسمات لرجال متشابكي الأيدي في دائرة، التشكيل المصنوع من أكياس البلاستيك يبدو مزعجا ومخيفا، الرجال يبدون كالأشباح الطائرة، وفي فيلم وثائقي يعرض لصغار طائر القطرس البحري التي يجلب لهم والدها طعاما نكتشف أنه بقايا لأكياس بلاستيكية، وتكون النتيجة موت الطيور في مشهد موجع. تشير سوزي ألبن إلى أن الطائر الأب لا يعيش قريبا من أماكن التجمعات البشرية ولكن النفايات التي يتركها الإنسان تجد طريقها لأماكن بعيدة، وهو ما نراه أيضا في عرض مجموعة من الصور لأحذية بلاستيكية لفظها البحر على أحد الشواطئ في مقاطعة ويلز، المثير في الأمر أن كلا من تلك الأحذية تنتمي إلى بلد مختلف.

تقول المنسقة إن المعرض يهدف لرفع الوعي بدور الإنسان في تدمير الطبيعة، ولكي لا يكتفي المعرض بعرض المشكلة، فهو أيضا يقيم معملا يحاول من خلاله علماء الوصول لحلول لبعض تلك المشكلات.

من الأعمال البديعة التنفيذ عمل فيديو ضخم للفنان التركي كوتلوغ اتامان بعنوان «بورتريه ساكيبسابانكي». العمل الذي يبدو كقطعة قماش ملونة طائرة عن قرب تظهر آلاف الصور الشخصية الصغيرة لنساء ورجال. العمل تحية للصناعي التركي ساكيب سابانكي، والصور لأناس تأثرت حياتهم به.

 





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً