تواصلاً للمقالة السابقة عن البطالة ما بين أبنائنا في عالمنا العربي، لأتساءل ونحن نفاخر بحضارتنا العظيمة، وأننا كنا كذا وكذا ونتناسى أننا في قاع السلم التكنولوجي والعلمي من حضارة هذا القرن، وأن أبناءنا وبناتنا مُهملون ومهمشون لأسبابٍ مجهولة ويقفون عاجزين عن العطاء والاختراعات بسبب محدودية الصفوف في دراسة التقنية والعلوم في جامعاتنا للتخصص، وانعدام العديد من الكورسات والدراسات التي تُحفز العقل للاكتشافات العلمية والتكنولوجية، كما علمت عن توقف العديد من المواد الحيوية، منها دراسة الفلسفة والتحليل وعدم توافر أية إمكانيات (budget) للبحوث العلمية أو الاختراعات، مقارنةً بما يُدرس في جامعات الدول المتقدمة والإمكانات الضخمة التي توفرها لهم للبحوث والاكتشافات وللتفكير الممنهج، وحالما يرحل أبناؤنا إلى الجامعات الأخرى في البلاد الاكثر تقدماً وحِرصاً على التقدم العلمي نرى الإبداع الحقيقي والانطلاقات ما بينهم حينما يحصلون على حقهم من الدراسة والبحوث، كما تُقدم لهم الجنسية في الحال لاحتوائهم.
وبذا بدأنا بهجرة الأدمغة (بسبب إهمالهم في بلادنا)، (وتعرف تلك البلاد مدى أهمية هذه العقول) وبذا توفر نفقات تعليمهم بجاهزيتهم للإنتاج ولتنمية ثرواتها والاستفادة القصوى منهم.
صحيحٌ أننا حصلنا وبمحض الصُدفة على البترول والذي تمكنا به من شراء كل ما يلزمنا من حضارة القرن الفارهة والفائقة التطور من التكنولوجيا والعلوم والإلكترونيات... الخ، فثرواتنا المادية هي التي أوصلتنا إلى بقاع الدنيا للشراء ولكنها مع الأسف أوصلتنا أيضاً إلى قاعها في الاعتماد الكلي على جهد الآخرين للإنتاج والتوقف عندنا عنه، والنوم في العسل والتوجه للاستهلاك المادي فقط ومن دون وضع أقل الجهد لكيفية شراء تلك التقنية العظيمة واللازمة للإنتاج (من المعلومات) (the knowhow) والتي تُشكل الأساس في مفاتيح هذه الحضارة والتي لا تُباع بثمن، وأنها المُحرك الرئيسي للصعود في أي مجال وأضحت ثرواتنا هي المغناطيس الذي يجذب البشر إلى منطقتنا من كل صوب للغَرف من الثروة المفاجئة بمهاراتهم ومن دون ترسيخها أو تمريرها بتدريب أبنائنا وتهيئتهم للقرون المقبلة، من الحضارة الحديثة. وإذ أتساءل لماذا تقدمت دولٌ كثيرة غير العرب والتي لم تكن تمتلك جُزءاً من ثروتنا وفي فترة قصيرة جداً.
أن تتقدم أمثال ألمانيا والهند وايران وباكستان وكوريا واليابان، وكثيرين غيرهم، وتربعوا على عرش الإنتاج للصناعات الحربية الثقيلة الدبابات والطائرات والصواريخ، والخفيفة والإلكترونيات والاكتشافات الفضائية والعلمية والطبية من (النانو تكنولوجي) العجيب والتي تخترق فيه الشريحة الإلكترونية جسم الإنسان لتقدم تقريراً كاملاً عن حالته الصحية والمناطق المريضة والتي تحتاج عناية خاصة أو جراحة، أين نحن من كل هذا؟
إنني لا أعرف الإجابة عن أين نحن من كل هذا، ولكنني أعرف بأننا أمة مُستهلكة لكل شيء وخاملة عن أي عطاء.
وحتى ما يبيعوننا إياه يتم بشروطهم، فهم يتخلصون من المواد والأجهزة السيئة الصُنع لديهم (لنواقص يعرفونها) وبتصديرها إلينا، ونحن لا نعرف كيف نحمي أنفسنا لتحاشي قبولها، أو من مكرهم، لعدم وجود المختبرات والكوادر المؤهلة لاكتشاف الأغلاط بسبب الضعف في جامعاتنا وتعليمنا كما ذكرت، ولأنهم الأقوى، فهم يمتلكون مفاتيح الحضارة وما يدور بكواليسها.
وهم الآن يصدرون الأفكار السيئة إلينا ويثيرون النزاعات بيننا كي نشتري أسلحتهم وإنتاجهم وننعش حركة اقتصادهم وننفذ لهم خططهم لتدميرنا تدريجياً، ولنبكي بعدها بسقوطنا، ثم نقول بأننا قد تعبنا فقمنا بقتل بعضنا البعض، وأضعنا دروبنا وتفرقنا، عن سكة الصواب، اللهم احفظ بلادنا وأعد إلينا رشدنا وقوِّنا لنعيد أمجاد حضارتنا الرائعة يوماً ما من جديد.
إقرأ أيضا لـ "سهيلة آل صفر"العدد 4628 - السبت 09 مايو 2015م الموافق 20 رجب 1436هـ
كلام واقعي
في الصميم مقال رائع
كلام واقعي
في الصميم مقال رائع