من وقتٍ لآخر يخرج علينا مسئول حكومي ليفاخر بأن لدينا في مملكة البحرين الصغيرة ما يزيد عن 650 جمعيةً ونادياً، وهو ضعف ما كان عليه الوضع قبل عشر سنوات، وذلك دليل على تقدّمنا الحثيث على طريق الديمقراطية وحقوق الإنسان، وأحد تجلياته حيوية المجتمع المدني أو المتجمع الأهلي بتعبيرنا في البحرين. كما لا يفوت المسئولين التأكيد تكراراً على الشراكة ما بين الدولة والمجتمع الأهلي، ولا يفوتهم عرض اجتماعات الاستعراضات، والتأكيد في التقارير الرسمية المقدّمة للأمم المتحدة والمؤتمرات الإقليمية والدولية على مشاركة المجتمع الأهلي. كما لا يفوتهم التنويه بقانون الجمعيات وغيره من التشريعات التي – يفترض أن- تفتح آفاقاً رحبةً للعمل الأهلي، والمؤسسات الرسمية التي ترعى العمل الأهلي. لكن الواقع مخالفٌ لذلك تماماً ولا نحتاج لعناء لنثبت ذلك. فالعشرات من نشطاء المجتمع الأهلي وراء القضبان، والعديد من أنشط الجمعيات الأهلية مثل «جمعية المعلمين البحرينية» و«مركز البحرين لحقوق الإنسان» قد جرى حلهما، في حين أجبرت جمعيات أخرى بمختلف الوسائل مثل «جمعية المحامين» و«أسرة الأدباء والكتاب» على حلّ إداراتها المنتخبة.
وقد نجت «الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان» من الاستيلاء عليها بتكاتف أعضائها وإصرارهم على التمسك باستقلاليتهم.
أما الجانب الآخر فهو خنق الجمعيات الأهلية المستقلة من خلال سياسة مثابرة لوزارة التنمية الاجتماعية المعنية بالجمعيات الأهلية، من خلال تحريم التمويل الخارجي وحرمانها من التمويل الداخلي لتموت ببطء، ومن ذلك ما تعرّض له «الاتحاد النسائي» و«الجمعية البحرينية للشفافية»، في إلغاء مشاريع مموّلة مثل مشروع تمكين الجمعيات الأهلية للاتحاد النسائي، ومشروع النزاهة في أوساط الجامعيين لجمعية الشفافية.
كذلك منع عدد من الجمعيات الأهلية من إقامة نشاطات خارج مقارها الصغيرة، أو استضافة مؤتمرات أو ورش، يشارك فيها ضيوف من الخارج، بعدم منح تأشيرات الدخول، أو حتى الترخيص لعقد هذه الفعاليات، بل وصل الأمر بالتهديد بمقاضاة من ينتمي لاتحاد أو ائتلاف داخلي أو خارجي أو المشاركة في مؤتمراتها وفعالياتها دون ترخيص مسبق.
أما الوجه الآخر فهو حملة الكراهية وتشويه السمعة لنشطاء المجتمع الأهلي، خصوصاً أثناء مشاركاتهم في مؤتمرات ومنتديات دولية، مثل مجلس حقوق الإنسان للأمم المتحدة في جنيف، إلى حدّ أن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون والمفوضة السامية لحقوق الإنسان السابقة نافي بيلاي، ورئيسة مجلس حقوق الإنسان دوبوي خاطبوا حكومة البحرين بوضع حدًٍ لحملات الكراهية والتهديد التي تستهدف النشطاء الحقوقيين المتعاونين مع الأمم المتحدة.
مقابل حملة التقويض هذه بحق المجتمع الأهلي، جمعياتٍ وشخصياتٍ، فإن هناك سياسة ممنهجة لتعزيز البديل الموالي من جمعيات وشخصيات، وإغراق ساحة العمل الأهلي بما يُعرف عالمياً بـ «منظمات الغونغو». إن الزيادة الكبيرة في أعداد الجمعيات الأهلية ليس دليلاً على الحرية أو الحيوية، بل إنه يجرى فبركة العديد من الجمعيات الموالية لمواجهة الجمعيات المستقلة خصوصاً في المجال الحقوقي. ولقد كشف تقريرٌ لوزارة التنمية الاجتماعية نفسها أن أكثر من مئة وخمسين جمعية أهلية، موجودةٌ على الورق وليس لها وجودٌ حقيقي في الواقع.
