بمواجهة تعقيد حركة المرور «السير» في السودان، وعسف القوانين وتطبيقها، والغرامات الفورية الباهظة، وسوء الطرق ومستلزمات السلامة، وقلة التوعية المرورية، في ظل زحام خانق في معظم طرقات العاصمة الخرطوم، نشأت ونشطت مجموعة شبابية على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» أطلقت على نفسها «احترس.. أمامك كشة» - وكشة مفردة عامية تعني حملة - ومقصود بها تنبيه عضويتها لأماكن الحملات المرورية ليتجنبوها، حسبما أفادت صحيفة الشرق الأوسط.
وسرعان ما انضم إليها عدد كبير من الذين يعانون مشكلات مع «ناس المرور»، وتجاوز عدد عضويتها حتى كتابة هذا التقرير 8 آلاف عضو من مختلف الشرائح الاجتماعية، وإن غلبت عليها النبرة الشبابية التي تتهكم من كل شيء، لدرجة أن محرر الصحيفة لم ينج من مشاكساتهم وسخريتهم المريرة حين حاول استطلاع بعضهم في «استيتس» بالمجموعة، ومع نبرتها المتمردة فإن بعض رجال المرور اكتسبوا عضوية المجموعة، على الرغم من أن المجموعة تطلق عليهم اسم «عصابة الرداء الأبيض».
تقوم فكرة المجموعة والتي تبدو مثل «دعابة» على ما أطلق عليه مؤسسوها «المانفستو»، يقول المانفستو: «ناس المرور كرهونا الشارع، رخصة، ترخيص، تظليل، حزام أو أي شيء المهم يقلعوك - يطلق على الغرامات القلع - هذه المجموعة تكافلي، لو زول (شخص) لاقي كشة في الطريق ينبه أخوانه بمكان الكشة وتوقيتها».
وتشهد شوارع الخرطوم اختناقات في حركة السير طيلة أيام الأسبوع، بسبب ضيق الشوارع وسوءها، وكثرة الحفر والمطبات في معظمها، مع كثافة أعداد السيارات، ورغم جهود رجال المرور لتخفيف الزحام، فإن سائقين كثر يشكون من تصرفات بعضهم، ومن تعاملهم الفظ. وتطورت فكرة «المجموعة» (المجموعة) لتتضمن التوعية المرورية، ثقافة وذوق القيادة، تطوير مهارات الأعضاء في القيادة والميكانيكا، بل وحتى تنويرهم بأماكن الورش والميكانيكيين المهرة، وآداب الطريق وتوقير كبار السائقين، دون أن تتخلى عن روح الدعابة التي قامت عليها، كما تواجه «المجموعة» انتقادات حادة لسلوك مرتادي الطرق وتسخر من كثير من تصرفاتهم.
يقول عضو «المجموعة» محمد عطية إن هناك «تذمرًا عامًا» من قوانين المرور، ومن مخالفات الترخيص، ومن ممارسات بعض رجال شرطة المرور، لذا فإن أغلب «البوستات»، تنبه أعضاء المجموعة لأماكن حملات المرور، كما أن بعض «البوستات» تقدم معلومات مفيدة عن مهارات القيادة، وإصلاح بعض الأعطال. ويمنع قانون المرور السوداني تظليل زجاج السيارات، ولا يبيحه إلا بتصديق من الوزير المختص، وهو الأمر الذي يثير غضب الكثير من سائقي السيارات الذين يرون في القانون ظلمًا بينًا، خصوصا في أجواء السودان شديدة الحرارة التي تضعف فعالية مكيف السيارة، مما يجعل منه - التظليل - مهماً لأنه يمنع دخول أشعة الشمس المباشرة، بما يرفع من كفاءة التبريد داخل الكابينة.
وما يثير غيظ أعضاء المجموعة أكثر، فإن معظم «السيارات الرسمية»، إن لم تكن كلها «مظللة»، وهو ما يعتبره أعضاء المجموعة شكلا من أشكال «السيطرة أحادية الجانب»، يقولون: «الحكومة تستمتع بالتظليل والبرودة، وتترك الشعب في الحر والشمس اللافحة، بل وأكثر فإن «الغرامة الفورية» التي تدفع مقابل التظليل تبلغ ألف جنيه سوداني - 150 دولار أميركي حسب السعر الرسمي للدولار - وهو مبلغ باهظ بالنسبة للأوضاع الاقتصادية في البلاد.
وتفرض سلطات المرور غرامات فورية تختلف قيمتها حسب نوع المخالفة، فتجاوز السرعة المقررة، وهي لا تتجاوز 90 كلم في الساعة في طرق المرور السريع، و70 كلم متر في المدن، وتبلغ غرامة التجاوز 80 جنيه داخل المدن، و100 جنيه في طرق المرور السريع.
وينتقد أعضاء المجموعة وسائقو المركبات بشكل عام طريق تنفيذ الغرامات الفورية، ولا يرون فيها أداة لضبط حركة السير، أو الحيلولة دون الحوادث المرورية، بل وسيلة جباية قسرية تدخل خزينة الشرطة ولا تعود على الناس في شكل بنى تحتية للسير، يقول أحد أعضاء المجموعة في طرفة تجسد هذه النظرة: «أخصائية نفسية وجدت صغار العائلة يلعبون ويجرون وكأنهم سيارات ثم يطلقون أصوات التنبيه - بيب.. بيب.. بيب - ففرحت بلعبهم، لكنها تألمت بعد أن رأت أصغرهم مختبئًا لوحده خلف المكتب، فسألته لماذا لم تلعب معهم، فأجابها أنه (الرادار) الذي يكشف المخالفات».
وتصور الحكاية بدقة حال رجال المرور يخفون «الرادار» خلف الأشجار والسيارات ليفاجئوا السائقين بالمخالفات والغرامات الفورية، وهو حسب أعضاء بالمجموعة مخالف لمهمته في الحيلولة دون وقوع المخالفات، كأن الشرطة بدلا من تنبيه السائق، تدس له السم في الدسم لتضبطه بـ«الثابتة»، كما يقولون.