من الأصوات الموضوعية القليلة المتبقية في الساحة العربية، صوت الباحث والأكاديمي شفيق نظام الغبرا.
حاجة الساحة إلى مثل هذا الصوت المستقل كبيرة جدّاً، وخصوصاً بعد هذا الانشطار العميق، وتوريط الأمة في اقتتال داخلي بعد تقسيمها إلى فسطاطين، سني وشيعي، ليتحاربا من الآن حتى يوم القيامة، كما ترغب في ذلك «إسرائيل» وحلفاؤها الأميركيون والبريطانيون والفرنسيون.
الغبرا صوتٌ مستقلٌ، ابن فلسطين ولادةً، وابن الخليج موطناً، ولا يمكن أن يتهمه أحدٌ بالطائفية، فهو مناضل سابق في صفوف حركة «فتح».
في آخر مقالاته، «إهمال الشعوب يعمّق هشاشة الأنظمة العربية»، يشخّص الداء المستوطن في بلداننا، قبل وبعد الربيع العربي، الذي انطلق بحثاً عن الحرية والكرامة وفرصة العمل الكريم. وهو الربيع الذي تمَّ إغراقه بالدم والعرق، وصُرفت المليارات لإجهاضه في عدد من البلدان، استكثاراً على هذه الشعوب أن تعيش حرّةً كبقية شعوب الأرض، في أوروبا وآسيا وأميركا الشمالية واللاتينية وحتى في إفريقيا.
الغبرا واضحٌ في تفكيره وتعبيره، فالأوضاع الساخنة التي تمرُّ بها المنطقة حاليّاً، سباق محموم بين أوضاع عربية مختلفة بفضل ثورات العام 2011، ثم الثورات المضادة العام 2013، ثم بسبب تعاظم الدور الإيراني في الداخل العربي، ثم تراجع وعودة الدور التركي المقترب أخيراً من دول الخليج، مع تراجع الدور الأميركي. ولذلك «ستأخذ منطقتنا المتناقضة مع نفسها والمدمنة على الاحتكار السياسي زمناً لبناء النماذج التي تجمع بين مشروع الدولة الراشدة وبين المساءلة السياسية، والعدالة والقيم الإنسانية القائمة على الأنسنة والحقوق». ويشير إلى وجود «أزمة شرعيةٍ» في الدول العربية بنسب متفاوتة، تعكس مدى اختلاف الناس على السياسة والحقوق والتمثيل، ومكانة القضاء واستقلاله وطرق صنع القرار. إنها مرحلةٌ تؤذن بأن الشعوب لم تعد رعايا أو عبيداً.
الغبرا يؤكد أن «الشرعية السياسية تعكس حدود تقبل الناس الطوعي للسياسات الحكومية من دون الحاجة إلى الفرض والقوة». وكلما ازدادت نسب استخدام القوة، وإغلاق المساحة العامة والاعتداء على الحريات، كما يقول، يتبين وجود أزمة تتعلق بالشرعية والاحتكار السياسي... «ويزداد الأمر حدّةً عند عزل فئات محددة في المجتمع (تيارات، فئات، حقوقيين، طوائف، قبائل، أقاليم، شباب)».
مثل هذا الكلام الصحيح والصريح قلّ من يجرؤ على طرحه وبمثل هذا الوضوح في هذه المرحلة الخانقة من التاريخ.
الغبرا يؤكد أن هذه السياسات تزيد من هشاسة الدولة العربية، ويستشهد بما كتبه طالب نسيم في مجلة «فورين أفيرز» بأن هشاشة الدولة ترتبط بنظام حكم يصنع قراراته بمركزية، ومن خلال فئة صغيرة من الأفراد، اعتقاداً منهم بأن المركزية وسرعة القرار طريق مضمون للاستقرار، لكن ذلك «وهمٌ»، حيث «يغيب النقاش الحقيقي حول التوجهات وينقصها الاستماع لوجهات نظر أخرى، مما ينتج قرارات متسرعة في الحرب والسلم، وفي الاقتصاد والسياسة».
الغبرا حين يتحدّث عن مناعة الدول، يركز على دور القانون، «فعندما تميّز القوانين بين مواطنيها على أساس الريف والمدينة، ثم تميّز ضد المرأة وضد طوائف عشائر أو قبائل محدّدة، تكون تلك مقدمات لغضب واحتجاج وراديكالية غير محسوبة التكاليف». بل ويشير إلى داء آخر، حيث لم تعتنِ الدول العربية بالمؤسسات، بل تحوّلت إلى حالة من الشكلية أو «الديكور»، فتحوّلت هذه المؤسسات إلى عبء على نفسها، وصورة تستهلك الثروة من دون أن تنتج القيمة، فتتحول إلى عنصر إضافي من العناصر المسببة لأزمات الدول. ألا ينطبق ذلك على مؤسسة «البرلمان» الذي أفرغه العرب من المضمون، فأصبح أحد مسببات إثارة النقمة لدى الجمهور.
كل مواطن عربي حين يقرأ كتابات شفيق الغبرا يشعر بأنه يتكلّم عن بلده ويشخص أدواءه... من ينكر ذلك؟
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 4628 - السبت 09 مايو 2015م الموافق 20 رجب 1436هـ
متابع
يعجبني أيضا صوت الأستاذ فهمي هويدي ، اختلافه مع الحوثيين في اليمن مثلا ، لم يمنعه من الوقوف ضد عاصفة الحزم ، اختلافه مع ايران لم يمنعه أيضا من أن ينتقد عدم محاولة العرب التقارب معها . . . وهلم جرا في مسائل كثيرة
هذا هو الفرق بين كتاب يدافعون عن أشخاص مهما فعلوا ومهما تقلبت سياساتهم ، و بين كتاب يدافعون عن مبادئ مهما كان الأشخاص الذين يحملونها ، فقد يمدحون شخصا لوقوفه مع هذه المبادئ ، ثم ينتقدونه في اليوم التالي مباشرة لتخليه عنها .
هذا هو الانصاف و هذه هي المهنية ، قل الحق ولو على نفسك .
الأهم ياسيد من يملك الشجاعة لمخاطبة الطاءفين عندنا
الكل ينتقد النظام واخطاءه وهذا مطلوب بس من أسس الطاءفية لا نجرء الاقتراب منه
على أمل أن يكثر أمثاله
تعدد المحللين ذوو الشخصية الراديكالية و المتحيزين لتحليلاتهم .. العالم بات يحتاج الى أمثال غبرا حاضرين دائما لدعم تحليلاتهم بالمضمون القوي المدعوم بالدليل
سيرمونه بألف حجر
من يقل كلمة الحقّ في زمن عزّ فيه الحق سوف يرمى بألف حجر .. فهم لا يرون الا صوتهم وبس
عبد علي البصري
هذا الصوت المحايد ماذا عسى ان يفيد , في عالم ((صم بكم عمي )) أو كالذي اشعل سراج ليضيئ في عالم اعمى وأبكم وأصم , هه هه يا سيد اكتب لعلى وعسى !! . سبحان الله
المشكلة ليس هنا
المشكلة ليست في المثال وانما في التطبيق وقليل من يصدق مع مبادئة ومثالياته اذا تحدث عن التطبيقات اما الكلام الانف فيقوله كثير.
صدقت أنا كل ما أقرأ مايكتبه شفيق الغبرا أحسبه يتكلم عن بلدي لان كل مايقوله واقع نراه فعلا
بالفعل كاتب مميز ومشخص دقيق لمايحدث في العالم العربي