إن قانون الجمعيات الساري المفعول للعام 1979، ومشروع القانون للعام 2006 الذي يجري تنفيذه بأوامر وزارية، لا يطبّق على الجميع بالتساوي، ففي الوقت الذي تحرم فيه الجمعيات المستقلة من تلقي الدعم والرعاية، يتم إغداق الأموال على الجمعيات الموالية، وتموّل مؤتمراتها في فنادق الخمس نجوم، ويصطحب نجومها في الوفود الرسمية إلى مختلف العواصم، حيث تنظم مؤتمرات الدعاية، أو لمواجهة الوفود الحقوقية الأهلية المستقلة كما يجري في جنيف في كل دورةٍ لمجلس حقوق الإنسان.
لقد وصل الأمر إلى تجريم جمع تبرعات الصناديق الأهلية للمحتاجين من الفقراء والأرامل والأيتام، والحكم على نشطائها بالسجن بحجة جمع أموال من دون ترخيص، وإجبار المئات من الصناديق الخيرية على إعادة التسجيل بشروط مجحفة، في حين أن هذه الصناديق الخيرية محل ثقة المجتمع لعشرات السنين.
إن ترسانة القوانين، وعشرات الجمعيات المفبركة، وملايين الأموال المهدرة، والإجراءات العقابية القاسية بحق الجمعيات الأهلية المستقلة ونشطاء المجتمع الأهلي المناضلين، ومحاولة تهميش وإقصاء المجتمع الأهلي الحقيقي، لم تؤد إلى حجب الحقائق عمّا يجري في مملكة البحرين ولا عن واقع الإقصاء. وها هي التقارير الدولية تكشف هذا الواقع المرير من خلال مؤشرات الفساد وغياب الحريات، وتردّي الخدمات المستحقة للمواطنين والمقيمين، والبطالة، وتراجع الإصلاحات، وغير ذلك.
إننا اليوم في عالم مفتوح حيث لا يمكن احتكار المعلومات أو الإعلام، وهو عالم مفتوح لمنظمات المجتمع المدني بغض النظر إن كانت مرخصة أو محجوبة، ولذا فإن كل هذه الترسانة الرسمية تنهار في أي ملتقى أو من أي منبر مفتوح للتنافس والمحاججة.
إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"العدد 4629 - الأحد 10 مايو 2015م الموافق 21 رجب 1436هـ
العمل الأهلي في خطر
العمل الاهلي في خطر محدق من الوزارة نفسها التي تدعي دعم العمل الاهلي و الذي يرى خطة تحويل الصناديق الخيرية لجمعيات يرى بوضوح وسائل السيطرة و المراقبة المخابراتية الطائفية .
و الان في كل يوم تطالعنا الصحف بحل الجمعيات و باعتقال المتطوعين و ملاحقتهم و ترى بوضوح استهداف فعاليات و أنشطة الجمعيات من فئة معينة فقط
أنظر الى نفسك
انت يا اخي ابومنصور نموذج مسبب لتقويض العمل الأهلي او مؤسسات المجتمع المدني، لو وقفت امام مرآة وانت عريان ماذا سترى سوف ترى مومياءا سترى انساناً لم يعد في جسده وإلا مجعدا وانت نموذج بارز للهيمنة على مؤسسات المجتمع المدني بعدين لا خير في هذه المؤسسات اذا كان تصريح الوزير سيقوضها ولكن من يقوض هذه المؤسسات تلك المومياءات المحنطة التي اخذت هذه المؤسسات للسفر والسياحة قبل ايام رايت صورتك وانت في احدى دول اوربا التي لو قمت بتجميع مرتبي لمدى عام دون صر أي فلس لما استطعت السفر لهذه البلدان الغالية
نعم لا بد أن يعود السهم من أتى
نعم هذا هو الواقع، وعلى هذه الوزارة المتغطرسة أن تعود لرشدها، الجمعيات لن تموت وفينا عرق ينبض، لنا أساليبنا في أن نعود لصناديق ولن تعقم عقولنا عن العمل بحرية وعدالة وكرامة، ونقول لهذه الوزارة التي تختزل عقلية الحكومة للزمان صروفه.… ستخسرون ولن نخسر