العدد 4628 - السبت 09 مايو 2015م الموافق 20 رجب 1436هـ

«غونكور» تذهب إلى الجزائري داود عن «ميرسو - تحقيق مضاد»

اتُهمَ بالردَّة ورأى أن «علاقة العرب بربِّهم جعلتهم يتخلَّفون»...

كمال داود
كمال داود

منحت أكاديمية غونكور يوم الثلثاء (5 مايو/ أيار 2015)، الروائي الجزائري المثير للجدل، كمال داود جائزتها للعام 2015، لأفضل أول رواية «ميرسو - تحقيق مضاد»، وفقاً لخبر نقلته الكاتبة والصحافية راشيل دوناديو، من «نيويورك تايمز» يوم الثلثاء (5 مايو 2015).

الكتاب عبارة عن تناول لكتاب جريمة القتل التي تم ارتكابها في كتاب «الغريب» للروائي الفرنسي ألبير كامو التي صدرت فى العام 1942؛ وتتناول أحداثاً بطلها ميرسو يعمد إلى قتل عربي يدعى موسى، ولا يكشف عن شخصيته على امتداد الرواية؛ ليعيد الجزائري داود قصته في روايته ويقوم بالكشف عن هويته من خلال العمل الفائز.

يستشهد الروائي آدم شاتز، في صحيفة «نيويورك تايمز»، بجزء مما كتبه داود «بعد أحداث 11 سبتمبر/ أيلول 2001، على سبيل المثال، كتب داود أن العرب قد (حُطِّموا لعدَّة قرون، وأنهم بذلك سيواصلون تحطُّمهم طالما أنهم عُرفوا باختطاف الطائرات أفضل من معرفتهم بصناعتها)».

تغطية فوز داود بالجائزة استند إلى خبر «نيويورك تايمز» بتاريخ 5 مايو الجاري، ومقالة مُطوَّلة كتبها شاتز في الصحيفة نفسها في الأول من أبريل/ نيسان 2015؛ أي قبل أكثر من شهر من تاريخ الفوز بالجائزة، اجتزأنا من بدايتها الجانب المباشر من رؤيته لكمال داود، إضافة إلى تتبُّع عدد من الصحف الجزائرية، وما تم نشره على مواقع بعض القنوات الفضائية، أو الأخبار التي غطت جانباً من لقاءات داود وأطراف التغطية.

داود ذو الـ 44 عاماً، صحافي وكاتب عمود، ويقيم في ثاني أكبر المدن الجزائرية (وهران). «تحقيق ميرسو»، بلغت الدور النهائي في نوفمبر/ تشرين الثاني 2014، لجائزة غونكور، ولكنها ذهبت إلى ليدي سالفاير عن روايتها «لا تبكِ». وقال وقتها، الناقد بصحيفة «لوفيغارو» محمد عيساوي: «إن داود راح ضحية المنافسة الشرسة بينه وبين الروائي ديفيد فوينكينوس الذي نال جائزة رينودو عن روايته «شارلوت».

بين الورع الديني والنزعة الليبرالية

وفي لمحة عن داود في «نيويورك تايمز» الشهر الماضي، كتب آدم شاتز أن «الموضوع الكبير لكتابة داود هو الشرط الجزائري. أن تكون جزائرياً، كما يقول، هو أن تكون «منفصم الشخصية»، مُوزَّعاً بين الورع الديني والنزعة الفردية الليبرالية». وقال الروائي آدم شاتز، إن رئيس وزراء فرنسا مانويل فالس، قد اتصل به للتعبير عن اعجابه بـ»ميرسو - تحقيق مضاد».

في ديسمبر الماضي، واجه داود، الذي يُعدُّ من أشد منتقدي حكومة الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة، فتوى أهدرت دمه، وكان الهدف من الفتوى التي أصدرها إمام سلفي اتهم بأنه عدو للإسلام واللغة العربية. وقال داود لصحيفة «لوموند» الفرنسية في ذلك الوقت، إنه يريد الاستمرار في الكتابة كما كان من قبل.

«ميرسو - تحقيق مضاد»، ستنشر في الولايات المتحدة في يونيو/ حزيران عن «Other Press». وقد نشرت للمرة الأولى في الجزائر في العام 2013 وفي فرنسا في العام 2014.

الروائي آدم شاتز في مقالته في «نيويورك تايمز»، والتي حملت عنوان «مازال غريباً»، كتب بأنه سمع للمرة الأولى عن الكاتب كامل داود قبل بضع سنوات «عندما قالت لي صديقة جزائرية إنني يجب أن اقرأ له إذا أردتُ أن أفهم كيف تغيَّرت بلادها في السنوات الأخيرة». وأضافت الصديقة «إذا أمكن للجزائر أن تنتج كامل داوود؛ مازال لديَّ أمل في الجزائر».

كراهية الذات

وأضاف شاتز، بأنه عند قراءة مقالاته في «لو كوتيديان دوران»، وهي صحيفة جزائرية تصدر باللغة الفرنسية، فهمت ما الذي كانت تقصده صديقتي، مشيراً إلى أنه يمكنه أن يفهم لماذا تم اتهامه بالعنصرية؛ بل وذهبت الاتهامات أبعد من ذلك بأنه يعاني من «كراهية الذات». وقال: «بعد أحداث 11 سبتمبر/ أيلول 2001، على سبيل المثال، كتب داود أن العرب قد (حُطِّموا لعدَّة قرون، وأنهم بذلك سيواصلون تحطُّمهم طالما أنهم عُرفوا باختطاف الطائرات أفضل من معرفتهم بصناعتها)».

مضيفاً «كلما قرأتُ لداود أكثر أحس بأنه لم يكن مدفوعاً بسبب (كراهية الذات) بل بسبب خيبة أمل الحب. هنا كاتب في أوائل الأربعينات من عمره، في مثل سنِّي، يعتقد أن الناس في الجزائر والعالم الإسلامي الأوسع يستحقون قدراً كبيراً أفضل من الحكْم العسكري أو حكْم الإسلاميين».

روايته الأولى «ميرسو - تحقيق مضاد»، وهي بناءٌ على رواية كلاسيكية مثيرة لألبير كامو صدرت في العام في 1942، وحملت عنوان «الغريب»، تأتي من وجهة نظر شقيق عربي قتله ميرسو، (جبان كامو). كما تتضمَّن الرواية نقداً لمرحلة ما بعد استعمار الجزائر - البلد الجديد الذي ولد فيه الفقير الفرنسي كامو، والذي لم يعش ليرى ما آلت إليه أموره.

وقال شاتز: «ما أبهرني في كتابة داوود، بشقيها في الصحافة وروايته، هي جسارته في الدفاع عن قضية الحرية الفردية - تلك الجسارة بدت لي وكأنها حُدَّت بالتهور في بلد عرف عنه العواطف الجماعية للأمة وقيادة الإيمان العالي. كنت أتساءل ما إذا كانت خبرته قد توفر أدلة على أن حالة الحرية الفكرية في الجزائر، هي خليط غريب من الديمقراطية الانتخابية والدولة البوليسية».

مطالبة بالإعدام

الرواية وقت صدورها لم تلقَ حفاوة كبيرة في الأوساط جميعها؛ بل أثارث جدلاً في الجزائر والمغرب؛ وكذلك في فرنسا؛ حيث تقيم أكبر جالية عربية ومسلمة؛ لعل أكثرها وتجاوز كل ذلك الجدل صدور فتوى من رئيس جبهة الصحوة السلفية عبدالفتاح حمداش؛ طالب فيها الحكومة الجزائرية بإعدام داود لما رأى في الرواية من تطاول على الله والقرآن الكريم «وطعن بلاد المسلمين، وتمجيد الغرب والصهاينة والاعتداء على اللغة العربية».

وجاء في بعض نص الفتوى «لقد تطاول الجزائري الزنديق كمال داود على الله سبحانه وجرح المسلمين وأبناءهم في كرامتهم، ومجَّد الغرب والصهاينة، واعتدى على اللغة العربية بالقدح»، منهياً فتواه بدعوة الحكومة الجزائرية بـ «الحكم عليه بالإعدام قتلاً علانية بسبب حربه الفاجرة ضد الله والرسول ومقدسات المسلمين وأبنائهم وبلادهم».

استنكار مُضادّ

في المقابل، نقلت صحيفة «المحور اليومي» الجزائرية الصادرة في 17 ديسمبر/ كانون الأول 2014، عن واحد من قيادات التيار الإسلامي علي بن حاج رفضه الفتوى التي أصدرها السلفي حمداش في حقّ الكاتب والصحافي الجزائري كمال داود.

وقد تساءل بن حاج مستنكراً الصفة التي تؤهّل حمداش لإصدار هذه الفتوى بالقول: «إنّ أيّ عالِم مهما كان لا يحقّ له أن يصدر أيّ حكم ضدّ أيّ شخص آخر، يتهمه فيه بما أسماه الردّة»، لأنّ «صلاحيات أيّ عالم دين تتوقّف عند تبيُّن الأحكام فحسب» و أضاف أنّ «أيّة تجاوزات مهما بلغت في كتابات أيّ كاتب لا تعدّ مُبرِّراً لإخراجه عن الإسلام (...) وبالتالي لا يجوز التكفير بالمعاصي» ليختتم رأيه بأنّ الحكم القانوني من صلاحيات القاضي ويبقى لله الحكم على البشر.

لاشك أن تصريحات الرجل ومواقفه استفزازية وصادمة، وتذكّر بنماذج مغاربية عمدت إلى تبني مواقف غاية في التطرف والاستفزاز تحضيراً أو معرفة بأصول اللعبة للترشح للجوائز الأوروبية الكبرى؛ على رغم أن ذلك لا ينفي إمكانات داود اللافتة، ولا يُبرِّر وصول بعض القيادات من التيار الإسلاموي المتطرِّف إلى درجة إباحة دمه. ولعل أوضح صورة لمواقفه تلك ما صرح به للقناة الفرنسة الثانية، من أنه مقتنع بمواقفه، مشيراً إلى أنه لم يشعر يوماً بأنه عربي (أنا جزائري ولست عربياً) مضيفاً أن «العربية» ليست جنسية باعتبارها ثقافة وموروثاً؛ وذهب إلى أبعد من ذلك بوصفه العروبة «احتلالاً» وسيطرة؛ ليدخل في حال تعميم مرَضي بقوله، إن «علاقة العرب بربهم هي من جعلتهم يتخلَّفون»!

تضامن مثقفين

إزاء الجدل الدائر، من كاتب إشكالي بطبعه، وفي مواجهة محاولة تكميم الأفواه، واستسهال إهدار الدم من خلال تلك الفتوى، كان لابد من وقفة للمثقفين الجزائريين؛ إذ دعوا في بيان لهم الجهات الرسمية إلى تحريك دعوى قضائية ضد دعوات القتل التي «تعيد تذكيرنا بأبشع صور ما عاشته الجزائر من ترويع الجماعة الإسلامية المسلحة».

هجوم رشيد بوجدرة

في المقابل، ليس الإسلاميون وحدهم من رأوا في تصريحات كمال داود تطاولاً على الثوابت؛ واستفزازاً لوجودهم؛ وتحقيراً للغة العربية وبالتالي العرب، وتبرؤه من عروبته، ففي ظل طرح موضوع الهويَّة في الجزائر؛ والإشكالات المرتبطة بها؛ انبرى مثقفون أيضاً للرد على داود؛ إذ شن الروائي الجزائري رشيد بوجدرة، هجوماً عنيفاً على مواطنه كمال داود، والذي لم يتردد في وصفه بالجاهل والمريض النفسي، في ضوء تصريحاته، ورأى أن آراءه «تعبِّر عن قلَّة فهم فسلفية، وضعف كبير في التحليل الروائي والنقدي».

وقال بوجدرة «إن المثقف والروائي لديه دائماً رؤية نقدية للأوضاع لكن بنوع من الشعرية والحب من خلال أعماله الإبداعية، وهذا الذي يفتقد إليه الكاتب والصحافي، كمال داود، الذي تطاول على ثوابت الأمة ومقوماتها».

وضمن السياق، بيَّن بوجدرة، أثناء لقاء بثته قناة «النهار» السباب والدوافع الكامنة وراء اختيار بعض الجوائز الكبرى لأسماء بعينها، ومن ثم ترشيحها للجائزة، وفي كثير من الأحيان، الفوز بها، بالقول، إنه لم يحصل أي روائي وأديب جزائري على جائزة أدبية قيِّمة في فرنسا، وهذا دليل على أن الفرنسيين يمنحون جوائزهم وفق منطق سياسي يخدم مصالحهم وتوجهاتهم الإيديولوجية، وليس انطلاقاً من منطق أدبي فني، كما يتم الترويج له، وهو الشكل نفسه المعمول به في جائزة نوبل للآداب».

موضحاً، أن قضية كمال داود «تصب في الإطار الإيديولوجي نفسه الذي ترغب فيه الجوائز الفرنسية، لذلك لقي ذلك النجاح في الوسط الفرنسي».

الثالث عربياً

يُذكر، أن كمال داود نال في العام 2014 عن الرواية نفسها جائزة القارات الخمس للفرنكفونية، وهي جائزة أطلقتها المنظمة الدولية للفرنكفونية في العام 2001. كما نال جائزة فرنسوا مورياك التي تمنحها الأكاديمية الفرنسية، وجائزة «المرسى الأدبي» وأسسها كتَّاب وصحافيون جزائريون وفرنسيون.

كما يُشار إلى أن داود ثالث عربي يفوز بـ «غونكور» بعد المغربي الطاهر بن جلون العام 1987، واللبناني أمين معلوف العام 1993.

من دون أن ننسى الإشارة إلى أن جائزة أفضل الكتب لأول رواية بدأت في العام 2014.

ضوء على غونكور

يرجع اسم جائزة غونكور إلى اثنين من الكتَّاب الفرنسيين في القرن التاسع عشر: أدمون غونكور هوت دو (1822-1896)، وشقيقه جول دي هوت غونكور (1830-1870).

أسَّس الجائزة إدمون دو غونكور، حيث أوقف كل أملاكه على تأسيس أكاديمية غونكور وتمويلها؛ لتخليد ذكرى شقيقه وشريكه جول غونكور؛ فقرَّر أن تُباع كل ممتلكاته بعد وفاته، وتخصص فوائد هذا المبلغ الضخم لأكاديمية غونكور وتمويلها لمنح الجائزة لأفضل عمل أدبي في العام.

غلاف الرواية
غلاف الرواية
بالقرب من الباستيل وهو سوق في وهران الجزائرية (وكالة فو) لصحيفة «نيويورك تايمز»
بالقرب من الباستيل وهو سوق في وهران الجزائرية (وكالة فو) لصحيفة «نيويورك تايمز»

العدد 4628 - السبت 09 مايو 2015م الموافق 20 رجب 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً